أزمة الأكراد: هجوم عفرين وأطماع أردوغان

تركيا

أزمة الأكراد: هجوم عفرين وأطماع أردوغان


22/01/2018

يتهاوى مبدأ أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" بتصفير المشكلات مع الخارج يوماً تلو آخر، خصوصاً بعد التدخلاتِ في الأزمة الخليجية، إضافةً لاستحضاره النموذج العثماني كشعارٍ لتبرير المصالح التركية والتغطية عليها حتى مع "إسرائيل"، وأخيراً، تأتي المغامرة التركية في عفرين السورية، بحجة دحر "الأكراد الإرهابيين" الذي قال فيه باحثون لـ "حفريات" إنه يمثل "اعتداءً تركياً على حقوق الأكراد".

الطريق إلى عفرين

يُوصفون بالمتمردين، وسكان الجبال، لهم امتداداتٌ ديموغرافية في المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا والعراق، هذه حالهم، منذ بداية عشرينيات القرن الماضي، حين خاطبهم الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك باسم الأخوة والوحدة الوطنية، أن يحتملوا زمناً حتى تحقيق مطالبهم، ووعدهم بدولةٍ مستقلة تمثلهم كجماعةٍ عرقية كبيرة (أكثر من عشرين مليون إنسانٍ اليوم)، إلا إنهم ومنذ ذلك الحين، أطرافٌ في الصراع، يوصفون بالميليشيات الإرهابية تارةً إن أرادت تركيا، وبالحلفاء إن أراد غيرها، لكنهم، بلا وطن يذكر.

ومنذ 1921، ترفض تركيا الكشف عن وثيقة دستور عام 1921 التي شارك فيها 72 برلمانياً كردياً، ويرد في الوثيقة اعترافٌ بحقوق الأكراد بما يمنحهم حق الحكم الذاتي، إلا أن الكشف عن الوثيقة يشكل إدانة للحكومات التركية المتعاقبة منذ ذلك الزمن، كما يشكل إدانة باستغلال أتاتورك الأكراد لتحقيق الوحدة، ومن ثم التخلي عن قضيتهم بعد إعلان ولادة الجمهورية التركية في 1923.

خولي: التنكر لحقوق الأكراد على مر عقود أدى لطمس متعمد للهوية الكردية

هذا التنكر لحقوق الأكراد على مر عقود، "أدى لطمس متعمد للهوية الكردية" بحسب ما يراه الباحث السياسي الدكتور معمر خولي في دراسته المنشورة على موقع مركز الروابط للدراسات عام 2014، مما أدى برأي خولي لـ "ظهور حركاتٍ تطالب بدولة كردية مستقلة، من أبرزها حزب العمال الكردستاني، الذي نشأ في سبعينيات القرن الماضي، منطلقاً من جنوب شرق تركيا، كحركةٍ ثورية اشتراكية تطالب بالانفصال على أساسٍ قومي. واستمر في المواجهة مع تركيا حتى نهاية التسعينيات، حيث تم القبض على زعيمه عبد الله أوجلان.

دمار في المناطق التي قصفها الجيش التركي

ويقول خولي، أنّ الفشل التركي في إعطاء الأكراد حقوقهم، "جعل سياسات تركيا تجاه سوريا محكومةً بالمسألة الكردية في داخل تركيا". وهو ما يقودنا اليوم، للنظر في سياساتِ تركيا تجاه سوريا، أو المناطق الكردية فيها تحديداً، منذ ما يسمى "الربيع العربي"، ووصف حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان للأكراد، على إنهم "مسلحون متمردون، أو حلفاء للغرب وأعداء".

ويتجلى الطموح الأردوغاني اليوم، بتوجيه ضرباتٍ عسكرية للأكراد ومناطقهم وقراهم، حيث بدأت عملية جديدة للجيش التركي بالتعاون مع الجيش السوري الحر يوم السبت 20 كانون الثاني (يناير) 2018، في منطقة عفرين، إحدى أكبر المناطق الكردية في سوريا، والواقعة قرب الحدود التركية، حيث قال إردوغان تعليقاً على العملية: "وجودنا في هذه الجغرافيا منذ 1000 عام، هو بفضل شجاعتنا وصبرنا، ولن نتوانى عن القيام بمسؤولياتنا".

استعان أتاتورك بالأكراد لتحقيق الوحدة، ثم أنكر حقوقهم وقضيتهم بعد إعلان ولادة الجمهورية التركية في 1923

لماذا عفرين؟

هذا الخطاب "العثماني" لأردوغان، المتجاهل للحقوق الكردية، والساعي لوقف أية محاولات من قبل الأكراد لإنشاء حكم ذاتي خاص بهم كما يتصور هو، يضاف إليه قوله أيضاً: "قريبا سنتخلص من أوكار الإرهابيين واحدا تلو الآخر في سوريا، بدءاً بعفرين" بحسب ما نقلته "الدويتشة فيله" بتاريخ 16 كانون الثاني (يناير) 2018.

الباحث السوري الكردي والكاتب الصحافي المتخصص بالعلاقات الكردية التركية هوشنك أوسي، قال إن "تركيا تريد تحويل الفصائل المسلحة (السورية) التابعة لها، لنسخة من ميليشيات أنطوان لحد اللبنانية التي حمت إسرائيل على حدود لبنان. وللأسف، فإن عفرين التي تؤوي عشرات آلاف النازحين السوريين من المدن الأخرى، ستصبح الضحية".

وأضاف أوسي خلال تصريحه الخاص بـ "حفريات" أن "أردوغان استثمر واستنزف السوريين وثورتهم للحدود القصوى، كما إن تركيا لم تجيّش الجيوش حين كانت داعش تملك دولة على حدودها، وحين كانت جبهة النصرة تملك دولة في إدلب، إنما في الشأن الكردي فقط، حيث توجد عداوة تاريخية عويصة". وأضاف أوسي أن الأكراد ساهموا بتثبيت الدولة العثمانية منذ معركة "تشالدران" في 1514م، كما دعموا إنشاء جمهورية تركيا في 1923.

أوسي: تركيا لم تجيّش الجيوش حين كانت داعش تملك دولة على حدودها، و حين كانت جبهة النصرة تملك دولة في إدلب

وبسؤاله عن السبب الرئيسي للعمليات العسكرية التركية ضد عفرين والأكراد، والتذرع التركي بشأن حلف المقاتلين الأكراد مع "أمريكا" لطرد تنظيم داعش الإرهابي، أجاب أوسي بقوله: "تركيا لا تريد للكردي أن يتمتع بجزء من حقوقه حتى ولو كان ذلك في الموزمبيق وليس في عفرين. حتى ولو كانت هناك إدارة أخرى غير الأكراد في عفرين، لا تتبع حزب العمال الكردستاني، لفعلت تركيا ما تفعله الآن، أظن أن تركيا بحاجة لبعض الردع".

وانطلاقاً من "تعويل أردوغان على مرتزقة ومقاتلين تدعمهم تركيا في إدلب وعفرين" وفق ما يراه أوسي، يقول الكاتب السوري الكردي عماد إسماعيل، أن تركيا تقوم بهذه العمليات لأنها تعتبر الأكراد "متمردين على الدولة، ومتوحشين إرهابيين".

قوى كردية تستعد لمواجهة الهجوم التركي على عفرين

أيضاً، يضيف إسماعيل في تصريحه الخاص بـ "حفريات"، أن "حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، يختلف بتعامله مع القضية الكردية عمن سبقوه في حكم تركيا، فالسلطان أردوغان، يسعى لإنهاء أي وجود كردي خارج تركيا، وليس في داخلها فقط، وينسى صاحب الخطاب العثماني والخطاب الإخواني، قول الله تعالى: وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".

وحتى هذه اللحظة، قتل ستة مدنيين، وأصيب آخرون، في القصف المدفعي التركي على المناطق السكنية في عفرين التي يقطنها أكثر من 600 ألف نسمة بحسب الإحصائية السورية الأخيرة عام 2012، فيما يصف مدافعون عن العملية العسكرية التركية هناك، عمليات القصف أنها "لتخليص عفرين من المنظمات الإرهابية ودعم الخدمات والبنى التحتية" وفق تقريرٍ نشرته "TRT" العربية بتاريخ 21 كانون الثاني (يناير) 2018.

إسماعيل: ينسى أردوغان صاحب الخطاب العثماني والخطاب الإخواني، قول الله تعالى: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"

وفي حين سمت تركيا عمليتها العسكرية باسم "غصن الزيتون"، وبدأتها بقصف وثقت وكالات الأنباء العالمية ضحاياه من المدنيين، إضافة إلى أن العملية تتم خارج الأراضي التركية وفي سوريا تحديداً، تستمر تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، بالإبقاء على مصالحها وأطماعها، دون أن تقدم حلاً عادلاً للأكراد، مما قاد إلى صراعاتٍ طويلة، أججتها تركيا حيناً، والقوى الكردية في بعض الأحيان، إلا أن جذور المشكلة، لا زالت معلقة بالقمع الذي تمتعت به تركيا تجاه الأكراد، وصولاً إلى أزمة اليوم، التي تمثلها عفرين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية