آليات الحضور الاجتماعي للإخوان وأدوات تجييش الجموع

آليات الحضور الاجتماعي للإخوان وأدوات تجييش الجموع

آليات الحضور الاجتماعي للإخوان وأدوات تجييش الجموع


03/06/2025

منذ نشأتها كانت جماعة الإخوان المسلمين واضحة في حضورها الاجتماعي من خلال الدين، وذلك من خلال تسمية نفسها بهذا الاسم. ولم يكن الهدف من الحضور الاجتماعي لجماعة الإخوان المسلمين تأسيس جماعة دينية بقدر ما أوضحت مواقفهم؛ فهدفهم الرئيس كان الحضور كفصيل سياسي، وهذا ما دفع النحاس باشا للسؤال عمّا يمثلونه، وما إذا كانوا جماعة دينية أو أنّهم حزب سياسي. والواقع أنّ الجماعة تهدف من حضورها الاجتماعي من خلال السياقات الدينية، أو الفجوات التي تغفل عنها الدولة، أو تعجز عن سدها، إلى تجييش الجموع لاستغلالهم في معاركها السياسية.

الخلافة الإسلامية 

من خلال الوجود الاستعماري للدول الأوروبية في المنطقة العربية، صاغت السلطنة العثمانية، في أواخر أيامها، مفهوم الخلافة بوصفها هوية الأمة العربية وعقيدتها، وساعدها في ذلك البعد النضالي للقضية حينها، إذ أنّها اقترنت بعمليات الاستعمار، والمد الإمبريالي الأوروبي. ووصل الأمر إلى أن أعلنت الإسماعيلية والمذاهب الشيعية انضمامها إلى ساحة النضال، والوقوف بجانب سلطان سنّي أمام الأطماع الأوروبية.

وكان مفهوم الخلافة مدخلاً أساسياً للولوج إلى المجتمعات العربية والإسلامية، ويتضح ذلك في إعلان مشروعهم بأنّه عودة الخلافة وقيادة هذه المجتمعات إلى الحضارة والدين معاً. وقدمته مستغلة النزوع النضالي؛ بوصفه مشروعاً أصيلاً مواجهاً للمشاريع الدخيلة الإمبريالية من ناحية، ومن ناحية أخرى بوصفه نصرة للعقيدة وعودة الإسلام وقوته. 

صاغت السلطنة العثمانية، في أواخر أيامها، مفهوم الخلافة بوصفها هوية الأمة العربية وعقيدتها

وحرصت على تقديم السلطنة العثمانية بوصفها تمثيلاً للهوية الإسلامية، وتقديم نمط الحكم الإسلامي كنموذج ناجز، وبالآليات الدينية ظهر حرصهم على تثبيت صورة الخلافة العثمانية على أنّها نمط الحكم الإسلامي في أذهان الجموع، في ظل وجود الخلافة الراشدة بما هو معروف عنها من زهد وورع وتقوى، ونصرة للمظلومين. ولكن على المستوى السياسي يصبح مفهوم إصرارهم على الخلافة العثمانية، وذلك لاستغلالهم النزوع النضالي حينها وحضورها الحي. 

ولم تمثل الخلافة غير ذريعة من الذرائع الإخوانية للحضور في المجال بعد فترة نشأتها، وربما قبل ذلك كانت جماعة الإخوان ردّ فعل على انهيار السلطنة العثمانية، ولكنّها بعد ذلك حولتها إلى أداة للحضور الاجتماعي والسياسي، وأداة تقتات منها وتجلب التمويل من تركيا، إلى أن أصبحت ذراع المشروع الأردوغاني في المنطقة العربية. ومقابل هذا التمويل صنعت صورة لأردوغان يبدو فيها المنقذ وراعي الشعوب المقهورة، وخليفة العصر الراهن. 

المساجد ومسابقات القرآن 

لعبت المساجد دور البطولة في عمليات التجنيد الإخوانية، والتبشير بدعوتها وكسب التعاطف والحضور القوي. واستغل الإخوان ما للمساجد من قدسية في نفوس المسلمين، واتخذوها منبراً لدعوتهم، فخلال تاريخهم لم يتوانوا عن إدارة المساجد ما وسعهم ذلك، ففي فترات حضورهم للعلن ظهرت هذه الإدارة وكيفيتها. وتاريخ الإخوان السرّي أكبر بكثير من تاريخها العلني، فهم بارعون في أن يكونوا جماعة سرّية أكثر من أن يكونوا جماعة مشروعة، أو حزباً سياسياً، ولهم في هذه السرّية مجالس يعقدونها وينتشرون من خلالها، عبر دعوة الأقارب والأصدقاء، والإدارات غير المباشرة للمساجد، أو الحضور على المستوى الفكري في المساجد من خلال دعاوى الحفاظ على العقيدة. 

منذ نشأتها كانت جماعة الإخوان المسلمين واضحة في حضورها الاجتماعي من خلال الدين، وذلك من خلال تسمية نفسها بهذا الاسم

ولما للمساجد من أهمية كانت التنظيمات والحركات الإسلامية تتسابق على إدارتها، خاصة في الأعياد، ففي تصريح للباحث في شؤون الجماعات الجهادية أحمد زغلول شلاطة، خصّ به (حفريات)، يقول: "كانت إدارة المساجد في الأعياد فرصة ذهبية لهذه التنظيمات، حيث يحضرون من خلال الحفل ونمطه، ومن خلال الخطبة؛ لذا كانوا يتسابقون على إدارة صلاة العيد، ليكون الخطيب من هذه الجماعة أو هذا التيار، ويحرص كل فصيل على نمط محدد للحفل يحضر به في الأذهان، وذلك لما للأعياد من ذكرى سعيدة ومحببة عادة". 

والواقع أنّ الحضور الإخواني كان أكثرهم حضوراً في الأذهان، وذلك لإصرارهم على مظاهر الاحتفال المعاصرة، من خلال الزينة وعلوّ التكبيرات، وتوزيع الحلوى، وأحياناً إقامة الملاهي للأطفال. وإنّ حدثاً بأهمية وقدسية وقيمة الأعياد لا تفوّته جماعة الإخوان بطبيعة الحال، وقد نجحت في بناء شعبية كبيرة لها من خلال الاهتمام باحتفالات الأعياد وتنظيمها، وأضحت صيغتهم في الاحتفال الصيغة المعهودة والحاضرة في الذهن، ويأسف عليها العديد في الفترات الحالية من التضييق عليهم وعدم السماح لهم باختراق المجال العام. 

واستغل الإخوان المساجد في نوع آخر من الحضور يُشهد لهم بالبراعة فيه، وهو إعطاء قيمة للفرد وحثه على الحضور الاجتماعي، واحترامه بالصورة المفتقدة له من الاحترام، وهي استراتيجية لها ضماناتها من رغبات الإنسان في الظهور. وكان مسعى الإخوان في ذلك إقامة المسابقات الدينية، مثل مسابقات القرآن والحديث، وغيرها من المسابقات الدينة ممّا يعطيها نمطاً قوياً على المستويين الديني والاجتماعي؛ ومن ثم تسعى من خلالهما للحضور على المستوى السياسي. 

الدور الاجتماعي البديل للدولة

طوال تاريخها لم تتوانَ جماعة الإخوان عن سد الثغرات التي تغفل عنها الدولة أو لا تستطيع سدها، وظهر هذا في إقامة الجمعيات الأهلية ونشاطاتها المختلفة، وسد احتياجات العديد من الأفراد والأسر المحتاجة، ممّا يعطيها وجوداً موازياً في بعض الأحيان للدولة، من حيث إدارة الأمور. ومن خلال هذا الحضور تسعى لتنظيم أحداثها السياسية، وخوض معاركها السياسية. 

ولم يقف الأمر مع الإخوان في إقامة الجمعيات الأهلية أو سد الاحتياجات اليومية، أو مساعدة الفقراء، بل كان لهم حضور في مراكز الشباب في القرى، والدورات الرمضانية لكرة القدم، وتنظيمها وإعداد جوائز واحتفالات للفائزين، وهو دور ضمن أدوار الدولة التي لا تقوم بها. وخلق الإخوان لأنفسهم كياناً إدارياً موازياً لكيان الدولة، يعملون من خلاله على معرفة الأشخاص المحتاجين، وتحديد الأنشطة والمسابقات التي يحضرون فيها أو ينظمونها. 

المعارك السياسية فضحت جماعة الإخوان، وأوضحت عمليات استغلالها للأعمال الخيرية، وكشفت عن هدفها المرجو من هذا الحضور الذي زعمت أنّه لوجه الله تعالى

وكان لهم حضور لحل الأزمات والمشكلات العرفية في العديد من الأحيان، وفي أحيان أخرى لم يكن حضورهم مقبولاً، وكانوا ينزعون الشرعية الدينية عن هذه الأحكام والمجالس في العديد من الأحيان. وعن الحضور السياسي لا يوفر الإخوان جهداً في هذا أبداً، وتُعدّ جهودهم تمهيداً لحضورهم السياسي، وذلك من خلال كسب التعاطف، والتضامن الديني من خلال خطابهم صاحب المسحة العقائدية، وكسب التعاطف الاجتماعي من خلال الجمعيات الأهلية وإدارة الأنشطة والمساجد. وكثيراً ما أخذ عليهم مطالبتهم الأشخاص المحتاجين الذين ساعدوهم بالأمس، أن يدلوا بأصواتهم في انتخابات اليوم، وهي مساومة شهدتها كافة المجتمعات من خلال حضور الإخوان السياسي، ممّا جعل عملية لفظهم اجتماعياً في تمام الجاهزية والاستعداد. 

والواقع أنّ المعارك السياسية فضحت جماعة الإخوان، وأوضحت عمليات استغلالها للأعمال الخيرية، وكشفت عن هدفها المرجو من هذا الحضور الذي زعمت أنّه لوجه الله تعالى. فالإخوان بما تقضيه قوانين السياسة لعبوا بكل الأوراق المتاحة، وأوّلها الدين الذي كان جزءاً أساسياً في معاركهم السياسية، من خلال التركيز على فضح الخصوم، أو سحب الشرعية الدينية عنهم، أو شرعنة رغباتهم من خلال الدين، ووضح هذا في حملة التعديلات الدستورية التي قام بها الرئيس محمد مرسي حينها، والقول علناً: "(نعم) هي الجنة، و(لا) هي النار". واللفظ الاجتماعي دليل على فضيحتهم قبل فشلهم السياسي، وذلك لما يعنيه اللفظ الاجتماعي من وعي ومعرفة بحقيقتهم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية