أربعة مصادر سرية لتمويل الإرهاب في أفريقيا... ما هي؟ وكيف يمكن مواجهتها؟

أربعة مصادر سرية لتمويل الإرهاب في أفريقيا... ما هي؟ وكيف يمكن مواجهتها؟

أربعة مصادر سرية لتمويل الإرهاب في أفريقيا... ما هي؟ وكيف يمكن مواجهتها؟


13/03/2025

شهدت القارة الأفريقية خلال العقود الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في نشاط التنظيمات الإرهابية، ممّا جعلها بؤرةً للتهديدات الأمنية التي لا تقتصر على حدود القارة فحسب، بل امتدت تأثيراتها إلى الأمن والسلم العالميين. وعلى الرغم من تعدد التنظيمات الإرهابية المنتشرة في القارة الأفريقية إلا أنّها تشترك في اعتمادها على مصادر تمويل متعددة تُمكِّنها من البقاء والقدرة على تأمين مصادر تمويل مستدامة تضمن استمرار عملياتها وتوسيع نفوذها، على حد تقدير دراسة حديثة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف. 

بحسب الدراسة المنشورة حديثاً يصبح التصدي لهذه الظاهرة خطوة حاسمة في مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في المنطقة. ويتطلب فهم ديناميكيات تمويل الإرهاب في أفريقيا الغوصَ في طبيعة الأنشطة الاقتصادية المشروعة وغير المشروعة التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى استكشاف الطرق التي يتم بها استغلال الثغرات في النظم المالية المحلية والدولية. 

وتشير الدراسة إلى أنّ الإرهاب في أفريقيا قضية متعددة الأبعاد، تتداخل فيها الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تستغل التنظيمات الإرهابية مثل حركة الشباب في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا وغيرها من التنظيمات الإرهابية المنتشرة في أفريقيا، المصادر المحلية مثل التهريب وفرض الضرائب، بجانب مصادر خارجية مثل التحويلات المالية غير المشروعة، ويضاف إلى ذلك دور الفساد وضعف الحوكمة في تسهيل تدفق الأموال لهذه التنظيمات. 

التجارة غير المشروعة

تشير الدراسة إلى أنّ أبرز مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا هي التجارة غير المشروعة، وتلعب التجارة غير المشروعة دوراً محوريّاً في تمويل العديد من التنظيمات الإرهابية في أفريقيا؛ وتُعتبر مصدراً رئيسيّاً لتأمين الموارد المالية التي تتيح لها تنفيذ عملياتها وتعزيز نفوذها. 

وتشمل هذه التجارة مجموعة متنوعة من الأنشطة مثل تهريب المخدرات الذي يُعدّ من الأنشطة الأكثر ربحاً؛ ويتم استغلال المساحات الشاسعة والحدود غير المؤمنة في القارة لتمرير المخدرات إلى الأسواق العالمية. على سبيل المثال تُستخدم بعض المناطق في الساحل الأفريقي نقاطَ عبور رئيسية لتجارة الكوكايين إلى أوروبا. 

وفي هذا السياق كشف تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بتجارة المخدرات والجريمة أنّ منطقة الساحل بغرب أفريقيا أصبحت معقلاً للشبكات العامة في تجارة المخدرات، والتي تعمل على تهديد السلام والاستقرار. وذكرت الأمم المتحدة أنّه مع تزايد الإرهاب في منطقة الساحل، دخلت التنظيمات المسلحة على خط التهريب وأصبحت تنسق مع تجار الكوكايين. 

الاختطاف 

بحسب الدراسة، يُعَدّ الاختطاف أحد أكثر الوسائل شيوعاً والتي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في أفريقيا مصدرَ تمويل لها؛ وتستهدف هذه التنظيمات عادةً الأجانب، وخصوصاً العاملين في المنظمات الإنسانية والشركات الدولية، لطلب فديات مالية ضخمة. 

أبرز مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا هي التجارة غير المشروعة

وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، شهدت المدة من عام 1970م إلى 2010م تمثيل حوادث الاختطاف لنسبة 6.9% من إجمالي الهجمات الإرهابية عالميّاً، إلا أنّه بحلول عام 2016م ارتفعت هذه النسبة بشكل ملحوظ لتصل إلى 15.8%، ممّا يعكس تزايد اعتماد هذه التنظيمات على الاختطاف كونه وسيلة لتحقيق أهدافها المالية. 

وفي السياق الأفريقي تستغل التنظيمات الإرهابية ضعف البنية الأمنية وانتشار الفقر والبطالة لتنفيذ عمليات اختطاف تستهدف الأجانب والسكان المحليين على حد سواء. وأشار أحد قادة تنظيم القاعدة في مالي إلى أنّ الكثير من الدول الغربية تدفع مبالغ هائلة للجهاديين، وأنّ مصدر تمويلهم هو الدول الغربية.  

ويقدّر أنّ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تلقى (75) مليون دولار مدفوعات فدية بين عامي 2010، و2014. وتُعَدّ عمليات الاختطاف من أبرز الوسائل التي تعتمد عليها جماعة بوكو حرام لتمويل أنشطتها الإرهابية في نيجيريا ومنطقة حوض بحيرة تشاد. 

وتُسهم هذه الممارسات بشكل عام في زعزعة الاستقرار وتفاقم الأوضاع الأمنية في المناطق المتضررة في القارة الأفريقية، وتؤدي إلى تراجع الثقة في السلطات المحلية، وتُعرقل جهود التنمية، لذلك يُعتبر التصدي لظاهرة الاختطاف من أجل الفدية جزءاً أساسياً من استراتيجيات مكافحة الإرهاب في أفريقيا

فرض الإتاوات والضرائب 

الرسوم والضرائب ليست مجرد أرقام تُجمع، بل هي انعكاس لعلاقة قسرية بين التنظيمات الإرهابية والمجتمعات التي تسيطر عليها، وتمثل تحدياً كبيراً ليس فقط للدول الأفريقية، ولكن أيضاً للعالم بأسره، فلا يمكن فصل تمويل الإرهاب عن تداعياته المدمرة على الاستقرار والسلام العالميين. 

وعلى الرغم من أنّ الضرائب وفرض الرسوم تُعدّ من الأدوات التقليدية للدول ذات السيادة، فإنّ التنظيمات الإرهابية في أفريقيا قد حولت هذه الوسائل إلى أدوات اقتصادية لفرض هيمنتها، وتأمين موارد مالية ضخمة. 

الإرهاب في أفريقيا قضية متعددة الأبعاد، تتداخل فيها الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تستغل التنظيمات الإرهابية مثل حركة الشباب في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، المصادر المحلية مثل التهريب وفرض الضرائب، بجانب مصادر خارجية مثل التحويلات المالية غير المشروعة. 

 

وفي ظل هشاشة الأنظمة الحكومية وضعف السيطرة الأمنية في العديد من المناطق في الدول الأفريقية، أصبحت هذه التنظيمات تُمارس ما يشبه دور "الدولة"، لكنّها تعمل في الظلام لتحقيق أهدافها التخريبية. كما تقوم هذه التنظيمات بإرهاب السكان المحليين والمزارعين والتجار لإجبارهم على دفع إتاوات تحت مسمّى "الزكاة" أو "رسوم الحماية"، وهذه الأموال التي تُجمع بطرق غير شرعية تُستخدم لتمويل العمليات الإرهابية، وشراء الأسلحة والمواد اللوجستية، فضلاً عن تقديم حوافز مالية للمجندين الجدد في صفوف هذه التنظيمات. 

وتُعدّ حركة الشباب الصومالية من أبرز الأمثلة على هذا النهج؛ وتُجبر هذه الحركة الشركات والمزارعين على دفع مبالغ مالية دورية، مشيرة إلى أنّ هذه الأموال تُستخدم لخدمة "الأهداف الإسلامية" كما تزعم الحركة. 

وفي منطقة الساحل الأفريقي تُمارس تنظيمات إرهابية أخرى، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى الأسلوب نفسه؛ حيث تفرض هذه التنظيمات رسوماً على القوافل التجارية التي تمر عبر مناطق نفوذها، مستغلة عدم وجود بدائل آمنة للطرق التجارية. 

الإتاوات والضرائب التي تفرضها التنظيمات الإرهابية ليست مجرد وسيلة لتمويل أنشطتها، بل هي أداة لفرض السيطرة السياسية والاجتماعية على المجتمعات المحلية. وعندما يُجبر السكان على دفع الأموال لهذه التنظيمات تصبح أكثر قدرة على إحكام قبضتها على هذه المناطق. كما تؤدي هذه الممارسات إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية للسكان المحليين، حيث تُضاف أعباء مالية جديدة على كاهل المجتمعات الفقيرة ممّا يُعمق من دائرة الفقر والاضطراب. 

وللتصدي لهذه الظاهرة، يجب أن تعمل الحكومات الأفريقية بالتعاون مع المجتمع الدولي على تعزيز القدرات الأمنية وتطوير آليات تتبع التدفقات المالية غير المشروعة. كما يجب تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية لخلق بدائل اقتصادية للسكان تحول دون وقوعهم تحت رحمة التنظيمات الإرهابية. 

الدعم الخارجي والتبرعات 

تستفيد التنظيمات الإرهابية من دعم بعض الجهات الخارجية، سواء عبر دول أو شبكات اجتماعية، ويتم ذلك أحياناً تحت غطاء المساعدات الخيرية أو الجمعيات الإنسانية، ممّا يصعّب تتبع هذه الأموال ومنع وصولها إلى هذه التنظيمات، وتعتمد هذه التنظيمات بشكل كبير على الدعم الخارجي والتبرعات التي تأتي عبر مسارات متنوعة، وتتداخل المصالح السياسية مع الإيديولوجيات والاعتبارات الاقتصادية لتشكيل شبكات تمويل معقدة. 

ويمثل هذا الدعم عصب الحياة الذي يتيح لتلك التنظيمات القدرة على التخطيط وتنفيذ عملياتها. هذا إضافة إلى أنّ بعض الدول تلعب دوراً مباشراً أو غير مباشر في تمويل الإرهاب، حيث تقدم الأموال والأسلحة والتدريب لتلك التنظيمات التي تخدم مصالحها الجيوسياسية. وفي أحيان كثيرة يكون هذا الدعم وسيلة لتحقيق أهداف استراتيجية، مثل إضعاف خصوم معينين أو تعزيز النفوذ في مناطق النزاع. 

إلى جانب الدعم الذي تقدمه الدول، تشكل التبرعات الفردية مصدراً آخر مهماً لتمويل التنظيمات الإرهابية، ويلجأ العديد من الأفراد بدافع الإيديولوجيا أو العاطفة إلى تقديم أموال يُعتقد أنّها تُستخدم لأغراض إنسانية، بينما يتم تحويلها في الواقع إلى دعم العمليات الإرهابية، مستغلة وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التبرعات الرقمية لجمع هذه الأموال، من خلال دعايات مؤثرة توهم المتبرعين بأنّ مساهماتهم ستذهب لتحقيق أهداف نبيلة. 

تستفيد التنظيمات الإرهابية من دعم بعض الجهات الخارجية عبر دول أو شبكات اجتماعية

هذا الاستخدام الذكي للتكنولوجيا يعزز من صعوبة تتبع مصادر الأموال، ويزيد من تعقيد جهود مكافحة الإرهاب. وتؤدي هذه الأموال المتدفقة إلى التنظيمات الإرهابية إلى عواقب كارثية؛ إذ تمكنها من تنفيذ عمليات مدمرة تشمل الهجمات الانتحارية، وتجنيد الأفراد، وشراء الأسلحة. ولهذا يشكل الدعم الخارجي والتبرعات تحدياً كبيراً في مكافحة الإرهاب؛ حيث يعكسان التداخل المعقد بين المال والسياسة والإيديولوجيا. ومع ذلك فإنّ اتخاذ إجراءات حازمة ومشتركة يمكن أن يسهم في تجفيف منابع التمويل، ممّا يحد من قدرة هذه التنظيمات على الاستمرار في أنشطتها الهدامة. 

ولمواجهة هذه الظاهرة يتطلب ذلك تبنّي استراتيجية شاملة من قبل المجتمع الدولي، وتعزيز التعاون بين الحكومات لتبادل المعلومات حول مصادر التمويل وتتبع الأموال المشبوهة خطوة أساسية، كما يجب العمل على إغلاق القنوات الرقمية التي تُستخدم لجمع التبرعات، وذلك من خلال مراقبة منصات التواصل الاجتماعي، وتطوير تقنيات متقدمة لرصد الأنشطة المالية غير المشروعة، إضافة إلى ضرورة رفع الوعي العام الذي يلعب دوراً حاسماً لضمان أنّ الأفراد يدركون خطورة مساهماتهم المالية التي قد تُستخدم لأغراض إرهابية

وتخلص الدراسة إلى أنّ تجفيف منابع تمويل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا يمثل تحدياً معقداً يتطلب استراتيجيات متعددة الأبعاد تشمل الجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال فهم الديناميكيات المرتبطة بهذا التمويل، إضافة إلى ضرورة وجود تعاون عالمي شامل يضمن القضاء على هذه الظاهرة التي تهدد استقرار القارة ومستقبلها، إضافة إلى أنّ هذه الأنشطة تُعمّق حالة الفقر والبطالة، ممّا يعزز دائرة العنف والتطرف. 

علاوة على ذلك تسهم هذه الظاهرة في زعزعة الاستقرار المجتمعي، حيث يواجه السكان المحليون ضغوطاً مستمرة من قِبل التنظيمات الإرهابية من جهة ومن الحكومات التي تحاول محاربتها من جهة أخرى. ولمعالجة هذه القضية لا بدّ من تقليل اعتماد الأفراد على الموارد التي توفرها التنظيمات الإرهابية، وذلك من خلال توفير فرص عمل، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز الشفافية الاقتصادية، وتقوية المؤسسات الحكومية، ودعم التعاون الإقليمي والدولي. 

إضافة إلى الاستثمار في التعليم والتوعية الاجتماعية حول مخاطر تمويل الإرهاب وسبل التصدي له، ممّا يفتح أفقاً جديداً يجعل الشباب الأفارقة أكثر مقاومة لاستقطاب التنظيمات الإرهابية. وتحتاج الدول الأفريقية إلى تطوير استراتيجيات فعّالة لمواجهة تمويل الإرهاب؛ مثل: تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول الأفريقية في مجال تبادل المعلومات، ومكافحة الجرائم المنظمة، الذي يُعتبر أمراً حيويّاً، إضافة إلى تطوير القوانين، وتحديث التشريعات المحلية، لمواكبة أساليب التمويل الحديثة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية