بعد 2011: كيف استغل الإخوان هشاشة الثورات لتجنيد الأطفال والشباب في تونس وليبيا؟

بعد 2011: كيف استغل الإخوان هشاشة الثورات لتجنيد الأطفال والشباب في تونس وليبيا؟

بعد 2011: كيف استغل الإخوان هشاشة الثورات لتجنيد الأطفال والشباب في تونس وليبيا؟


09/07/2025

شهدت تونس وليبيا بعد 2011 حالة من الفوضى السياسية والانهيار المؤسسي، فتحت المجال لصعود تنظيمات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين. وجدت هذه الجماعات في الهشاشة الأمنية والاجتماعية فرصة سانحة لإعادة ترتيب صفوفها، وفرض خطابها الأيديولوجي على المجتمعات الثائرة.

ولعب الإخوان أدوارًا مزدوجة في استثمار الحراك الشعبي، فمن جهة رفعوا شعارات الإصلاح والديمقراطية، ومن جهة أخرى عملوا على بناء شبكات ولاء جديدة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، خصوصًا الأطفال والشباب الذين لم يكن لهم سند مؤسسي يقيهم تأثيرات الدعاية الأيديولوجية المنظمة.

"نتائج الانتخابات في تونس عام 2019 أظهرت تراجع شعبية الإخوان بشكل كبير، ما يعكس فقدان الثقة وازدياد الوعي السياسي المستقل."

 

ومع مرور الوقت، تكشفت نتائج هذا الاستثمار المنهجي في الوعي الجمعي، حيث تركت محاولات التجنيد آثارًا عميقة على المشهد الاجتماعي والسياسي، لكنها في المقابل واجهت موجة رفض متصاعدة قوضت قدرة المشروع الإخواني على الحفاظ على جاذبيته الأولى.

السياق الثوري والانهيار المؤسسي

بعد سقوط نظامي القذافي وبن علي، وجدت المجتمعات المحلية نفسها أمام فراغ مؤسساتي هائل، فقد انهارت الأجهزة الأمنية، وتعطلت منظومة الخدمات، وتحولت مناطق كاملة إلى مساحات نفوذ متصارعة، وهو ما منح الإخوان فرصة ثمينة لإعادة بناء قواعدهم الشعبية بسرعة.

"سعت حركة النهضة في تونس إلى الهيمنة على الإدارات المحلية، بينما تحالفت الجماعات الإخوانية في ليبيا مع فصائل مسلحة خلال الحرب الأهلية."

 

ففي تونس، سعت حركة النهضة لاستثمار الارتباك المؤسساتي عبر الهيمنة على الإدارات المحلية والجمعيات، بينما في ليبيا، فتحت الحرب الأهلية الباب أمام تحالفات مع قوى مسلحة تستند إلى شرعية الثورة. ومع غياب الدولة، لم يجد الشباب بدائل واضحة، فاستسلم بعضهم للدعاية الدينية.

وركز الخطاب الإخواني على استثارة المشاعر الجماعية، وتقديم التنظيم كحامي الثورة والهوية، وهو ما شكل عامل جذب لشرائح واسعة من الفئات الفقيرة واليافعة. واستُثمرت حالة الغضب الشعبي لإضفاء قداسة على المشروع الإخواني وإظهاره كحائط الصد في مواجهة "الثورة المضادة".

"أنشأ الإخوان شبكات دعوية وجمعيات خيرية تتلقى تمويلاً من قطر وتركيا، استُخدمت للتجنيد والتلقين الأيديولوجي أكثر من تقديم المساعدات."

 

لكن هذا التوظيف للسياق الثوري لم يكن محايدًا، إذ سرعان ما ظهرت بوادر العنف والاحتكار والتمدد خارج إطار الدولة، ما أدى إلى تشكل جبهات مقاومة اجتماعية مضادة ترفض تحويل الثورة إلى غطاء للهيمنة الحزبية والتدخل الخارجي.

