أردوغان يزور موسكو.. هل تعيد تركيا رسم خريطة حساباتها في الشرق الأوسط؟

أردوغان يزور موسكو.. هل تعيد تركيا رسم خريطة حساباتها في الشرق الأوسط؟


22/09/2021

يغادر الرئيس التركي رجب طيب أرودغان إلى روسيا في 29 أيلول (سبتمبر) الجاري، في زيارة تحملُ الكثير من التوقعات، بعضها يذهب إلى أنّ اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يمهد لمرحلة جديدة من العلاقات بين أنقرة ودمشق، أي بادرة لفتح قنوات اتصال سياسية مباشرة بين تركيا والنظام السوري، أمّا أكثرها محافظة، التي تخرج عن دوائر صناعة القرار في تركيا، فلا تنفي أنّ تغيرات في ذلك الطريق يمكن أن تحدث، غير أنها لن تحدث حالياً.

اقرأ أيضاً: هل ترحّل تركيا اللاجئين السوريين؟.. مسؤول حقوقي يعلق على الموضوع

بات واضحاً أنّ تركيا من غير المستبعد أن تُضمّن سوريا خريطتها الجديدة في رسم علاقتها وتموضعها في الشرق الأوسط، عن حساب للمكاسب والخسائر وموجبات المرحلة، لتبدأ مرحلة جديدة ترفع شعار التوافق على إطار المصالح بدلاً من العداء، حول الخطط والرغبات التي فشلت أنقرة فيها، أو أنها لم تجنِ ما كانت تتوقعه منها.

وفي هذا السياق، بدأت أنقرة في تحسين علاقتها مع القاهرة فالسعودية فالإمارات، ووفق السياق ذاته بات النظام السوري هو التالي.

تتزايد التحديات في وجه نظام الرئيس التركي

وتتزايد التحديات في وجه نظام الرئيس التركي، الدافعة إلى الدخول في مواءمات أو فتح قنوات اتصال مباشر مع النظام السوري، فمن جهة ملف اللاجئين الذي تتزايد خطورته في ظل تزايد موجات العنف ونبذ المجتمع التركي وتأففه من اللاجئين السوريين، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية تعيشها تركيا، وكذلك ضغوط المعارضة، وموجات المهاجرين الأفغان، وأخيراً الضغوط المتزايدة التي خلقتها روسيا والنظام بالقصف المتواصل على إدلب في الأسابيع الأخيرة، ما يعني موجات جديدة من النازحين السوريين إلى تركيا.

 في الحالة السورية تركيا أمام دولة جارة تمثل عمقاً استراتيجياً لمصالحها ونفوذها المستقبلي، وتخضع حساباتها إلى فاتورة كبيرة دفعتها أنقرة بالفعل من التدخل فيها

لكن تظل المعادلة التركية السورية ليست واحدة مقارنة بالمسألة التركية ـ المصرية، أو التركية ـ الإماراتية، ففي تلك الحالات غلبت الأهداف المستقبلية أو الخطط والرغبة في الزعامة أو النفوذ في مناطق ما، ولم تكن تركيا في حاجة لأكثر من التخلي عن أحلامها التوسعية والكف عن محاولة استعادة الحلم العثماني، والتخلي ولو جزئياً عن جماعة الإخوان المسلمين، والتي كانت بالفعل قد مثلت عبئاً على أنقرة أكثر من النفع.

أمّا في الحالة السورية، فتركيا أمام دولة جارة تمثل عمقاً استراتيجياً لمصالحها ونفوذها المستقبلي، وتخضع حساباتها إلى فاتورة كبيرة دفعتها أنقرة بالفعل من التدخل فيها؛ أي إنّ النظام التركي لا يحاسب فيها على نفوذ رغب في مده، أو دعم لجماعة هنا أو هناك، لكن عن تورط مباشر أثقل الخزانة التركية وأسقط العشرات من الجنود وجنى الملايين من النازحين.

اقرأ أيضاً: القصف التركي يثير الرعب بين مسيحيي سوريا.. تفاصيل

وحسب مركز "محاربة الإرهاب والتطرف للأبحاث" التركي (TERAM)، فإنّ 36 هجوماً تعرّض لها الجيش التركي في إدلب، منذ الاتفاق الروسي- التركي في آذار (مارس) 2020، وذلك في دراسة بعنوان "هجمات الجماعات الجهادية المتطرفة على تركيا في إدلب: الحقائق، والأسباب، والمستقبل القريب"، نشرها المركز، ومقرّه بأنقرة، في 14 أيلول (سبتمبر) الحالي، وسرد فيها بيانات عن تواريخ وأماكن الهجمات، والجهات المنفذة لها، والأسلحة المستخدمة فيها، بحسب موقع عنب بلدي.

كيف يرى نظام أردوغان الحديث مع دمشق؟

ويعكس مقال عضو مجلس الأمن والسياسات الخارجية بالرئاسة التركية برهان الدين ضوران، حول التواصل أو التفاوض المباشر مع النظام السوري، ذهنية تلك القضية في دوائر صنع القرار التركي.

يقول ضوران، في المقال المنشور في جريدة "ديلي صباح" التركية ونقله موقع "ترك برس": لا بدّ لنا في البداية أن نقوم بتحليل الأسباب الكامنة وراء تطبيع السياسة الخارجية التركية، فالتطبيع بين مختلف اللاعبين في الشرق الأوسط وسياسة "الصفحة الجديدة" لتركيا يعكسان التغيرات الجيوسياسية على المستويين الإقليمي والعالمي، فعلى الصعيد العالمي تتعمق المنافسة بين القوى العظمى، الأمر الذي يعني استبعاد سياسة التكتل في المنطقة، وفي النهاية فإنّ كل دولة لديها تضارب في المصالح مع حلفائها ومصالح معينة متلائمة مع خصومها.

 

يعكس مقال عضو مجلس الأمن والسياسات الخارجية بالرئاسة التركية برهان الدين ضوران، حول التواصل أو التفاوض المباشر مع النظام السوري، ذهنية تلك القضية في دوائر صنع القرار التركي

 

وعلى هذا النحو، التطبيع ليس قراراً عاطفياً ولا دعوة "للتوافق مع الجميع"، كما أنه لا يحدث بناءً على طلب أحد الأطراف (...)، والحقيقة أنّ توقيت التطبيع هو أهم ما فيه، إذ يقوم صانعو السياسة بإجراء "تقييم صافي" متعدد الأبعاد لتحديد ما يمكن أن يقدمه هذا الإجراء إلى طاولة المفاوضات أو ما سينجم عنه من تكلفة، ويستند مقياس النجاح على كل من الشروط والمكاسب المقابلة، كي يتم التوصل إلى حل وسط. وقد أثبتت جهود التطبيع الأخيرة في تركيا مرة أخرى أنها "لاعب عقلاني مؤثر ومرن"، لأنّ البلاد في سعيها للتطبيع ترسخ مكاسبها في شرق المتوسط وليبيا وسوريا، كما أنّ هذه العملية ما تزال مستمرة بسبب الوضع الجديد وبموافقة بقية الأطراف.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم تركيا تنظيم القاعدة في سوريا ضد الأكراد؟

وحول إمكانية تطبيع العلاقات مع النظام السوري، يقول ضوران: لا توجّه تركيا نهجها في الصراع السوري حالياً نحو إسقاط النظام، وبدلاً من ذلك تهدف إلى تسهيل عودة اللاجئين السوريين بطريقة كريمة وقطع الطريق على الكيان الإرهابي ي ب ك/ بي كا كا، وكلّ ما تفعله تركيا من إيجادٍ للمناطق الآمنة والدعم العسكري التركي في إدلب يخدم هذه الأغراض، وبهذه الطريقة منع الأتراك 4 أو 5 ملايين سوري إضافي من البحث عن مأوى لهم داخل حدودها. في الوقت نفسه، سيؤدي فشل دمج المعارضة السورية في الحكومة المستقبلية لسوريا إلى ضياع جهود المهمتين، ومؤخراً نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً مفصلاً يوثق تعذيب واحتجاز العائدين لبلدهم من قبل المخابرات السورية، فمن غير المنطقي أن يعود اللاجئون السوريون "بالاحتفالات والورود"، كما يزعم رئيس المعارضة، إذا ما واجهوا التعذيب والقمع.

وتابع: بات من المعروف أنّ بشار الأسد يرغب في التفاوض على عدد من الشروط مع أنقرة، كما طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحوار مع دمشق في اجتماعاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة، ومع ذلك، فإنّ النظام السوري يوقف محادثات جنيف ويعارض عملية انتقالية تشمل المعارضة، وهناك محاولة قبل لقاء الرئيس أردوغان مع بوتين، لليّ ذراع تركيا من خلال قصف إدلب، وهنا أود أن أوضح شيئاً مهماً، وهو أنّ قرار التحدث مع دمشق أو عدمه لا يتعلق بالإيديولوجيا أو العواطف، بل هي مسألة توازن القوى الإقليمية والمصالح الخاصة والتوقيت.

 

حسب مركز "محاربة الإرهاب والتطرف للأبحاث" التركي (TERAM)، فإنّ 36 هجوماً تعرّض لها الجيش التركي في إدلب، منذ الاتفاق الروسي- التركي في آذار 2020

 

وكانت الصحافة التركية قد تحدثت في مطلع أيلول (سبتمبر) الجاري عن لقاء مرتقب في بغداد بين رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، وبدأت تركيا تتحدث عن بداية حقبة جديدة في العلاقات بين أنقرة ودمشق، التي لا تحتاج الآن إلى وساطة موسكو وطهران، وتعليقاً على النبأ، قال الرئيس السابق لإدارة الاستخبارات في الأركان العامة للقوات المسلحة التركية الجنرال المتقاعد إسماعيل بكين: إنه ستتمّ مناقشة القتال ضد الجماعات الكردية المسلحة في شمال شرقي سوريا، وأزمة الهجرة، وكذلك مصير مناطق المتمردين في محافظة إدلب، والوضع في محافظة درعا، ووفقاً لما قاله الجنرال المتقاعد، فإنّ العملية التي انطلقت بقيادة هاكان فيدان تهدف إلى تفعيل "القنوات الدبلوماسية"، بحسب ما أوردته صحيفة "الشرق الأوسط".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية