تعليق نصف المنحة الأمريكية للأونروا.. هل هو مقدمة لتفكيك الوكالة؟

أمريكا

تعليق نصف المنحة الأمريكية للأونروا.. هل هو مقدمة لتفكيك الوكالة؟


21/01/2018

أثار قرار الإدارة الأمريكية تعليق نصف قيمة المنحة المخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، استياءً على المستويات الرسمية والشعبية، ووضع علامات استفهام كثيرة حول أسباب القرار ودلالاته، خاصةً أنّه يأتي بعد القرار الأمريكي، في السادس من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمةً للاحتلال؛ حيث لا تزال تداعايات القرار وتبعاته حاضرة ومستمرة.

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، قد أعلنت الثلاثاء الماضي، أنّ واشنطن ستدفع 60 مليون دولار، من أصل 125 مليون دولار، قيمة الدفعة التي كان من المقرَّر منحها للوكالة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، في حين ستجمّد الـ 65 مليون دولار المتبقية حتى إشعار آخر.

الخطوة الأمريكية الأخيرة قد يكون الهدف منها الضغط على السلطة من أجل إعادتها إلى مائدة المفاوضات

تأخّر إدارة ترامب في الدفع، ثم الاكتفاء بمنح نصف قيمة الدفعة، وتعليق نصفها الآخر، دفع العديد من المراقبين إلى ربط هذه الخطوة، غير المسبوقة، بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وما تبع ذلك من إعلان السلطة الفلسطينية تعليق الاتصالات مع واشنطن، وإيقاف المفاوضات؛ حيث يشير المحللون إلى أنّ الخطوة الأمريكية الأخيرة، قد يكون الهدف منها الضغط على السلطة الفلسطينية من أجل إعادتها إلى مائدة المفاوضات.

فيما رأى عدد من المحللين، أنّ هذه الخطوة تحمل دلالة على أنّ إدارة ترامب تفكر جدياً، وبتحريض من حكومة نتنياهو، بالتوقّف عن تقديم أية مساعدات مالية لـ "الأونروا"، وتكمن خطورة الخطوة، في أنّها قد تكون، وفق المحللين والمراقبين، "مقدِّمة لتفكيك الوكالة وإنهاء عملها"، وصولاً إلى ما هو أبعد، من "إسقاط حق العودة، وإنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين"، وذلك بعد تنحية قضية القدس عن المفاوضات، وفي إطار خطوات متسارعة للمضيّ فيما بات يُعرف بـ "صفقة القرن"، التي هي، في حقيقتها، تصفية صريحة للقضية الفلسطينية.

أحمد عوض: تهديد قضية اللاجئين الفلسطينين 

وفي تعليقه على القرار الأمريكي؛ قال مدير مركز الفينيق للدراسات أحمد عوض لـ "حفريات" إنّ "الأونروا" منظمة دولية، ويجب أن تقع مسؤولية تمويلها على المجتمع الدولي؛ حيث تكون موازنتها السنوية من الموازنات الخاصة بالأمم المتحدة، ولا يجب أن تبقى معتمدة على تبرعات الدول المانحة؛ إذ إنّ هذا الاعتماد يجعلها "عرضة للابتزاز"، كما تفعل الولايات المتحدة الآن.

تكمن خطورة الخطوة في أنّها قد تكون مقدمة لتفكيك الوكالة وإنهاء عملها

وأكّد الباحث على ضرورة بقاء الأونروا واستمراريتها، وذلك وفق قرارات الأمم المتحدة المنشئة لها، وفي مقدمتها القرار 194، الذي ربط حلّ الأونروا، بحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما لم يتم، وفقه.

وينوّه عوض إلى أنّ الهدف الأهم من المنظمة؛ هو "إبقاء قضية اللاجئين قائمة، ومن ثم، إبقاء القضية الفلسطينية وقضية الاحتلال مطروحة"، إضافة إلى دور المنظمة "في تقديم الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية".

نادية سعد الدين: تراجع الخدمات التعليمية للاجئين الفلسطينيين

من جهتها، أشارت مدير تحرير قسم الشؤون الفلسطينية في صحيفة "الغد" الأردنية الدكتورة نادية سعدالدين، إلى الجهود الدبلوماسية الأردنية بالتنسيق مع الأونروا، معتبرة أنّها "لعبت دوراً إيجابياً في تجاوز جزء من مشكلة التعليق التي حدثت مؤخراً".

وأضافت لـ"حفريات" "أعتقد أنّ قيام الولايات المتحدة بإرسال جزء، بعد تجميدها لفترة، يحمل في طيّاته مؤشرات سلبية لجهة تراجع الدعم الأمريكي المقدَّم للأونروا، وذلك خلافاً لمسار الولايات المتحدة التاريخي الممتدّ بالتزاماتها المتواترة تجاه الوكالة".

وترى سعد الدين أنّ هذه الخطوة الأمريكية ستنعكس "سلبياً على طبيعة وحجم الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية التي تقدمها الأونروا لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني، منهم حوالي مليوني لاجئ في الأردن". مشيرة إلى أنّ برنامج التعليم، الذي يشكّل القطاع الأكبر حجماً في الأونروا، هو الذي سيتأثر "أكثر من غيره، ليس فقط من الموقف الأمريكي الأخير، إنّما من ضعف استجابة الدول المانحة لمطالب الأونروا الدائمة بزيادة دعمها لميزانية الوكالة العامة".

الأونروا أحد أساليب صون القضية الفلسطينية

وكان الكاتب الإسرائيلي، ليئورا شيؤون، كتب في مقال له نشر على صحيفة "هآرتس" (بتاريخ 9/1/2018): "إذا اختفت الأونروا، أو ضعفت، فإنّ الفقر الفلسطيني لن يختفي معها، وستأتي جهات جديدة معادية لـ "إسرائيل"، مثل؛ إيران، وستكون مسرورة بملء الفراغ"، كما أكّد أنّ "إسرائيل ستعمل ضدّ الوكالة، على الأقل بشكل رمزي وعلني، لكنّ إسرائيل تعرف أنّ الرئيس الأمريكي سيدرك أنّه لا بديل للأونروا في الوقت الحالي".

ويعود تاريخ تأسيس وكالة الأونروا إلى العام 1949؛ حيث كان الهدف الأساسي من تأسيسها؛ هو توفير المساعدات الطارئة للاجئين الفلسطينيين من حرب العام 1948، الذين كان يبلغ تعدادهم آنذاك 750 ألف لاجئ، وتعدّ الأونروا اليوم أكبر أجهزة الأمم المتحدة في الشرق الأوسط وأكثرها ثراءً.

تقدم الأونروا دعماً لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، منهم زهاء مليوني لاجئ في الأردن

وتعمل الوكالة ضمن خمس مناطق للعمليات هي: الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، وتقدّم دعماً لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، منهم زهاء مليوني لاجئ في الأردن، بنسبة 42% تقريباً؛ حيث تقدّم الوكالة مهام المساعدة والإغاثة؛ الصحية والتعليمية والاجتماعية.

ووفق الأرقام؛ فإنّ هناك 711 مدرسة تديرها الأونروا، تضمّ ما يقارب من 22,000 موظف وموظفة، يقدّمون الخدمات التعليمية لنصف مليون طالب وطالبة، ويوجد أيضاً 143 عيادة ومركزاً صحياً تديرها الأونروا، يعمل فيها 4,000 موظف، يستقبلون ما معدله 3 ملايين مريض سنوياً.

وتعتمد ميزانية الوكالة على التبرعات الطوعية من قبل عدة دول مانحة، على رأسها الولايات المتحدة، ويأتي بعدها، حسب حجم الدعم: الاتحاد الأوروبي، السعودية، ألمانيا، إيطاليا، السويد، اليابان، سويسرا، النرويج، هولندا، وكندا. وتعدّ الولايات المتحدة أكبر ممولي الوكالة، وتقدّم سنوياً ما مقداره 370 مليون دولار، من إجمالي مساعدات تبلغ 1.3 مليار دولار سنوياً، وبنسبة 30% من موازنة المنظمة.

ويكمن سبب القلق الإسرائيلي الأساسي في أنّ الوكالة تحوّلت إلى أحد أساليب صون الهوية والقضية الفلسطينية؛ فبقاء وجودها وتقديم الدعم لها يتسبب في إطالة مشكلة اللجوء الفلسطيني، ومسألة "حق العودة"؛ فهي المنظمة الوحيدة المتماهية مع مجموعة إثنية محددة، في حين أنّ اللاجئين الآخرين في العالم منظمون تحت الــ "UNHCR"، يوجد من بينهم لاجئون فلسطينيون يعيشون خارج المناطق الخمسة التي تعمل فيها الأونروا.

يكمن سبب القلق الإسرائيلي الأساسي في أنّ الوكالة تحولت لإحدى أساليب صيانة الهوية والقضية الفلسطينية

وكان قرار ترامب نقل سفارة بلاده للقدس أثار غضب الفلسطينيين والعرب والمسلمين، معلنين تضامنهم مع فلسطين. كما تسارعت ردود الفعل الدولية على القرار منذ إعلانه، مطالبين مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع طارئ لبحثه.

وصوّت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ"أغلبية كبيرة" لصالح مشروع قرار يحثّ الولايات المتحدة على سحب اعتبار القدس عاصمة لـ "إسرائيل".

وجاء التصويت مساء الخميس 21 كانون الأول (ديسمبر) الماضي بموافقة 128 دولة في مقابل رفض 9 وامتناع 35 عن التصويت، الأمر الذي يعني رفض القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني.

وكان ترامب حذر قبل التصويت بيوم من أنّ واشنطن قد تقطع المساعدات المالية عن الدول التي ستصوت لدعم مشروع القرار.

ويشكّل القرار الأمريكي الأخير انتهاكاً للتوافق الدولي حول القدس، إضافة الى أنّ القرار يستبق نتائج مفاوضات الوضع النهائي، فهي خطوة من جانب واحد، غير متزامنة مع مسارات العملية السلمية؛ حيث تعتبر القدس قضية من قضايا الوضع النهائي، التي من المفترض أن يحسم وضعها في إطار مشروع حل الدولتين، والذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وبذلك فإنّ قرار نقل السفارة يعني القضاء على حل الدولتين، وإنهاء الجهود المبذولة من أجل السلام.

كما أنّ القرار الأمريكي يعطي الشرعية للاحتلال الإسرائيلي في المدينة، ويشرعن الانتهاكات والتصعيدات المستمرة من قبل الاحتلال في القدس، من الممارسات الاستفزازية اليومية، وسياسة التطهير العرقي، وتغيير المعالم الديمغرافية للمدنية وتزوير طابعها وتاريخها وهويتها الفلسطينية، عبر استمراره بالتوسع الاستيطاني وهدم البيوت، ومصادرة هويات سكانها.

الصفحة الرئيسية