الشبكات الدعوية والجمعيات

الإخوان استندوا إلى إنشاء شبكات دعوية كثيفة تحت غطاء الجمعيات الخيرية والمدارس الدينية، وانتشرت في تونس مئات الجمعيات الجديدة عقب الثورة، كثير منها تلقى دعمًا ماليًا من أطراف إقليمية، خاصة قطر وتركيا. 

وقد وثق تقرير محكمة المحاسبات التونسية لعام 2018 تجاوزات مالية لبعض الجمعيات ذات الصلة بحركة النهضة، مشيرًا إلى استخدام التمويلات الخارجية في الحملات الانتخابية، مما يعكس توظيف الموارد المالية لتعزيز النفوذ السياسي للحركة.

"ركّز الخطاب الإخواني على استثارة المشاعر، وترويج فكرة المظلومية التاريخية، لتعبئة الفئات المهمشة وإضفاء قداسة على مشروعه السياسي."

 

أما في ليبيا، تكررت الظاهرة بشكل أكثر وضوحًا نتيجة الانهيار الكامل للدولة. وأظهرت تحقيقات موقع "إنسايد أرابيا" عام 2020 كيف أن الجمعيات الخيرية المرتبطة بالإخوان تلقت دعمًا ماليًا من جهات قطرية وتركية، مما ساهم في توسيع نفوذها وتشغيل معسكرات لتأهيل الأطفال واليافعين بذريعة الحماية والإغاثة، لكنها كانت في الواقع قنوات لتجنيد وتلقين أيديولوجي.

ولم يقتصر نشاط هذه الجمعيات على تقديم المساعدات، بل امتد إلى العمل الإعلامي والدعوي، مستفيدة من المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر سردية "الشرعية الثورية" وصناعة الولاء للتنظيم.

"كشفت تقارير تونسية ودولية عن تجاوزات مالية وارتباطات مشبوهة للجمعيات الإخوانية، ما دفع الحكومة لمحاولة ضبط التمويل الخارجي."

 

بالتزامن، تزايدت التقارير التي تكشف صلات بعض الجمعيات بشبكات تمويل مشبوهة، ما أدى لاحقًا إلى إجراءات حكومية في تونس تهدف إلى الرقابة على التمويل الخارجي ومحاولة كبح نفوذ التنظيم داخل المؤسسات المدنية.

تجنيد العاطفة والهوية

هذا وركّز الإخوان على ترويج خطاب المظلومية التاريخية وإحياء النزعة العاطفية لدى الشباب، حيث استندت دراسة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لعام 2014 إلى تحليل خطاب الضحية والشرعية الثورية، موضحة كيف تم توظيف فكرة المظلومية في تونس لتعزيز الولاء للحركة وتبرير الأزمات السياسية التي واجهتها.

"في ليبيا، تحول الخطاب الإخواني إلى دعوات جهادية استقطبت الشباب للفصائل المسلحة، مما أدى إلى استمرار النزاع وتعميق الانقسامات."

 

في تونس، استخدم خطاب "استكمال أهداف الثورة" لإذكاء الانقسامات الاجتماعية، وتعبئة قواعد شبابية خصوصًا في الأحياء الشعبية والمناطق المهمشة. خصصت برامج إعلامية ومنصات تواصل اجتماعي لنشر هذه السردية وتصوير الإخوان كحراس للثورة والهوية الوطنية.

وفي ليبيا، زادت حدة الخطاب مع توسع النزاع المسلح، حيث تم الترويج لشعارات دينية تحث على الجهاد ضد "الطغيان"، ما دفع أعدادًا من الشباب للالتحاق بفصائل مسلحة تحمل الشرعية الدينية الثورية. هذا الخلط بين الهوية الدينية والسياسة كان من أخطر أدوات التجنيد التي وظفها التنظيم.

على الرغم من ذلك، بدأت تظهر أصوات نقدية داخل المجتمعات المحلية ترفض استغلال الدين والعاطفة لتمرير أجندات حزبية ضيقة، لكن النفوذ ظل قائمًا بدعم مالي وإعلامي كبير.

التجنيد السياسي والميداني

مع استقرار نفوذ الإخوان في المشهد السياسي، بدأت مرحلة استثمار القواعد المجندة لبناء حضور سياسي قوي. في تونس، استثمرت حركة النهضة التعبئة الشبابية لتأمين قاعدة انتخابية كبيرة، ما ساعدها في الحفاظ على الصدارة في المشهد البرلماني لسنوات بعد الثورة.

"بدأت الأصوات الشبابية المنتقدة تظهر تدريجيًا، رافضة استغلال الدين والعاطفة لتبرير مشاريع سياسية فاشلة أو مرتهنة بالخارج."

 

إلى ذلك، يظهر تحقيق صحيفة "الغارديان" البريطانية عام 2016 دور الدعم التركي والقطري في تقوية الفصائل الليبية المرتبطة بالإخوان، والتي استخدمت التعبئة الشبابية لبناء قوة ميدانية. كذلك، وثق تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة بشأن ليبيا لعام 2019 تمويل ودعم كتائب مسلحة تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي، مما ساهم في إطالة أمد الصراع المسلح في البلاد.

"بعد ثورات 2011، استغلت جماعة الإخوان الفراغ المؤسسي والفوضى السياسية في تونس وليبيا لتوسيع نفوذها وبناء قواعد ولاء جديدة."

 

ورافق هذا التمدد في تونس تنظيم حملات إعلامية وحركات ميدانية مثل "رابطة حماية الثورة"، التي اتُهمت بممارسة الترهيب السياسي والضغط على الخصوم. أما في ليبيا، فكان التجنيد السياسي مرتبطًا بشكل وثيق بالعمل العسكري، حيث شارك شباب إخوانيون في تشكيل كتائب مسلحة تستند إلى الشرعية الثورية.

هذه العلاقة المعقدة بين السياسة والدين والعسكرة عززت نفوذ الإخوان، لكنها عزّزت أيضًا الانقسامات الاجتماعية وأدت إلى عزل الحركة عن قطاعات متزايدة من المجتمع.

تراجع المشروع الإخواني وفقدان الجاذبية لدى الشباب

ومع تعاقب الأزمات، بدأت الفئات الشابة التي جرى استقطابها تدرك التناقض بين شعارات الإخوان والواقع الفعلي، وأظهرت نتائج الانتخابات التشريعية التونسية لعام 2019 تراجعًا كبيرًا في شعبية حركة النهضة مقارنة بنتائج 2011 و2014، مما يعكس فقدان ثقة شريحة واسعة من الناخبين.

"استثمرت النهضة في تونس حشود الشباب لتأمين قاعدة انتخابية، بينما عزز الإخوان في ليبيا قوتهم عبر دعم مسلح من قوى إقليمية."

 

في ليبيا، كشف تقرير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف لعام 2021 عن عزوف متزايد من الشباب عن التنظيمات ذات الصبغة الإخوانية بسبب ارتباطها بالصراع الداخلي وارتباطها بأجندات خارجية. كذلك، شهدت ليبيا تآكلًا في القواعد الشبابية التي كانت تدعم فصائل الإسلام السياسي، مع تصاعد مطالب لحلول وطنية مستقلة عن المحاور الإقليمية.

هذا الرفض الشعبي المتزايد ساهم في تقلص نفوذ الإخوان على المستويين السياسي والاجتماعي في البلدين، وبات من الواضح أن قدرة المشروع الإخواني على تجنيد الأجيال الجديدة تراجعت بشكل ملموس، مع صعود وعي سياسي ناقد يرفض الاستغلال الأيديولوجي ويدعو إلى بناء دولة مدنية تستند إلى المصالح الوطنية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية