خليل السكاكيني: تربوي منفتح أحب لغة الضاد وجاهر بآرائه العلمانية

خليل السكاكيني: تربوي منفتح أحب لغة الضاد وجاهر بآرائه العلمانية


08/01/2018

حين تتحدث عنه، فإن "الموسوعة الفلسطينية" تصف حياة الأديب والمربي خليل قسطندي السكاكيني، بأنها كانت "أخصب حياة للحس والفكر ممتزجين، وهو رائد كبير من رواد حركة التربية والتعليم في فلسطين، إضافة إلى ريادته في الحركة الأدبية والثقافية. وفي كتاباته يجنح إلى الواقع، وتسجيل علاقاته، وتصوير مشكلاته، بأسلوب فيه حلاوة التجديد، وفيه أنسام روح العصر ومقتضيات الزمن".
وتصفه كتب أخرى تتحدث عن "تاريخ الصحافة العربية في فلسطين" بأنه "واحد من أبرز رجالات عصره في العالم العربي، كان كاتباً، ومناضلاً وطنياً، وصاحب أخلاق عظيمة وعقل راجح.. وكان مركزاً للحياة الثقافية في مدينة القدس.. وكان مؤمناً كثيراً بقيمة التعليم والمعرفة، وقد أسس عدداً من المدارس في فلسطين.. وتوجت خدماته لحقل التعليم بالكثير من الكتب الأساسية التي ألفها لتدرس في المدارس الفلسطينية".

قال عنه عجاج نويهض: في السكاكيني رجولية وعروبية وفلسفة وعلم وتأليف وخطابة ومنادمة راقية ونكتة بديعة وضحكة تثير الحي كله

أما الأديب اللبناني عجاج نويهض، فقال عنه: "في السكاكيني رجولية وعروبية وفلسفة وعلم وتأليف وخطابة ومنادمة راقية ونكتة بديعة وضحكة تثير الحي كله".
وإذا كان لبنان نُعم بأعلام لغويين أمثال اليازجيين والبستانيين، فإن فلسطين نُعمت بالمعلم نخلة زريق الذي غرس في طلابه، والسكاكيني في طليعتهم، حبَّ لغة الضاد وتقديسها والمغالاة بها وإيثارها على سائر اللغات".
والسكاكيني، في نظر الكاتب صقر أبو فخر،كان "مسيحياً فلسطينياً لا طائفياً، جريئاً في المجاهرة بآرائه العلمانية، وشديداً على رجال الدين في الكنيسة الأرثوذكسية، وعربياً قومياً بلا ريب".

وإن لم تعرف فلسطين في تاريخها الحديث حركات الإصلاح الديني على غرار الحركات التي شهدتها مصر والشام والعراق، ولم يظهر فيها مفكرون نهضويون من طراز شبلي الشميل أو فرح انطون أو عبد الرحمن الكواكبي، أو حتى أحمد فارس الشدياق إلا أن "خليل السكاكيني، بتمرده على الكنيسة اليونانية، جسّد ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ فلسطين المعاصر. وطالما اعتبره الكثيرون، وفق أبي فخر، طرازاً عابراً في الحياة الثقافية والفكرية في فلسطين لسبب بسيط هو أن هذا الطراز لم يتكرر لاحقاً".
نقد الإيمان التقليدي في فلسطين
وبهذا المعنى "فإن خليل السكاكيني كان، في مسلكه وكتاباته، أول من شرع في نقد الكنيسة ونقد الإيمان التقليدي في فلسطين في بدايات القرن العشرين. ومع أن هذا الأمر يعتبر ريادة معرفية لا تضاهى، إلا أن السكاكيني ظل مغموراً خارج فلسطين إلى حد كبير، ولم يتح لأفكاره في الإصلاح الديني وفي النهضة والتقدم ما أتيح لأقرانه أمثال محمد عبده وعلي عبد الرازق وحتى معروف الرصافي".
ولد السكاكيني، في 23 يناير (كانون الثاني) عام 1878 في بيت المقدس، وقد سمي (خليل) على اسم أخيه البكر المتوفى طفلاً. وفي يومياته (كذا أنا يا دنيا)، التي أشهرها في 1919 يرسم السكاكيني بعض ملامح طفولته: "أقدم ما أتذكر من أيام طفولتي أننا كنا نعيش في دارنا داخل المدينة، وكان شعري أحمر بلون شعر سري (ولده) وسلطانة اليوم (زوجته)، وأنه كان مرسلاً بحيث كان يضفر شعر البنات، وأني كنت سميناً بحيث كنتُ مع قصري كالكرة أتدحرج تدحرجاً، وإذا كنا نلعب مع إخوتي وأولاد عمي في (حوش) الدار ونملأ الجو بأصواتنا، وقد كنا نسكن سنة في دار، داخل المدينة وسنة في دارنا خارج المدينة".
وفي طفولته أرسله والده إلى مدرسة "الروم الأرثوذكس" في القدس، ولكنه تركها للطمة أصابت وجهه من المعلم لغير ذنب ولا علة، على ما يؤرخ الكاتب أوس داوود يعقوب في بحث خاص بمؤسسة القدس للثقافة والتراث، إذ انتسب السكاكيني بعدها إلى مدرسة أسستها الجمعية "الإنجليكانية التبشيرية"(CMS)، فكان دوما (الأول) بين لداته.

سجن السكاكيني
عاش في فترات متلاحقة في كل من فلسطين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وسوريا ومصر. سجن في دمشق في نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، أثناء الحرب العالمية الأولى، حين طالبت الحكومة المواطنين الأمريكيين بتسليم أنفسهم وإلا عدّوا جواسيس. أحد معارف السكاكيني، آلتر ليفين الذي كان يهودياً أمريكياً لم يسلم نفسه، بل التجأ إلى بيت خليل السكاكيني الذي آواه لعدة أيام إلى أن اكتشفت الشرطة أمره فتم اعتقالهما ونقلا إلى السجن في دمشق ، ولكنه تمكن من الخلاص من سجنه والتحق بقوات الثورة العربية. وفي طريقه للانضمام إليهم كتب نشيد الثورة العربية.

درَس السكاكيني الأسس التربوية الحديثة في جامعات أجنبية كبرى ﻛ "أكسفورد" و"كامبريدج" فأدرك أهمية أن تكون المناهج الدراسية جَذَّابة وتُحبب الطلاب في العلم

درَس السكاكيني الأسس التربوية الحديثة في جامعات أجنبية كبرى ﻛ "أكسفورد" و"كامبريدج" فأدرك أهمية أن تكون المناهج الدراسية جَذَّابة وتُحبب الطلاب في العلم؛ لذلك وضع الكثير من المناهج الدراسية في اللغة العربية التي تحتوي على وسائل إيضاح بصرية مُبسَّطة، وكذلك ألَّف العديد من الكتب في طرائق التدريس والتربية.
وقد آمن السكاكيني بتحديث وسائل التعليم واستخدام الوسائل البصرية. وكتب عدة مؤلفات تشرح منهجه، فضلاً عن أنه أعدّ وألّف الكثير من كتب المناهج الدراسية في مجال اللغة العربية. كما حاول، من خلال عضويته في‏ لجنة التربية لقضاء القدس، العمل على تحسين نظام التربية ولا سيما بالنسبة للبنات‏.

آمن السكاكيني بتحديث وسائل التعليم واستخدام الوسائل البصرية وله مؤلفات تشرح منهجه كما أعدّ وألّف الكثير من كتب المناهج الدراسية 

ومن أهم مؤلفاته التربوية كتاب اللغة العربية للصف الأول الابتدائي الذي يبدأ بدرس كلمتي (راس - روس) المدعمة بالصور والشرح.
أفكار تربوية رائدة
ومن النقاط الرئيسة التي أقرها السكاكيني في‏ مضمار التربية والتعليم‏، كما يذكر واصف جوهرية، في كتابه "القدس العثمانية في المذكرات الجوهرية:"

- معارضة‏ أسلوب القصاص‏.
- عدم إذلال الطالب.
‏- إلغاء الامتحانات والوظائف البيتية والشهادات.
- معارضة الحفظ‏ غيباً.
‏- تهذيب شخصية الطالب.
‏- منح الطالب الحرية الكاملة.
‏- علاقات اجتماعية مفتوحة بين المعلم والطالب.
‏في أواخر(أبريل) نيسان 1948 هجر السكاكيني منزله في حي "القطمون" المقدسيّ قسراً ولجأ إلى القاهرة ليقيم فيها نهائياً، وفي العام نفسه انتُخب عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، باقتراح من الدكتور طه حسين.

وبقيت مكتبة السكاكيني في منزله في "القطمون"، بحيث لم يتمكن من انقاذها جرّاء عمليات الاحتلال والتهجير الصهيوني. فكتب متسائلاً عن مصير مكتبته: "الوداع يا مكتبتي! لست أدري ما حلّ بكِ بعد مغادرتنا البلاد، أَنُهبتِ؟ أَحُرقتِ؟". لاحقاً عُثر على الكثير من كتبه التي تحوي على ملاحظات وتعليقات على هوامشها، في المكتبة القومية الإسرائيلية، والتي استولت على الكثير من المكتبات الفلسطينية التي صادرها جيش الاحتلال الصهيوني عقب النكبة.
وتخليداً لمسيرته، منح اسم السكاكيني في يناير (كانون الثاني) 1990 وسام القدس للثقافة والفنون، كما أطلق اسمه على إحدى مدارس القدس وعلى أحد شوارعها. وفي عام 1996 أنشئ مركز "خليل السكاكيني الثقافي" في مدينة رام الله. وهو مؤسسة مستقلة، غير ربحية، تعنى بترويج الفن والثقافة والإبداع الفلسطيني، بحيث يبقى يتردد بين جدارنها صوت السكاكيني، هاتفاً:
هذي فلسطين لنا     من رامها يلق الندم
نُرخِص في سبيلها     ما عزّ من مال ودم

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية