أردوغان ينكل بخصومه بقوانين عرفية فُصّلت على مقاس بطشه

أردوغان ينكل بخصومه بقوانين عرفية فُصّلت على مقاس بطشه


04/01/2021

يعكس الوضع الحقوقيّ في تركيا، صورة قاتمة، في ظلّ الانتهاكات المتواصلة التي يتعرض لها النشطاء والسياسيون المعارضون لنظام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حسبما توضح التقارير الحقوقية، المحلية والأجنبية، والتي تكشف سجلاً هائلاً وممتدّاً من التجاوزات، بحقّ الأفراد والمنظمات في المجتمع المدني، وذلك تحت وطأة ماكينة قوانين استثنائية، تقبض على الحريات، إضافة إلى تسييس القضاء، مؤخراً، والذي يشكّل صورة أخرى من التجاوز القانوني والحقوقي. 

اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل قمع الحريات واستهداف الحقوقيين في تركيا.. ما الجديد؟

منذ الانقلاب المزعوم، عام 2016، عمد الرئيس التركي إلى تدشين مجموعة من الإجراءات القمعية في ظلّ الأجواء السياسية والأمنية المنفلتة، والتي يراها مراقبون مدبرة ومصنوعة؛ إذ ارتفعت وتيرة إغلاق المجال العام، وتأميم الحريات، فامتدّت قبضة النظام الثقيلة على الصحافة، والقضاء، والمؤسسة العسكرية، ثم الأحزاب، ولم تنغلق تلك الدائرة الجهنمية حتى وصلت إلى أعضاء الفرق الغنائية، وقد بلغ عدد المعتقلين، بحسب وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إلى أكثر من 500 ألف شخص.

وتشير الإحصائيات الصادرة عن مركز ستوكهولم للحريات، العام الماضي، إلى أنّ عدد الأشخاص الموقوفين في السجون التركية، البالغ عددها 385، يصل لنحو 260 ألف شخص، وهو الرقم ذاته المسجل في وزارة العدل التركية؛ مما يبرز حالة تكدس هائلة في أماكن الاحتجاز، بحسب التقديرات الرسمية والحقوقية، الأمر الذي نجم عنه وجود "حمولة زائدة" تقدَّر بالآلاف، تسبّبت في تقليل المساحة المخصصة لكلّ سجين، والتي تعدّ مخالفة لقوانين ولوائح السجون، كما أنّها فاقمت الأوضاع غير الإنسانية تحت وطأة جائحة فيروس كورونا المستجد.

دانت الأمم المتحدة الوضع القضائيّ في تركيا، كما انتقدت منظمات بينها مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي ومنظمة حقوق الإنسان الدولية، قوانين مكافحة الإرهاب

وفي ظلّ ما يعرف بقانون "مكافحة الإرهاب"، الذي أقره البرلمان التركي، قبل نحو عامَين، بعد رفع حالة الطوارئ التي استمرت بين عامَي 2016 و2018، ومن المقرر العمل به حتى عام 2021؛ فقد تمّ القبض على نحو 44,930 شخصاً، بينهم 31,442 سجيناً سياسياً، على خلفية الانتماء إلى حركة عبد الله غولن".

ومن بين التجاوزات القانونية والانتهاكات الحقوقية، التي وثّقها المركز الحقوقي، منع المسجونين من إجراء أيّ نوع من الاتصال مع أسرهم أو أصدقائهم أو محاميهم؛ حيث "منعت السلطات التركية الأعضاء المشتبه في انتمائهم إلى حركة غولن، لمدة 565 يوماً، من إجراء الاتصالات بمختلف أشكالها، بما في ذلك الرسائل البريديّة، وتمّ تسجيل هذه المعطيات في سجن سيليفري بمدينة إسطنبول".

رسائل أمميّة ضدّ الانتهاكات التركيّة

ودانت الأمم المتحدة الوضع القضائيّ في تركيا، كما انتقدت جهات أممية أخرى، من بينها مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي ومنظمة حقوق الإنسان الدولية، قوانين مكافحة الإرهاب؛ ورأت أنّ القانون يخالف التزامات أنقرة للمواثيق الحقوقية، والقوانين الدولية، ومن ثمّ شدّدوا على ضرورة مراجعة الإطار القانوني لمكافحة الإرهاب.

اقرأ أيضاً: إلى أي مدى سيمضي أردوغان في "تشريع" قمع المعارضة؟

وفي بيان رسميّ للشبكة الأوروبيّة للمجالس القضائية قال: "رغم مرور أربعة أعوام على محاولة الانقلاب في تركيا، إلا أنّ الوضع لم يتحسّن، إنّما ازداد سوءاً"، وأضاف: "هذا المجلس (أي الهيئة القضائية في تركيا) لا يهتم بأيّ إجراء أو قرار من السلطة القضائية، بالتالي، أصبح مجرد مؤسّسة معطّلة فقط".

وعبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، غرّد القاضي التركي، كمال قارانفيل، والذي تمّ فصله تعسفياً من منصبه؛ بأنّ" "الشبكة الأوروبيّة للمجالس القضائيّة ترى في مجلس القضاة والمدّعين العامّين التركي مجرد مؤسسة مزعومة".

وأردف: "الشبكة الأوروبية تؤكد أنّ مجلس القضاة والمدّعين العامّين في تركيا لا علاقة له بحماية مبادئ استقلال القضاء وسيادة القانون؛ لذلك، فإنّ القرارات الصادرة عن المحاكم المعينة من قبل هذا المجلس ليس لها شرعية قانونية".

اقرأ أيضاً: تقرير ألماني يتوقع ازدياد القمع بتركيا مع تفشي كورونا

وإثر هذه الحوادث الصعبة التي جرت في ظلّ منظومة قانونية تبدو متهالكة، وتحوم حولها شبهات عدم النزاهة أو الموثوقية؛ فقد ظهرت على منصّات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام القليلة الماضية، مجموعة من مقاطع الفيديو المصوّرة، التي وثّقت فيها سجينات سابقات تعرّضهن لأنماط غير إنسانية من التعذيب والإذلال في فترة اعتقالهن، تراوحت بين توجيه الإهانات المعنوية والاعتداء البدني.

ممارسات عدوانيّة ونفي رسميّ

في تلك الفيديوهات؛ شاركت مجموعة من النساء الصحفيات والحقوقيات، وكذا العاملات في السلك القضائي، ممن تعرضن لهذه الممارسات غير الإنسانية، مثل الناشطات الحقوقيات: ناتالي أفازيان، وزكية أتاتش، وهاجر كوتش، والصحفية التركية نور أنار كيلينتش.

وقالت المحامية التركية، بتول ألباي، إنّها كانت من بين عشرات الضحايا ممن تمّ إرغامهنّ على التفتيش وهنّ عاريات، بينما كشفت ضحية أخرى لهذا النوع من التعذيب المهين: إنّها "أصيبت بانهيار عصبيّ عندما طلبوا منها أن تزيل كلّ ملابسها"، بحسب ما ورد في الفيديو الخاص بها، ووصفت الحادث بالقول: "كان أسوأ يوم في حياتي".

تزامنت تلك الحملة التي قادتها مجموعة من ضحايا هذا التعذيب في السجون التركية مع نفي نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، أوزلام زنجين، وجود حالات تفتيش عارٍ للنساء في السجن؛ وقالت: "أنا لا أصدق حدوث حالات تفتيش عار في السجون".

الباحث محمد حامد لـ"حفريات": القضاء تحوّل إلى أداة سلطويّة في دوامة الصراعات السياسيّة، التي يخوضها الرئيس التركيّ تحت وطأة التحوّل إلى حكم الفرد

واتهمت رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، عمر فاروق جرجرلي أوغلو، بأنّه يسعى إلى بثّ الذّعر والخوف داخل البرلمان، من خلال الحديث عن تلك الممارسات والتجاوزات، لا سيما أنّه من يقف وراء الكشف عن تلك الانتهاكات.

ويرى الباحث المصري المتخصص في الشأن التركي، محمد حامد، أنّ الوضع الحقوقي في تركيا، يبدو متراجعاً، باستمرار، نتيجة تسييس القضاء عقب الانقلاب الفاشل والمزعوم، قبل نحو أربع سنوات، ويضيف لـ "حفريات": "بدون شكّ، أدّت التعديلات الدستورية، التي جرت عام 2017، ثم الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسيّ، إلى تسييس القضاء، واستخدامه كمظلة لخدمة أغراض الرئيس التركي البراغماتية، وتصفية خصومه، لا سيما في ظلّ الصلاحيات التي منح إياها، وسمحت له بتعيين نصف أعضاء المحكمة الدستورية، ونصف أعضاء مجلس الدولة".

شهوة الانتقام

ويلفت حامد إلى أنّ "القضاء تحول إلى أداة سلطوية، في دوامة الصراعات السياسية، التي يخوضها الرئيس التركي تحت وطأة التحول إلى حكم الفرد، وهو ما تظهر انعكاساته في عمليات التوقيف غير القانوني، واتساع دائرة المتهمين، وارتفاع أعداد المعتقلين، من دون توجيه اتّهامات، أحياناً، أو بتهم فضفاضة، أحياناً أخرى، بيد أنّ وضع المرأة الحقوقي هو الأسوأ، خاصة المرأة الكردية".

الباحث المصريّ المتخصّص في الشأن التركيّ محمد حامد

مؤخراً؛ أصدر القضاء التركيّ أحكامه بحقّ عضوة حزب الشعوب الديمقراطي، ليلى جوفين؛ فقضت المحكمة بسجنها 22 عاماً، على خلفية تهم تتعلق بقانون "الإرهاب".

وتعدّ جوفين من أبرز الشخصيات المعارضة لسياسات أردوغان، وقد دانت تدخلاته الخارجية، لا سيما العمليّة العسكريّة التي قامت بها قواته، عام 2018، في شمال سوريا، ووصفتها بـ "الغزو"، ما تسبّب في اعتقالها.

اقرأ أيضاً: هكذا يمارس حزب العدالة والتنمية القمع في البرلمان التركي

مطلع الشهر الماضي، أصدرت مؤسسة "ملتقى الحوار"، تقريراً بعنوان "تركيا خلف الأسوار"، أوضحت فيه أنّ عدد المعتقلين في سجون تركيا، بلغ نحو 291 ألفاً و546 شخصاً، وفقاً لأحدث أرقام رسمية صادرة عن وزارة الداخلية؛ وبذلك ارتفع عدد المحتجزين بنسبة 10.1%، في نهاية عام 2019، مقارنة بالعام 2018.

ويضيف التقرير الحقوقي: "84.1٪ من المسجونين صدرت ضدّهم أحكام بالسجن، بينما يبقى 15.9٪ من السجناء لم يصدر بحقّهم أيّ حكم قضائيّ، كما أنّ هناك 430 طفلاً معتقلاً، متوسط أعمارهم 12 عاماً، بين كلّ مئة ألف شخص يقبعون في السجون التركية".

ومن جانبها، تشير وزارة الداخلية التركية إلى أنّ وقائع العنف ضدّ المرأة قد ارتفعت بنسبة 50%؛ من 145 ألفاً، عام 2015، إلى نحو 220 ألفاً، عام 2018.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية