أردوغان يلعب الشطرنج لضمان ولاية جديدة

أردوغان يلعب الشطرنج لضمان ولاية جديدة

أردوغان يلعب الشطرنج لضمان ولاية جديدة


14/01/2023

خليل عجمي

بدت تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باتجاه سوريا وروسيا وكأنها تصب في خانة واحدة في المرحلة الراهنة، هي التحضيرات للانتخابات التركية المتوقعة في حزيران المقبل، وضمان فوزه بولاية جديدة في ظل أزمات متاخمة لحدود بلاده التي كانت لها صولات وجولات مع الأحداث المتلاحقة في الإقليم؛ تبدأ من سوريا إلى الحرب الروسية – الأوكرانية، ولا تنتهي عند بؤرة التوتر الدائمة بين أذربيجان وأرمينيا.

فبعد تراجع شعبية حزب "العدالة والتنمية"، والتي ظهرت من خلال خسارته الانتخابات البلدية في المدن الرئيسية مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير، وقف إردوغان الخميس الماضي، متحدثاً أمام أعضاء حزبه في العاصمة أنقرة، حيث شدد على أهمية هذه الانتخابات التي "تشكّل اختباراً جديداً" على حدّ تعبيره، بالنسبة إلى حزبه الذي يحكم البلاد منذ 20 عاماً.

وقال: "نحن على أبواب اختبار جديد، وأنتم أفضل من يعرف أهمية انتخابات 2023 التي ربما نجريها في وقت مبكر قليلاً". وأضاف: "نحن نصف حزب العدالة والتنمية بأنه الكيان السياسي الذي أسسه الشعب، واختاره لسدة الحكم، ووقف بجانبه في مسيرته منذ تأسيسه"، حاضًّا أعضاء حزبه "على العمل لاجتياز هذا الاختبار بنجاح".

تراجع شعبية إرودغان وحزبه، مردّه في حيّز منه إلى التداعيات الاقتصادية التي نجمت عن الدور الذي لعبته أنقرة في الإقليم خلال السنوات العشر الماضية. فالنزوح السوري وما شكّله من عبء اقتصادي، والملف الكردي في شمال سوريا، كانا عاملين أساسيين لإعادة النظر في مقاربة هذين الملفين.

وبالتالي هو بحاجة إلى إعادة العلاقات مع دمشق، للتوافق على طريقة لإعادة اللاجئين، وأمنياً، لأنه يدرك عدم القدرة على محاربة الأكراد في شمال سوريا، والذين تعتبرهم أنقرة، مشكلة تركية داخلية كونهم جزءاً من "حزب العمال الكردستاني"، ولا بدّ من مصالحة مع سوريا، والتنسيق مع روسيا إذا أراد القيام بأي عمل.

ففي معرض حديثه، تطرّق إردوغان أمام أعضاء حزبه، إلى الأحداث التي تدور حول بلاده، فكشف عن أنه استعرض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، التطورات في سوريا، والخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل المنطقة، لافتاً إلى أن #تركيا وروسيا وسوريا أطلقت مساراً جديداً عبر اللقاء الذي عقده رؤساء الاستخبارات ووزراء الدفاع في موسكو قبل أيام، وكاشفاً عن لقاء مقبل سيعقد بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا في إطار مسار ثلاثي.

وأكدّ أن وزراء خارجية البلدان الثلاثة سيجتمعون بصيغة ثلاثية أيضًا، وبعد ذلك سيجتمع الزعماء وفقًا للتطورات، مشدداً على أن الهدف من ذلك هو تحقيق الطمأنينة والهدوء، وإحلال السلام في المنطقة.

ويرى مراقبون أن النتائج الأولية لهذه اللقاءات إذا ما تكلّلت بالنجاح، وما سيسفر عنها من تفاهمات مستقبلاً، لاسيما لجهة تنظيم عودة النازحين السوريين، وإيجاد أرضية لحلول طويلة الأمد في سوريا، يمكن تسويقها في الشارع التركي في إطار إنجازات، تتوّج بعودة الجيش التركي إلى ثكناته.

على أن الملف الكردي الذي طالما كان الهاجس الرئيسي لكل تحرك تركي في الإقليم، والذي يشكّل بؤرة توتر دائمة مع سوريا والعراق وإيران، وورقة ابتزاز في وجه أنقرة، تبدأ في الإقليم ولا تنتهي في واشنطن، حمل إردوغان على السعي إلى مزيد من الجهد للحد من أزمته الداخلية عبر تبريد العلاقات خارجياً مع المتغيرات الإقليمية والعالمية.

وجاء التحرك التركي باتحاه سوريا أيضاً، بعد تلويح أنقرة بالدخول إلى الشمال السوري عقب الانفجار في شارع الاستقلال، والذي تتهم فيه السلطات التركية "حزب العمال الكردستاني"... من دون الذهاب إلى مواجهة بسبب أكلاف الحرب البشرية والمادية التي قد تنعكس سلباً على نتائج الانتخابات الرئاسية التركية.

ويشار إلى أن الإدارة الأميركية رفضىت حتى الآن كل محاولات التطبيع مع دمشق، إن كانت تركية أو عربية، لسبب أساسي هو أنها تسيطر على منابع النفط في سوريا، وتتحكم بسعره لكونه من السوق السوداء.

ويدرك إردوغان الحاجة المتبادلة بينه وبين بوتين، كما يدرك أن الحرب في أوكرانيا هي معركة أميركية ضد روسيا، في سياق الحرب الأوسع مع الصين. واشنطن تحتاج إلى تركيا كبلد مجاور لروسيا ومؤثر، وموسكو تحتاج إلى أنقرة في حربها ضد الولايات المتحدة في أوكرانيا، كبوابة خلفية إلى أوروبا.

ويحاول إردوغان اللعب هنا بدهاء، فيوفر سلاح الدرون لأوكرانيا من جهة، ويحاول أن يكون وسيطاً اقتصادياً بين روسيا والعالم، حيث تحاول موسكو الالتفاف على العقوبات الغربية والأميركية المفروضة عليها.

موسكو بحاجة ماسة إلى أنقرة للحفاظ على توازن ما، مع واشنطن على الأرض في سوريا، ومن جهة ثانية كمدخل جانبي لتسويق الغاز الروسي إلى بعض الدول الأوروبية التي لا تزال تستورد الغاز الروسي، ليفتح ذلك الباب أمام مشروع مدّ أنابيب غاز جديدة من تركيا إلى أوروبا، بدل أنابيب غاز "نورد ستريم 1" و"نورد ستريم 2" الممتدة من روسيا إلى ألمانيا.

ترفض واشنطن هذا الدور التركي، لأنها تسعى الى إغراق روسيا في حرب طويلة الأجل مع أوكرانيا من أجل الإمساك بمفاصل الاقتصاد الأوروبي، بما يعزّز توازنها مع المارد الصيني.

وكان إردوغان تطرق في معرض حديثه أمام أعضاء حزبه، إلى أبعاد الحرب الروسية الأوكرانية والتي "حالت تركيا دون اتّساع رقعة النار في المنطقة بفضل السياسة المتوازنة والعادلة التي اتبعتها في هذه الحرب التي لم تكن تهدّد الاقتصاد العالمي فحسب، بل تهدّد السلام أيضاً"، على حد تعبيره.

وأوضح أن "ممر الحبوب الذي أنشئ ويعمل برعاية تركية، ساهم في إنقاذ العالم بأسره من خطر مجاعة كبيرة"، مضيفاً: "كما قمنا بواجب إنساني وأبقينا آمال السلام حيّة من خلال وساطتنا التي سهّلت تبادل الأسرى (بين طرفي الحرب)".

وكشف أنه سيجري في الساعات المقبلة اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، لمناقشة ممر شحن الحبوب من الموانئ الأوكرانية (في إطار اتفاق إسطنبول) وسبل نقل الأمونيا والأسمدة، وكذلك المحادثة الهاتفية التي أجراها أمس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسبل وضع العلاقات الروسية الأوكرانية على أرضية أكثر مرونة.

وكانت أنقرة وموسكو وكييف والأمم المتحدة وقعت في إسطنبول في 22 تموز الماضي، "وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية" لمنع حدوث أزمة غذائية محتملة في العالم.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية