حوارية "تجديد الخطاب الديني": هل فقد رجل الدين دوره في العصر الرقمي؟

الدين

حوارية "تجديد الخطاب الديني": هل فقد رجل الدين دوره في العصر الرقمي؟


26/02/2018

استعرض المفكران عبدالجواد ياسن وإبراهيم غرايبة، أهم التحديات والإشكالات التي تواجه مشاريع تجديد الخطاب الديني في العالم العربي، مؤكدان على ضرورة تطوير أشكال جديدة للممارسة الدينية، بحيث لا يكون للمؤسسة الدينية في صورتها التقليدية حضور ودور مؤثر.

جاء ذلك في حوارية عُقدت في ختام مؤتمر "خطاب التجديد الديني: فرقاء الأذهان والأزمان"، الذي عُقد في العاصمة الأردنية عمّان، يومي الجمعة والسبت 23 و24 شباط (فبراير) الحالي، وتحدث فيها كل من المستشار عبد الجواد ياسين، من مصر، والمفكر إبراهيم غرايبة، من الأردن، وأدارها أستاذ اللغة العربية في جامعة فيلادلفيا الدكتور يوسف الربابعة.

تطوير أشكال الممارسات الدينية

انطلق ياسين، في الحوارية التي نظّمها مركز تنوير للدراسات الفكرية والفلسفية، بالتعاون مع جمعية "شباب معاً"، من ضرورة التفريق بين الدين بما هو نظام من التعاليم والعقائد، والتديّن بوصفه ممارسات تنشأ وتتطور مع تغير المنظومات الاجتماعية بحيث تعكسها وتعبر عنها، "وهي التي تكون بحاجة دائمة إلى التجديد والإصلاح"؛ حيث أشار إلى "انقضاء فترة طويلة امتدت قروناً لم تواكبها تغييرات جوهرية في الأطر الاجتماعية، وهو ما انعكس في حالة من الجمود أصابت الفكر والممارسة الدينية، أما بعد دخول الحداثة إلى العالم الإسلامي واحتكاكه المباشر معها في مختلف المجالات فإنّ هذا التجديد ظهر كحاجة ملحّة لا محيد عنها".

انطلق عبد الجواد ياسين من ضرورة التفريق بين الدين والتديّن باعتباره ممارسات تنشأ وتتطور مع تغير المنظومات الاجتماعية

واتفق غرايبة مع ما ذهب إليه ياسين، مشيراً إلى أنّنا الآن قد دخلنا في "العصر الشبكي"، وهي مرحلة جديدة منقطعة عن المراحل التي عرفتها البشرية عبر تاريخها "إذ إنّ التقنية اليوم تقتحم جميع مجالات الحياة، وهي ليست مجرد أدوات، وإنما تعمل على تغيير طرق تفكيرنا، وتواصلنا، وتعبيرنا عن أنفسنا وعن عواطفنا"، مؤكداً أنّ عالم الشبكة المفتوحة اليوم "أتاح للجميع إمكانية التعبير بشكل متساوٍ، وهو ما ساهم في الحدّ من التراتبية في المجتمعات، بالإضافة إلى إتاحة القدرة لجميع الأفراد للوصول إلى المعلومة والتحقق منها"، ليخلص أنّه لم يعُد ثمة ضرورة لوجود رجل الدين وعالم الدين، كما في السابق، باعتبار أنّ لديهم معلومات غير متوافرة للعامة، "كل ذلك تغيّر، وهو ما يستدعي بالضرورة تطوير أشكال جديدة للممارسة الدينية بحيث لا يكون للمؤسسة الدينية في صورتها التقليدية حضور ودور مؤثر، إنّما يتمركز التدين حول الفرد، مؤكداً انتفاء الحاجة اليوم لوجود وزارة أوقاف ومؤسسات مخصصة لتنظيم المجال الديني وإدارته".

بروز الأصوليات والسلفية الدينية

واعتبر ياسين أنّ جميع الأديان، وخصوصاً الكتابية منها، تمرّ بثلاث مراحل: المرحلة الأولى، وهي مرحلة التأسيس للديانة، أو "مرحلة التدشين"، وهي التي تتمثل في عصر النبي وصحابته في الحالة الإسلامية، ثم يأتي "عصر التدوين"، الذي يمثّل مرحلة تأسيس ثانِ للديانة، وهي المرحلة التي شهدت في السياق الإسلامي صراعاً على السلطة أفرز تعددية سياسية استوجبت الاعتماد على النصوص والتوسع في دلالاتها، وهو ما أدى إلى تضخم مساحة النصوص وشروحها، وتزايد أهميتها في الاعتقاد والتشريع، وخصوصاً ما اصطلح عليه بـ"السُّنة". ومن ثم تأتي بعد ذلك "مرحلة التجديد"، التي يتوقف فيها البناء والتوسع في النصوص والاستدلالات، وتُعلّق فيها الاجتهادات، ولا يتم طرح إشكاليات إلا من باب التجديد والإصلاح الجزئيين، وهي المرحلة التي اعتبر ياسين بأننا لا نزال نعيشها ولم نتجاوزها منذ قرون.

ياسين: فقد رجل الدين موجبات وجوده كما كان سابقاً باعتباره محتكراً لمعلومات غير متوافرة للعامة

وأشار غرايبة إلى أنّ ذروة المرحلة التجديدية في العصر الحديث كانت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وحتى منتصف القرن الماضي، وهي التي أسماها بـ"اللحظة العقلانية"، وتمثّلت في ظهور أشخاص كعلي عبد الرازق، ولطفي السيد، وطه حسين، و"كانت جريئة في تقديم فهم جديد لمجمل المنظومة الدينية، ومن ذلك ما قدّمه عبد الرازق حين اعتبر أنّ نظام الخلافة هو مجرد شكل تاريخي لا بدّ من تجاوزه نحو صِيَغ جديدة، وعدم التوقف عنده والاكتفاء بالمطالبة بإعادته كما ذهبت لذلك جماعات الإسلام السياسي".

وأجمل عبد الجواد ياسين أبرز التحديات التي تواجهها محاولات التجديد، التي رأى أنّها تتمثل أولاً بتراجع الحداثة والمشروع التحديثي على المستوى العالمي، "إذ اختلف الوضع عمّا كان عليه الحال في بداية القرن الماضي الذي اتسم بطغيان الحاجة للتطور والتغيير بعد الصدمة الحضارية التي واجهها العرب بعد الاحتكاك بالتفوق الغربي"، وأما التحدي الثاني، وفق ياسين، فيتمثل ببروز وصعود الأصوليات والسلفيات بمختلف أشكالها وأشهرها السلفية الدينية، التي تمانع أي تغيير وتجديد، "وأما التحدي الثالث فهو التعامل مع مشروع الحداثة من منظور قومي واعتبار أنها مرتبطة بأبعاد سياسية وممثلة للغرب ومرتبطة بالضرورة بالتغريب بما يشعر بالمواجهة السياسية والحضارية معها".

أبرز المشاريع التجديدية

يُذكر أنّ المؤتمر شهد عقد أربع جلسات، على مدار يومين، تضمنت كل منها مناقشة لأطروحات كتابين من أبرز الكتب التي مثّلت مشاريع تجديدية؛ حيث تناولت الجلسة الأولى كتاب العالمية الإسلامية الثانية، لمؤلفه أبو القاسم حاج حمد، وتحدث فيها رائد أبو زهرة، وبكر عنانزة. وكتاب "الدين والتدين"، لمؤلفه عبد الجواد ياسين، وتحدث فيها د.إيمان عبد الهادي، وفتح كساب. أما الجلسة الثانية فتناولت كتاب العفيف الأخضر "من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ"، وقدمه علي النوباني، ولين غرايبة، وكتاب مالك بن نبي "الظاهرة القرآنية"، وتناولته صبا أبو فرحة، وسليمان محافظة.

غرايبة: ذروة المرحلة التجديدية في العصر الحديث كانت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وحتى منتصف القرن الماضي

وفي اليوم الثاني، عقدت جلستان، تناولت الأولى كتاب "الكتاب والقرآن" لمحمد شحرور، وناقشه د.أمجد الزعبي، ود.عمر البطوش، وكتاب محمد أركون "القرآن؛ من التفسير الموروث الى تحليل الخطاب الديني"، وتناوله عمر أبو رصاع، وحنين إبداح. وأما الثانية فتناولت كتاب "مفهوم النص" لمؤلفه نصر حامد أبو زيد، وعرضته د.خولة الشخاترة، ونسرين شرادقة، واختتمت الجلسة بمناقشة أفكار كتاب "الإسلام؛ بين الرسالة والتاريخ"، لمؤلفه عبد المجيد الشُرفي، شارك فيها زيد ربابعة، وهشام مقدادي.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية