بين داعش والقاعدة تاريخ من العنف يجب أن يُقرأ

بين داعش والقاعدة تاريخ من العنف يجب أن يُقرأ


19/03/2018

حادث مروع نفّذه تنظيم داعش ظهر الجمعة 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، راح ضحيته ما يزيد عن ثلاثمئة مصري من أبناء سيناء، بينهم 27 طفلاً، حين حاصر مسلّحون من داعش مسجد قرية الروضة، بمركز بئر العبد التابع لمحافظة شمال سيناء، وأطلقوا نيران أسلحتهم على المصلين، مخلفين وراءهم أكبر عدد من الشهداء حدث في مصر، منذ إعلان الدولة المصرية حربها على الإرهاب العام 2013.

على خلفية الحادث، أصدر تنظيم القاعدة بياناً يستنكر فيه قتل المصلين، ويتوعّد بالانتقام من منفّذيه، كما أصدرت غالبية الجماعات المتطرفة في مصر بيانات مماثلة؛ فقد أصدرت حركتا؛ حسم ولواء الثورة بيانات استنكرت خلالها جريمة تنظيم داعش! المسألة التي دفعت البعض للتشكيك في انتماء داعش، كذراع عسكري مسلح لواحدة من تيارات الإسلام السياسي العاملة في المنطقة، والدفع بأنّه تنظيم مخابراتي تأسّس لتشويه التنظيمات المسلحة الأخرى، التي تدّعي أنّها تنظيمات مقاومة، وليست جماعات إرهابية، غير أنّ تتبع مسار التنظيمات الجهادية منذ نشأتها يشير إلى أنّ الخلاف قديم، غير أنّنا لا نقرأ التاريخ جيداً!

خلاف قديم

التباين بين داعش والقاعدة له جذوره التاريخية؛ في الاختلافات الفقهية بين الجماعات المتطرفة بين تكفير المجتمع بالكامل، أو تكفير الحكومات فقط، بين الحكم على الشخص أنّه مسلم بظاهر إسلامه، أم يجب عليه أن ينضمّ لجماعة معينة حتى يصبح مسلماً، وإلّا عدّوه كافراً، بين مقاتلة الجيش والشرطة فقط، أو قتل المتعاونين معهم، أو قتل المجتمع الكافر بأكمله، وهي التنظيمات التي عرفت بأسماء مختلفة، بين جماعة المسلمين، المشهورة إعلامياً، باسم جماعة التكفير والهجرة، التي انبثقت عنها جماعة تكفيرية أخرى مثل؛ جماعة التوقف والتبين، وبين مجموعات الجهاد، ثم اندماج تلك المجموعات مع الجماعة الإسلامية تحت مسمى تنظيم الجهاد، العام 1979، بقيادة محمد عبد السلام فرج، وهو التنظيم الذي قام بمحاول اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، ثم تفكّك تحالف تلك التنظيمات، لتبدأ الجماعة الإسلامية في مصر العمل منفردة، بداية من نهاية الثمانينيات، حتى إطلاق مبادرتها لوقف العنف العام 2002، إلى جانب انضمام بقايا مجموعات الجهاد المختلفة تحت لواء واحد، تحت مسمى، جماعة الجهاد المصرية، التي تأسست العام 1988 في بيشاور بباكستان، وأسّسها أيمن الظواهري، وكان أميراً للجماعة الشيخ سيد إمام، ثم انفراد أيمن الظواهري بإمارة الجماعة العام 1993.

إنّ تتبع مسار التنظيمات الجهادية منذ نشأتها يشير إلى أنّ الخلاف قديم، غير أنّنا لا نقرأ التاريخ جيداً!

كما انشقت مجموعة الشوقيين عن الجماعة الإسلامية في مصر، نهاية الثمانينيات، وتأسيسهم تنظيم الشوقيين في محافظة الفيوم، وهو التنظيم الموسوم بالعنف الشديد في محاربة الدولة، وكان أكثر تطرفاً وشراسة من بقية الجماعات الدينية الأخرى، وقد تأثّر مؤسس ذلك التنظيم بأفكار جماعة التوقف والتبين التكفيرية، التي قابل أحد قياداتها في السجن منتصف الثمانينيات، وهو نجيب عبد الفتاح اسماعيل، ابن عبد الفتاح إسماعيل، المنظّر الأول لجماعة التكفير والهجرة، الذي حكم عليه بالإعدام في قضية تنظيم 1965 مع سيد قطب، ومحمد يوسف هواش. ومؤخراً قبض على الأمير السابق لجماعة الشوقيين، الذي تولّى الإمارة بعد مقتل شوقي الشيخ أميرها الأول، ضابط الشرطة السابق حلمي هاشم، وقد كشفت التحقيقات أنّه كان مفتياً لداعش، وهو الذي أفتى وسمح بعمليات الذبح الشرسة التي نفذها التنظيم ضدّ أسراه، متأثراً بفكر شوقي الشيخ، أمير الجماعة السابق، المنشق عن الجماعة الإسلامية.

الجبهة الإسلامية العالمية

عام 1998، تحالفت جماعة الجهاد المصرية، بقيادة أيمن الظواهري، مع تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وأسّسا "الجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والأمريكان"، وقد كانت المجموعات الجهادية، والجماعة الإسلامية يتبعون، في السابق، فقه "قتال العدو القريب"، واعتقادهم هنا عائد إلى أنّ قيام الدولة الإسلامية لن يتم إلّا بتطهير المجتمع، أولاً، من الحكومات الكافرة، وأنّ محاربة تلك الحكومات أهم من محاربة إسرائيل، لكنّ التحالف مع تنظيم القاعدة اتّبع فقهاً آخر، قائم على "قتال العدو البعيد"، المعتمد على ضرورة مقاتلة أمريكا وإسرائيل، الداعمتين لتلك الحكومات الكافرة، والمحاربتين للإسلام في العالم، من وجهة نظر التنظيمات الجهادية.

في ذلك الوقت، رفض عديد من قيادات الجهاد في مصر ذلك التحالف، غير أنّ الظواهري وحده كان يملك سلطة إقرار التحالف، الذي تحوّل إلى اندماج عام 2001، بتأسيس قاعدة الجهاد، التي أسّس لها أبو مصعب الزرقاوي فرعاً في العراق باسم "قاعدة الجهاد في العراق"، ثم بمرور الوقت أصبحت "قاعدة الجهاد في العراق والشام"، ثم تم تنصيب زعيمهم خليفة، لتصبح "دولة الإسلام في العراق والشام"، تنظيم داعش، الذي عدّته القاعدة خروجاً على بيعتهم.

الخريطة الجهادية تجعل من الصعب حتى على أعضاء تلك الجماعات، تتبع مسارها، أو فهم تداخلاتها وتحولاتها

تلك الجماعات الحركية، كان يسير بجوارها وبشكل متوازٍ، لا يقلّ خطورة، جماعات فكرية تعمل على نشر الدعوة للفكر السلفي، على رأسها جماعة أنصار السنة المحمدية، التي فرض أعضاء مجموعات الجهاد، في طورهم الأول، منتصف الستينيات، على أعضاء التنظيم، المواظبة على دروس شيخ أنصار السنة المحمدية، في مسجد "قولة" بعابدين، مقرّ جماعة أنصار السنّة، الشيخ محمد خليل هراس، أيضاً الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة، والدعوة السلفية العلمية، وجماعة أهل السنة والجماعة، التي أسّسها عبدالمجيد الشاذلي عضو جماعة الإخوان السابق، المقبوض عليه في قضية تنظيم 1965، وقد أسسها بمساعدة رفيقه في الجماعة والسجن، أحمد عبد المجيد عبد السميع، وقد اشتهرت دعوة أهل السنة والجماعة باسم "التيار القطبي"؛ لتأثرهم الشديد بكتابات سيد قطب، وترويجهم لها، ويعدّ امتداداً لتلك الدعوة في سيناء، ما قام به الشيخ أسعد البيك، منظر السلفية الجهادية هناك، الذي قبض عليه في أحداث سيناء 2005، التي نفّذتها جماعة التوحيد والجهاد، الجماعة التي أسّسها ابن سيناء، خالد مساعدة، متأثراً بجماعة التوحيد والجهاد في العراق، التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي.

الخريطة الجهادية التي أوردناها سلفاً، تجعل من الصعب، حتى على أعضاء تلك الجماعات، تتبع مسارها، أو فهم تداخلاتها وتحولاتها، هذا التداخل يجعل أيضاً من السهل على تلك التنظيمات تضليل الأتباع المنتمين إليها، أو حتى المتعاطفين معها، ووسمها كذباً بجماعات مقاومة، علماً بأنّ المسألة لن تبتعد كثيراً عن أنّها جماعات اختلفت التنظيرات الفقهية التي اعتمدت عليها في طريقة عملها المسلح، المنبثق من خلفية دينية، بين من يجوز قتالهم من أجل تحقيق مصطلح "الدولة الإسلامية"، من وجهة نظرهم؛ هل هو العدو القريب أم العدو البعيد؟!

 

الصفحة الرئيسية