تنظيمات العنف الديني: متفقة في التوحش ومختلفة في المنابع

تنظيمات العنف الديني: متفقة في التوحش ومختلفة في المنابع


28/02/2018

كُتبت مئات المقالات والكتب والأبحاث عن فكر التطرف والتكفير، المنبثق من وعاء واحد، تنهل منه جميع التيارات الدينية المتطرفة، تركز تلك المقالات على أفكار أبو الأعلى المودودي، وسيد قطب، ومحمد عبد السلام فرج وغيرهم، معتبرة أنّ ذلك دليل على وجود ربط حقيقي بين جميع التنظيمات والتيارات الدينية المتطرفة في كل مكان، غير أنّ تلك الفرضية يسهل نسفها، وهو ما اتبعته جماعات الإسلام السياسي، من نفي أي علاقة لهم بعمليات العنف، وفي أوقات أخرى ينسبون تلك العمليات لأجهزة مخابراتية، داخلية وخارجية، بحجة أنّ الأنظمة الحاكمة تسعى لخلق فضاء من الرعب، يزيد من عمر سيطرتها على شعوبهم.

التنظيمات الإرهابية تتبع هيكلاً عنقودياً في تشكيلاتها، إلى جانب سرية شديدة في آليات العمل

يزيد من نسف الفرضية أيضاً، أنّ التنظيمات الإرهابية تتبع هيكلاً عنقودياً في تشكيلاتها، إلى جانب سرية شديدة في آليات العمل، يجعل من الصعب الحصول على معلومة مكتملة عنهم، وصعوبة إدراك هل العمليات المتطرفة المتناثرة في الفضاءات المكانية المختلفة؛ محلياً ودولياً، يجمعها رابط تنظيمي واحد؟، وهل الهجمات التي وجهت كنموذج، للقاهرة، والمحافظات المصرية المختلفة، في الأربعين عاماً الأخيرة، خرجت من نفس الحاضنة؟، أضف إلى ذلك اتباع تلك التنظيمات لمانيفستو يعتمد على عدة مراحل، قائمة على نشر مجموعة من العمليات الإرهابية الصغيرة، المنتشرة في عدة محافظات مختلفة، ربما لا يكون بينها رابط ظاهر، لكن الهدف الرئيسي، إحداث حالة من الفوضى، يطلق عليها في فقه تلك الجماعات اسم "شوكة النكاية"، وهي العمليات التي تهدف إلى خلق مناطق عنف، تساعد على خلخلة سيطرة الدولة عليها، مما يساهم أكثر في دعم قدرة التنظيمات الإرهابية على العمل في تلك المناطق، وهو ما يطلق عليه، مرحلة "إدارة التوحش"، وهي المرحلة التي تنتهي بسيطرة تلك الجماعات على بعض المناطق التي تعمل من خلالها، في سبيل تأسيس دولتها الإسلامية الخاصة، وهي المرحلة الثالثة المسماة "شوكة التمكين".

وهو ما حدث في الشام، من تأسيس "الدولة الإسلامية" أو ما اصطلح عليه "داعش" في العراق والشام، وأيضاً هو ما حاولت بعض الجماعات إحداثه في مصر، بتأسيس دولة الإسلام في مصر وليبيا "دولم".

معدل الانشقاقات بين صفوف الجماعات الإرهابية كبير ما يتسبب بخروج مجموعات جهادية تتباين آلياتها وأساليبها

إلى جانب السرية الشديدة في العمل واتباع حرب العصابات في المناطق المختلفة، فإنّ معدل الانشقاقات بين صفوف تلك الجماعات كبير جداً، ما يتسبب في خروج عدة مجموعات جهادية مختلفة، تتباين آلياتها في فرض سيطرتها على المناطق التي تتمركز فيها، وتعود أسباب تلك الانشقاقات، للاختلاف على أسلوب التمكين والسيطرة، في الدول التي يتمركزون فيها، كما حدث مع مجموعات الجهاد التي بدأت نشأتها عقب إعدام سيد قطب، وقد خرجت تلك المجموعات إلى النور طلباً للثأر من قتلته، واتفقوا في البداية على فكرة الانقلابات العسكرية، وأنها السبيل للوصول للسلطة، ثم بعد ذلك انشقت مجموعة عنهم تمركزت في محافظة الاسكندرية يديرها رفاعي سرور ويحيى هاشم، وسبب الانشقاق عائد لاقتناع مجموعة الاسكندرية أنّ حرب العصابات هي الطريق الأفضل، وليست الانقلابات العسكرية.

ثم بعد ذلك أسس أيمن الظواهري جماعة الجهاد عام 1988 في بيشاور بباكستان، واتبع اعتقاد منظر الجهاد محمد عبد السلام فرج، والذي كتب أنّ الوصول للسلطة سوف يتم عن طريق القيام بانقلاب عسكري مدعوم بتحرك مدني في الشارع، فعمل الظواهري على اختراق الجيش بتجنيد عناصر عدة داخله، وهو ما اتبعته المجموعات الجهادية منذ بدايتها، عندما جنّدت عصام القمري، والعيدروس، ويحيى هاشم، وعبود الزمر، والإسلامبولي، أما بخصوص الشق المدني فقد بدأت جماعة الجهاد بتأسيس معسكرات تدريب لها بأفغانستان، والذي ذهبت إليه عدة مجموعات للتدريب بداية من عام 1989 ثم عام 1990 وحتى عام 1993، وكانت فترة التدريب تستمر لمدة ثلاثة شهور، ثم يعود العضو إلى مصر، دون أن ينفذ أية عمليات تكشفه للسلطة الحاكمة، أو ما يسمى بالخلايا النائمة، في انتظار ساعة التحرك، وكان شرط اختيار تلك العناصر ألا تكون معروفة للأنظمة الأمنية، وألا يكون لها سابق عمل جهادي، غير أنّ ذلك المخطط تم كشفه بطريق الصدفة عام 1993، ليسقط أكثر من 1000 جهادي تم تدريبهم في أفغانستان، وهي القضية المشهورة إعلامياً باسم تنظيم "طلائع الفتح"، الجناح المسلح لجماعة الجهاد المصرية، ثم حدث تحول فكري جذري في تاريخ الجماعات الجهادية، كان سبباً في انشقاق تلك الجماعات فيما بعد لمسميين، يحكمان العنف عالميا الآن؛ "داعش" و"القاعدة".

السعي لإثبات إنّ التنظيمات خرجت من وعاء جماعة الإخوان  محكوم عليه بالفشل وإثبات هذا يحتاج إلى آلية جديدة

الخريطة الجهادية التي أوردناها سلفاً، تجعل من الصعب حتى على أعضاء تلك الجماعات تتبع مسارها، أو فهم تداخلاتها وتحولاتها، خصوصاً مع السرية الشديدة التي تعمل بها تلك الجماعات، تلك السرية، التي جعلت زوجة أبو حمزة المهاجر، أمير القاعدة في العراق، والذي ساعد على تنصيب أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين هناك، تجهل أهمية زوجها في تلك التنظيمات، أو أنه عضو في جماعات جهادية من الأصل، وهي المسألة التي تكررت بقوة بعد أحداث حزيران (يونيو) 2013، عندما أذاعت فضائيات مختلفة، صوراً كثيرة لشباب قيل إنهم مختطفون من قبل الشرطة المصرية، وأنهم يعانون حالات اختفاء قسري، ثم تم الاكتشاف تباعاً، أنّ تلك الحالات قد قتلت أثناء الاشتباكات بين تنظيمات داعش، والحكومات العربية، ولم يصدق الأهل انضمام أبنائهم لتلك التنظيمات الإرهابية، إلا عندما نشرت المكاتب الإعلامية التابعة لداعش صور أبنائهم، وهم يقاتلون في صفوف مقاتلي الشام.

ما سبق يشير إلى أنّ السعي لإثبات الفرضية القائلة إنّ تلك التنظيمات خرجت جميعها من وعاء واحد، أو من وعاء جماعة الإخوان المسلمين تحديداً، هو سعي محكوم عليه بالفشل من البداية، وأن إثبات الفرضية يحتاج إلى آلية جديدة. تقطع الطريق على تلك الجماعات، من الهروب بعيداً عن تحمل مسؤولية العنف المسلح الذي تعانيه المنطقة العربية مؤخراً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية