أسطورة الجماعة الموحدة.. صراعات أفرع الإخوان تتصاعد

أسطورة الجماعة الموحدة.. صراعات أفرع الإخوان تتصاعد


17/02/2022

أثّر انقسام الجماعة في مصر على عموم فروع كياناتها في المنطقة، حتى أنّه لم يكد يسلم أي منها من هذه الأزمة التي ضربتها، ويرى مراقبون أنّ عقل الجماعة أصيب بالشلل، وبات الهيكل التنظيمي بلا رأس، ودخل حالة تيه وشتات وانفلات، وجعل التنظيم أشبه بالخلايا السرطانية التي يهاجم بعضها بعضاً. وفي هذا التقرير استعراض لأبرز هذه الانشقاقات.

الانقسامات تتوالى في الأردن والجزائر

في الأردن تأثرت الجماعة بما جرى في مصر، وحتى أنه قبل سنوات سقوط الإخوان من السلطة لم تفلح المحاولات الجادة لمكتب الإرشاد في درء الانقسامات حيث فقد جناح "الصقورقوّته وسيطرته وخسر الأرضيّة الصلبة التي كان يقف عليها.

اقرأ أيضاً: أزمة "النهضة" مع نفسها والشارع والدولة.. ما مصير المشروع الإخواني في تونس؟

دخلت الجماعة في الأردن في حالة استقطاب داخلي ومناظرات بين الاتجاه الأوّل القريب من حركة حماس، والمنادي بمفاهيم الدولة الدينيّة، والجناح الثاني الذي دائماً ما يطرح مفاهيم الدولة المدنية والذي صنّف بالجناح المعتدل، وهو الذي يلقى دعماً من القطاع الشبابي، وقد تمّ وصفه بتيار "الأردنة" الذي يؤمن بضرورة الفصل التنظيمي مع حركة حماس، وتقديم الشكل المحلي.

كان العنوان الأبرز بين الفريقين هو الجدل حول الفصل بين الدعوي والسياسي والارتباط بحركة حماس وتقديم ذلك على الشأن المحلي.

بالنظر إلى تلك الخلافات في الجماعة الأردنية سنجد تأثر ما جرى في مصر وفشل مشروع التمكين، ثم تورط الجماعة في دعم مكتب الإرشاد ومعارضة النظام المصري.

كما هو حال إخوان الأردن، شهد إخوان الجزائر العديد من الانقسامات والانشقاقات التنظيمية أيضاً، فبعد أن كانت الجماعة موحدة تحت اسم حركة الموحدين، تفتت لكيانين أحدهما يؤمن بالعمل السياسي من خلال النظام، وتمثله حركة (حمس)، والآخر لا يؤمن بذلك.

برغم انتشار جماعة الإخوان وتشكيل كيانات في معظم دول العالم إلّا أنّ مساحتها تقلصت بكل معنى الكلمة

على إثر تلك الخلافات المنهجية ظهرت الكثير من التكتلات والأحزاب السياسية التي تعمل وفق أجندة الإخوان، من أجل تحقيق الاستحواذ على المسار الديمقراطي في الجزائر، رغم الخلافات الظاهرة، مثل حركة "الدعوة والتغيير"، بقيادة عبدالمجيد مناصرة 2012، وحزب حركة تجمع أمل الجزائر الذي يعدّ أحد الأحزاب المنشقّة عن الحركة الأم حركة مجتمع السلم "حمس" بعد حزب التغيير، و"حركة البناء الوطني" بقيادة مصطفى بلمهدي.

صراع الأجنحة في ليبيا

أما في ليبيا، فقد ظهر الصراع بين الأجنحة الإخوانية الليبية بعد سقوط الإخوان في مصر، وأصبح هناك جناح يتزعمه علي الصلابي، ونوري أبو سهمين رئيس المؤتمر العام السابق، ومصطفى صنع الله رئيس مؤسسة النفط، وفتحي باشا آغا وزير داخلية حكومة السراج.

اعتمد الجناح الأول على ميليشيات مسلحة مثل "لواء النواصي"، و"قوات الردع الخاصة"، و"لواء حلبوص"، و"ميليشيا الصمود". أما الجناح الثاني فيتزعمه محمد صوان المنتمي إلى حزب "العدالة والبناء" الإخواني، وخالد المشري رئيس ما يعرف بمجلس الدولة، وفي الواجهة فايز السراج ومحمد الطاهر سيالة وزير خارجيته، ويعتمد على ميليشيات مثل: "ميليشيا ثوار طرابلس"، و"ميليشيا غنيوة الكيكلي"، وقوة التدخل المشتركة، وميليشيا " البقرة "، وغيرها.

اقرأ أيضاً: "الجماعة الإسلاميّة" الإخوانيّة في باكستان وسياسة الأرض المحروقة

وقد دارت الحرب بين أفراد التنظيم المنقسم حول التعامل مع الأنظمة المجاورة مثل النظام المصري، والتعامل مع الميليشيات المختلفة، وتقاسم ثروات الشعب الليبي.

 صراع الاستوزار والسلطة بالمغرب وتونس

وقد دبّت الخلافات بين إخوان المغرب بين القيادات التي كلفت بمناصب وزارية، وأعضاء أمانة حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي انعكس على أداء حكومة سعد الدين العثماني وعلى نتائج الانتخابات التشريعية 2021.

وتتمثل أزمة إخوان المغرب أيضاً في فشل مشروع التمكين، وثورة جيل الشباب داخل الحزب، باعتبار أنّه لم يطور من أطروحاته الفكريّة.

إثر الخلافات المنهجية بالجزائر ظهرت الكثير من التكتلات والأحزاب السياسية التي تعمل وفق أجندة الإخوان

وخلّف توقيع سعد الدين العثماني الأمين العام للحزب بصفته رئيس الحكومة، على الإعلان المشترك المتعلق بإقامة علاقة مع إسرائيل في آب (أغسطس) 2020، ردود فعل متباينة وانتقادات داخل الحزب، ما وضع الحزب في تناقض كبير، بين ارتباطه الفكري والوجداني مع إخوان مصر وفلسطين.

وفي تونس وقع الخلاف داخل الحزب الإخواني، وظهر ذلك إبان المؤتمر العاشر الذي ظهر فيه أسماء جديدة الى الواجهة بينما أبعدت قيادات حزبية أخرى، في المقابل اختارت أخرى الاستقالة.

تمحورت المشكلة الإخوانية في تونس حول مسألة قيادات الحركة واختلاف الآراء بين عدد من قياداتها فيما يتعلق بالوضع السياسي العام، خاصة في قضية قانون المصالحة والشراكة مع حزب "نداء تونس"؛ إذ يرى قسم داخلها أنّ الحركة قدمت تنازلات مؤلمة وغير ضرورية للشركاء في الحكم، فيما يذهب الطرف الآخر، بقيادة الغنوشي، إلى اعتبار تلك التنازلات مهمة.

وفي خضم الخلافات، أثارت تصريحات الإخواني لطفي زيتون، تناقضات داخلية حين اعترف بأنّ "حركة النهضة هي حزب ديني وليس حزباً مدنياً".

دارت الحرب بين أفراد التنظيم الليبي المنقسم حول التعامل مع الأنظمة المجاورة وتقاسم ثروات الشعب

انقسمت النهضة إلى مدرستين؛ الأولى تتمثل بفكر الإخوان المسلمين بمصر والمنبثق من منهجية "سيد قطب" والتي تعتبر أنّ الحكومات العربية حكومات جاهلية ولا تمثل الإسلام ولا تقبل بالديمقراطية بوصفها نظاماً يمنح الحكم والتشريع للشعب من دون الله، والثانية ذات طابع براغماتي تمثلها أطروحات يوسف القرضاوي وحسن الترابي.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: عودة على استحياء في تركيا.. وأوروبا تضع الجماعة تحت المجهر

على خطى ذلك تعيش حركة النهضة انقساماً بين تيارين: الأول؛ يدين بالولاء لراشد الغنوشي ذي الفكر البراغماتي الليبرالي الذي يسعى للشراكة مع أحزاب أخرى كحزب "نداء تونس" وحزب "تحيا تونس"، والثاني؛ تيار متمسك بفكر الإخوان والمتمثل بعبد الحميد الجلاصي وعبد اللطيف المكي ومحمد بن سالم.

فوضى في إخوان سوريا ولبنان

أما في لبنان فمع صعود قوة التنظيم الإخواني بعد "الربيع العربي" في العام 2011 الى السلطة في مصر، أصبح موقف الجماعة الإسلامية اللبنانية، الفرع السياسي للإخوان، أكثر فوضوية، انطلاقاً من أصوله، ويحاول التنظيم إيجاد موطئ قدم في بلد مستقطب.

تضاربت الرؤى بين إخوان لبنان حول الكثير من الأمور ومنها العلاقة مع إيران وحزب الله، ما دفع الشباب لانتقاد الأمين العام عزام الأيوبي حين شارك في إفطار أقامه حزب الله في الضاحية برعاية الحرس الثوري الإيراني في العام 2015.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني استبعاد الإخوان من مجلس المسلمين بألمانيا؟

وهناك تيار في إخوان لبنان يقوده بسام حمود، المسؤول السياسي في الجنوب، يعتمد على التحالف مع القوى الإسلامية الراديكالية.

أما جماعة الإخوان المسلمين السورية مثلها مثل كيانات الجماعة التي ضعفت شوكتها بسبب الصراعات التقليدية بين جيل الشباب والجيل المؤسس؛ بدأت الصراعات حول ولاية زعيم الجماعة السابق محمد رياض الشقفة، حين أبى أن يعترف بفشله في الانتخابات الداخلية.

 

اقرأ أيضاً: شطب التمثيل الإخواني بالمجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا.. ماذا بعد القرار؟

واستمر الصراع بين جناحَي حماة وحلب في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وهما اللذان يتنافسان منذ الثمانينيات، وهذا جعل الشقفة، والذي يعد أحد رجال حماه، يتسلم منصب مراقب عامّ للجماعة وقتها، عقب تلقيه دعماً كبيرا، في مواجهة تكتّل حلب بقيادة زهير سالم.

مؤخراً رست قيادة الجماعة للإخواني محمد حكمت وليد، ليكون المراقب العام الجديد لجماعة الإخوان المسلمين السورية، كما عُيّن منافسه الرئيس لهذا المنصب، حسام الغضبان، والذي يعدّ أحد أصغر الأشخاص الذين تولّوا منصب نائب المراقب العام في تاريخ الجماعة السورية، فقد انتُخب بفضل أصوات تكتّل حماه.

الجماعة إلى أين؟!

في ظل تلك الانقسامات للكيانات الإخوانية في دولة المركز مصر، أو الأفرع الأخرى، يمكننا أن نتوقع تراجعاً استراتيجياً لكل التنظيمات القُطرية والمنظمات النوعية الإخوانية، إنّ أسطورة الجماعة الموحدة التي لا يعصف بها شيء بدأت تتهاوى بشكل واضح، إذ بالرغم من انتشارها وتشكيل كيانات في معظم دول العالم إلّا أنها تقلصت مساحتها بكل معنى الكلمة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية