أردوغان ومندريس.. المسار والنهاية

أردوغان ومندريس.. المسار والنهاية


10/05/2020

محمد نور الدين

أثارت مقالة للكاتب التركي راغب زاراقولو في صحيفة «إيفرنسيل» وموقع «آرتي جيرتشيك» يوم الثلاثاء الماضي ضجة في تركيا استدعت من رئيس لجنة الاتصال بالرئاسة التركية فخرالدين ألتون أن يرفع دعوى ضد زاراقولو بتهمة التحريض على انقلاب في تركيا وعلى إعدام رجب طيب إردوغان.

الكاتب،البالغ من العمر 72 عاما، يساري ويدافع عن حقوق الأقليات الدينية والعرقية ومعروف عنه تأييده الكامل للقضية الكردية وحوكم لعلاقة له بحزب العمال الكردستاني وسجن في أكتوبر 2012 لستة أشهر. من مواقفه أنه عارض الانقلابات العسكرية وسجن بعد انقلاب 1971، كما عرف عنه مواقفه المعارضة لحكم أردوغان.وقد نال راغب زاراقولو العديد من الجوائز منها جائزة حرية التعبير من اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة في النروج ومن جمعية الصحافة التركية والكثير غيرها.

بستعرض الكاتب في مقالته تاريخ العلاقة بين اليسار والحكومة في تركيا منذ بداية العهد الجمهوري عام 1923. وكيف أن القمع الذي مارسه حزب الشعب الجمهوري دفع فئات واسعة من اليسار إلى التصويت للحزب الديمقراطي(الإسلامي نسبيا) بقيادة عدنان مندريس وجلال بايار في انتخابات عام 1950 التي أنهت حكم الحزب الواحد الأتاتوركي. لكن الحزب الديمقراطي تحول إلى أكبر نصير للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم وشن حملة تصفيات واسعة النطاق أشد بكثير مما كان سائدا في عهد حزب الشعب الجمهوري ضد القوى اليسارية وضد كل من ينتقد سياسات مندريس ولا سيما في الأوساط الصحفية، ما دفع كل هذه الفئات إلى العودة للالتفاف حول حزب الشعب الجمهوري. ثم كان انقلاب عام 1960.انتهى الانقلاب إلى إعدام رئيس الحكومة عدنان مندريس مع وزيري المالية والخارجية شنقاً فيما سقط حكم الإعدام عن بايار لتجاوزه سن ال 65 واستبدل بالمؤبد وأفرج عنه عام 1963 بعفو من رئيس الحكومة عصمت إينونو لتردي حالته الصحية.

ويقول زاراقولو إن رجب طيب أردوغان يعيش عقدة عدنان مندريس. وحتى لا يصيب سليمان ديميريل ما أصاب مندريس لجأ ديميريل إلى كل أنواع التحالفات مع أحزاب أخرى لتشكيل الحكومات. بل إن ديميريل تصالح حتى مع بولنت أجاويد وعمل منه رئيساً للحكومة وجعله يشكل حكومة(كان ديميريل رئيسا للجمهورية) يشارك فيها دولت باهتشلي الدموي(1999). اليوم دول العالم وتركيا مشغولة بالكورونا. لكن،يقول زاراقولو، ليس ممكنا لرجب طيب أردوغان وجماعته الفرار.

استنفرت العبارة الأخيرة حزب العدالة والتنمية ودائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وكما أسلفنا رفع رئيس لجنة الاتصال بالرئاسة التركية فخرالدين ألتون دعوى على زاراقولو ومجموعة «آرتي ميديا» بتهمة التحريض على انقلاب. وتوالت الردود من الدائرة المقربة من أردوغان من ابراهيم قالين إلى عمر تشيليك وغيرهما.

طبعا نفى راغب زاراقولو الاتهامات الموجهة له. وقال إنه أمضى حياته معارضا للانقلابات «ومن كانوا يحاكمونني عام 2011 هم الآن في السجن».

بمعزل عما ستؤول إليه قضية راغب زاراقولو، فإن تركيا تطفح اليوم بالشائعات عن انقلاب. وقبل مقالة زاراقولو كانت تصدر عن حزب العدالة والتنمية وحتى عن شريكه حزب الحركة القومية تصريحات بأن التهديد بانقلاب لن يقسم السلطة ولن يدفعها للتراجع عن سياساتها.

لا شك أن سياسات أردوغان الاستئثارية وممارسة قمع الحريات الصحفية في ذروتها حيث لا يزال في السجون أكثر من 130 صحفيا.كذلك اللجوء إلى تحالفات حالية مع حزب الحركة القومية. وكلتاهما مشابهتان لسياسات مندريس.

كذلك فإن التراجع الاقتصادي في أدنى مستوياته سواء على صعيد صرف الليرة أو على صعيد احتياط البنك المركزي من العملة الصعبة. كما أن أردوغان يورّط الجيش التركي في معارك يصفها بالمصيرية في سوريا كما في ليبيا والعراق. وهي عوامل قوية لرفع مستوى المعارضة له.وكلها تشبه الوضع أيام مندريس.

إن الحديث عن انقلاب ليس عبثاً. فرغم أن أردوغان كان يمسك بالجيش وقيادته، فقد حصلت محاولة انقلاب عسكرية قبل أربع سنوات فقط بعد عشرين سنة على آخر انقلاب عسكري «مقنّع» عام 1997 وأطاح سلميا بحكومة نجم الدين أربكان. وبعد محاولة انقلاب 2016 قام أردوغان بأوسع عمليات تصفية داخل الجيش محكماً قبضته من حيث المبدأ، على القيادة العسكرية.وإذا كانت المفاجآت في تركيا تبقى قائمة فإن المعارضة التي فازت في الانتخابات البلدية قبل حوالي العام،تراهن جديا على هزيمة أردوغان في انتخابات ديمقراطية عام 2023.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية