أغاني المهرجانات: ماذا لو كانت "بنت الجيران" لا تتحدث عن الحشيش؟

أغاني المهرجانات: ماذا لو كانت "بنت الجيران" لا تتحدث عن الحشيش؟


24/02/2020

"الخلاعة والدلاعة مذهبي، من زمان أهوى صفاها والنبي"، أثارت هذه الكلمات التي غنّتها كوكب الشرق، أم كلثوم، عام 1926، وقدّمتها شركة "أوديون" في أسطوانات، غضب الشعب المصري المحافظ، بعد أن استقبل الموهبة الجديدة التي ستصبح سيدة الأغنية العربية، بقصيدة "أراكَ عصيّ الدمع"، فتمّ سحب الأسطوانات من الأسواق، وتصحيح الكلمات من الخلاعة والدلاعة إلى الخفافة واللطافة، إرضاءً لذوق الشارع المصري، وتراجعاً عمّا سمّته النخب المثقفة آنذاك "الإسفاف".

بنت الجيران التي انتفض لها الشعب
حالياً، تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بسبب قرار نقيب الموسيقيين، الفنان هاني شاكر، منع أغاني المهرجانات، ومنع حضورها في الأعراس والحفلات العامة في الفنادق، أو أيّ تواجد فعلي في الشارع.
وفي تصعيد خطير؛ أعلنت نقابة المهن الموسيقية في مصر أنّها تواصلت مع إدارتَي موقعَي "يوتيوب" و"ساوندكلاود"، لحذف أغاني المهرجانات من الإنترنت، في خطوة أسموها "محاربة الإسفاف والفنّ الهابط".

اقرأ أيضاً: أغاني المهرجانات: هل هي "أخطر" من فيروس كورونا في مصر أم "فن" قائم بذاته؟
أما الأغنية التي أثارت الجدل، فهي "بنت الجيران"، التي غناها كلّ من حسن شاكوش وعمر كمال، ونشرت على القناة الرسمية لحسن شاكوش على موقع يوتيوب، والتي اقترب عدد مشتركيها من مليونين، بتاريخ الخامس من كانون الأول (ديسمبر) 2019، وفي أقل من شهرين، بلغت مشاهدات الأغنية أرقاماً غير مسبوقة وصلت 100 مليون مشاهدة، قبل أن تنفجر الأزمة في وجه الشابين، بعد أن تمّ استدعاؤهما لحفل عيد الحب، الذي أقيم بستاد القاهرة الدولي، وفي مقطع يقول فيه حسن شاكوش: "تسيبيني أكره حياتي وسنيني أتوه ومش هلاقيني وأشرب خمور وحشيش"، وهو ما استفز العديد من الناس، بزعم أنّ قدسية ستاد القاهرة تمّ تدنيسها بجملة "خمور وحشيش".

وعلى صعيد آخر؛ تساءل آخرون: "أيّة قدسية يحملها ستاد كرة قدم حتى تدنَّس بجملة "خمور وحشيش"، وهي أشياء يفعلها معظم المصريين ولكن سرّاً؟"، هذا الانقسام إزاء قرار النقابة بمنع هؤلاء الشباب من ممارسة الغناء، جعل المطربين اللذين أثارا الجدل يظهران في بثّ مباشر عبر صفحتهما على الفيسبوك، ويتوجهان بالاعتذار للشعب المصري عن الجملة التي تتعارض مع قيم الأسرة، موضحين أنّهما قد غيّرا تلك الجملة إلى "من غيرك مش هعيش"، لكنَّ الخطأ كان من قبل الفنّي الذي قام بتشغيل الأغنية، إذ اختار النسخة القديمة، بدلاً من تلك التي أعدّاها للحفل خصيصاً، وتوجه الشابان للشعب المصري بالاعتذار، وطلبا الدعم منعاً لقطع مسيرتهما الفنيّة، وسبل عيشهما، ولم تمضِ سوى بضعة أيام على تلك الأزمة، حتى ارتفعت نسب مشاهدة الأغنية على يوتيوب من 100 مليون إلى 117 مليون، بينما صار الحديث عن تلك الأزمة هو حديث الفضائيات المصرية والعربية، بل وشبكة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، التي خصصت حلقات من برنامجها "نقطة حوار" للحديث عن الأزمة، لتصنع هذه الأزمة للأغنية وصاحبَيها شهرة إضافية خارج نطاق الإنترنت والشارع المصري.
هل نحن على أعتاب ثورة موسيقية؟
انقسمت آراء الشارع المصري، وبرزت تجليات ذلك الانقسام من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي حملت آراء متطرفة في الاتجاهين؛ فالفريق الأول يؤيد قرار المنع، ويرى أنّه أفضل الطرق لمحاربة ذاك النوع من الفنّ الهابط والإسفاف، بحسب وصفهم، وهذا الفريق حاول إلصاق كافة الأمراض الاجتماعية بالمهرجانات، التي رأى أصحابه فيها دعوات للفساد والبلطجة والمخدرات..، بينما يقف الفريق الآخر متعاطفاً بشدة مع ما يقدمه هؤلاء الشباب، بصفتهم المعبرين عن أكثر الطبقات الاجتماعية تهميشاً.

لطالما كانت الأغاني المصرية تمتلك مساحة من الخلاعة والكلام الخارج عن المألوف، مثل أغاني ليلة الحنّة

وبحسب الكاتب والباحث ورئيس تحرير قناة "القاهرة والناس"، الدكتور ياسر ثابت، في حديثه مع "حفريات" فإنّ "الانقسام القائم، هو ما بين معارضٍ لفرض الوصاية أو الحجر على اختيارات الناس وأذواقهم، وهو فريق يرى في معظمه أنّ أغاني (المهرجانات) ستنتصر؛ لأنّها تتحدث عن مشكلات الناس، على خلفية نغمة موسيقية متكررة، وفريق آخر يحذر مما يراه لغة متردية وإسفافاً في تلك الأغاني، له مخاطره على المجتمع وثقافته العامة، فضلاً عن أنّه يجعل العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة في عالم الغناء".

ويستطرد قائلاً: "وهناك فريقٌ ثالث، وأنا منهم، يطالب باحتضان مطربي المهرجانات وتعليم من لديه موهبة منهم، ووضع ضوابط على كلمات أغانيهم، وفي الوقت نفسه حثّ المنتجين على تشجيع المواهب الشابة، وعلى مستوى النجاح اللحظي؛ فإنّه لا يمكن إنكار ذيوع أغاني (المهرجانات) وانتشارها في الحفلات والمناسبات العامة أو حتى على مستوى الرواج في صفوف الجمهور من مختلف الطبقات، حتى إنّنا بتنا نجد رقصات شعبية صممت خصيصـاً لمصاحبة مثل هذه الأغاني، غير أنّ رهان البقاء يظل متواضعاً، في الوقت الذي تبقى فيه الأغنية الشعبية غراماً خاصّاً بالنسبة إلى كثيرين".

اقرأ أيضاً: نقابة الموسيقيين المصريين تصدر قراراً يمنع المهرجانات.. هل يشمل محمد رمضان؟
وبدأ هذا اللون من الغناء بالظهور عام 2007 في مدينة الإسكندرية، مع فرقة الدخلاوية، المكونة من فيلو وتوني ومحمود ناصر، حيث كان مهرجان الدخلاوية أول مهرجان يظهر في مصر، تلته عدة مهرجانات أخرى للفرقة نفسها، ثم ظهرت فرق متنوعة في جميع أنحاء الجمهورية، وأول مهرجان صدر في القاهرة كان مهرجان السلام، لأحمد فيجو وعلاء فيفتي، ثم دخلت بعد ذلك شركات الإنتاج المصرية في صناعة المهرجانات وحققت نجاحاً كبيراً.

الرواج والانتشار
ظهرت بعد ذلك موسيقى المهرجانات في الكثير من الإعلانات التجارية على شاشة التلفزيون، وتطورت صناعتها، واستغل الممثل محمد رمضان (الذي شمله قرار المنع من الغناء)، إعجاب الجمهور بهذا النوع من الأغاني؛ فغنّى مهرجان "أنا أصلاً جن"، من فيلم "قلب الأسد"، وساهمت هذه الأغنية في الترويج لهذا النوع من الموسيقى، كما جذبت جمهور المعجبين لدخول الفيلم، وبالتالي استُخدِمت الأغنية للترويج للفيلم الذي حقق إيرادات عالية بالفعل، وعليه انتشرت هذه الأغاني في أوساط الشباب من الطبقات العمالية وتحت المتوسطة في المناطق الشعبية، ووسائل المواصلات، وحفلات الزفاف الشعبية، غير أنّها اجتذبت جمهوراً أكبر من المستمعين من طبقات أخرى عبر مواقع الإنترنت بوجه خاص، خلال العقد الثاني من الألفية الثالثة، وربما جاز القول إنّ أبناء الطبقة الوسطى، حتى المثقفين منهم، أصبحوا يسمعون أغاني المهرجانات الشعبية بشغف كبير؛ إذ إنّ كثيرين منهم يرون أنّها أكثر بهجة من الأغاني الأخرى، بالتالي، تعد تعبيراً عن حالات الفرح والبهجة أو الشعور بالطاقة الإيجابية في مواجهة صعوبات الحياة اليومية.

هشام أصلان لـ"حفريات": لا يجب التعامل بهذا التعالي مع أغاني المهرجانات التي يحبها الملايين ومن جميع الطبقات الاجتماعية

وفي هذا السياق، أوضح الكاتب والصحفي الثقافي هشام أصلان، أنّ من حق أي شخص أن يقدم ما يريد ويعتبره فناً، كتابة أو غناء أو رسماً. وقال لـ"حفريات": "لا يجب أبداً التعامل بهذا التعالي مع لون فني يحبه الملايين ومن جميع الطبقات الاجتماعية، هذا أمر غير مبرر. أغاني المهرجانات هي لون موسيقي يتطور، ونجاحه يرتبط بقدرته على التعبير بجدارة عن البيئة التي خرج منها، وهذه مسألة لا تعني أبداً أنه مقتصر على أبناء الطبقات البسيطة، بل على العكس تماماً.
وأضاف أصلان "أتذكر، كلما حدث هذا الجدال، موسيقى الراي التي وصلت إلى المستمع المصري بداية التسعينيات مع الشاب خالد وأحببنا موسيقاها، بينما لم نفهم تقريباً ما تقوله كلماتها، ذلك رغم أننا لسنا أبناء البيئة التي تعبر عنها موسيقى الراي، وعن نفسي أحب أغاني المهرجانات في حالات مزاجية معينة، كما أحب الاستماع إلى أم كلثوم أو فيروز أو عمرو دياب أو حتى بتهوفن في حالات مزاجية أخرى".

وكان للكاتب والمترجم المصري، أحمد عبد اللطيف، رأي مطابق؛ إذ عبّر عن رفضه لمنع أغاني المهرجانات، ووصفها بالفنّ البديع، حتى إن كان هناك من لم يتقبّل الأمر بعد، وأضاف في حديثه مع "حفريات": "موسيقى المهرجانات خطوة جديدة على طريق الموسيقى المصرية، لا تقل أهميّة عن الخطوة التي قام بها حميد الشاعري، مع جيل الثمانينيات والتسعينيات، وما صنعه محمد فوزي ومحمد عبد الوهاب وسيد درويش".
وأعرب عن اعتقاده بأنّ "ما يُغضب الناس هو وجود بعض الألفاظ التي لا يتقبّل الناس ظهورها في الفضاء العام، أما عن قصة المنع فهو أمر شبه مستحيل؛ لأنّ الإنترنت عالم مفتوح للجميع، لن يستطيع النقيب أن يسيطر عليه مهما فعل، فالفنان هاني شاكر انفصل عن الفنّ والشارع من زمن، سواء على مستوى الموسيقى أو الأغاني، وأعتقد أنّ الفترة القادمة ستحمل تغييراً يكون أكثر تهذيباً لكلمات أغاني المهرجانات، لأنّ أصحابها الآن بصدد مقابلة جمهور أكبر من أبناء الأحياء الشعبية والعمال. وفي رأيي؛ هذه الأغاني وهؤلاء الفنانون، هم أبناء مصر، وفنّهم يناسب شريحة عريضة من المجتمع المصري، لا نستطيع تجاهل ذوقها أو التحقير منه".

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز ردود فعل الفنانين على قرار منع المهرجانات في مصر؟

وأردف عبد اللطيف: "لطالما كانت الأغاني المصرية تمتلك مساحة من الخلاعة والكلام الخارج عن المألوف، مثل أغاني ليلة الحنّة، وهي تراث فلاحي مصري، وكان المجتمع يتعامل معها بأريحية، أما الرفض الحالي فسببه، في رأيي، أنّ معظم أصحابه يحبون العيش في المساحات الآمنة، وعدم مواجهة الحقيقة، وهذا من حقهم، لكن ما أرفضه هو فرض الوصاية الفنية على الغالبية العظمى من الشعب، كما أنّ هذا الرفض العنيف هو رفض طبقي بالأساس؛ لأنّ هؤلاء المطربين هم من أكثر فئات المجتمع تهميشاً، ومن أكثر المناطق فقراً، لذلك فإنّ النظرة إليهم لا تخلو من استعلاء".
وتساءل: "مَن هؤلاء الصعاليك الذين سيختطفون جمهورنا؟ ولا يجوز أن ينظر للفنّ بهذا الشكل الطبقي، وأن يتحول إلى عائد اقتصادي ومنافسة مادية على الحفلات ومشاهدات اليوتيوب، وأعتقد أنّ الجدل القائم سيقضي قريباً على تلك النظرة المليئة بالاستعلاء".

الصفحة الرئيسية