
حذرت أجهزة استخبارات غربية من تصاعد التهديد الجهادي في مثلث دول الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، كاشفة عن أنّ (10) من أبرز قادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في غرب أفريقيا، الذي ينشط في المنطقة، متحدرون من مخيمات تندوف التي تسيطر عليها البوليساريو برعاية من الجزائر.
وكشفت أجهزة الاستخبارات الإسبانية، بالتعاون مع نظيراتها الغربية، عن ارتباطات خطيرة بين عناصر من جبهة البوليساريو وتنظيمات إرهابية نشطة في منطقة الساحل الأفريقي، محذرة من المخاطر الأمنية المتزايدة التي تشكلها الجبهة الانفصالية على استقرار المنطقة ومصالح الغرب. وتأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد المطالب بتصنيف البوليساريو تنظيمًا إرهابيًا.
وأفادت صحيفة (لافانغورديا) الإسبانية في تقرير لها أنّ نحو (10) عناصر متشددة من البوليساريو وصلوا إلى مراكز قيادية في "داعش" و"القاعدة"، مُنبهة إلى قدرتهم على شن هجمات إرهابية تستهدف عددًا من البلدان الأوروبية.
وتُشير التقارير إلى أنّ هؤلاء المتطرفين وُلدوا في مخيمات تندوف، التي تديرها الجبهة الانفصالية في الغرب الجزائري، وشاركوا خلال طفولتهم في برنامج "عطلة في سلام" لدى عائلات إسبانية، ممّا يفسر "إتقانهم للغة الإسبانية ومعرفتهم بالمجتمع وثقافته".
وتُحذّر الأجهزة الأمنية الغربية من خطورة استخدام هؤلاء العناصر لتنفيذ عمليات على الأراضي الأوروبية، ولا تستبعد "لافانغوارديا" أن يلجأ هؤلاء القادة المتطرفون إلى "تحفيز 'الذئاب المنفردة' لشن هجمات إرهابية"، خاصة إذا قررت الدول الأوروبية التدخل في منطقة الساحل الأفريقي لمكافحة التنظيمات المتطرفة.
وتعزز هذه المعلومات صحة تقارير دولية سابقة حذّرت من تحول مخيمات تندوف إلى "بؤرة للتطرف". فالمخيمات، التي يعيش سكانها أوضاعًا معيشية صعبة، باتت "خزانًا للتجنيد" تستغله التنظيمات المتشددة لتغذية صفوفها بعناصر من الشباب التائهين والناقمين والمحرومين من التعليم"، وهذا الوضع يحوّل هذه المخيمات إلى خطر على السكان، وعلى الجزائر نفسها، وعلى المحيط الإقليمي في شمال ووسط أفريقيا، ممّا يستدعي تحركًا جادًا من دوائر مكافحة الإرهاب لتطويقه.
وكشفت تقارير استخباراتية عن وجود "تعاون بين البوليساريو ومنظمات إرهابية"، فيما تواجه الجبهة الانفصالية اتهامات بتلقي "طائرات مسيّرة من الحرس الثوري الإيراني"، و"تهريب الأسلحة إلى الجماعات المتطرفة التي تهدد الأمن في منطقة الساحل والصحراء".
كما اتهمت منظمات حقوقية البوليساريو بـ "تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف"، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، داعية إلى محاسبة قيادات الجبهة الانفصالية أمام العدالة الدولية، وفق موقع (ميديل إيست أون لاين).
الجزائر تقدم دعمًا لوجستيًا وماديًا للبوليساريو منذ 1975، وسط اتهامات بتهريب أسلحة وطائرات مسيّرة إلى جماعات متطرفة في الساحل.
وتتزايد الدعوات لتصنيف الجبهة، التي يُنظر إليها على نطاق عالمي على أنّها كيان غير شرعي، "تنظيمًا إرهابيًا". ومن بين هذه الدعوات ما صدر عن مركز (هدسون) للأبحاث الأمريكي، الذي كشف مؤخرًا عمّا وصفها بأنّها "أدلة حاسمة على تحول البوليساريو إلى طرف فاعل يتقاطع مع أجندات قوى إقليمية ودولية معادية للاستقرار".
وقد حذّر المغرب مرارًا من الوضع غير الآمن داخل مخيمات تندوف وتغلغل الإرهاب فيها، ودعا الدول الغربية إلى الاهتمام بهذه النقطة لتطويق الظاهرة الإرهابية. ويستند المغرب في تحذيراته إلى "دوره الحيوي في حماية الجناح الجنوبي للحلف الأطلسي وإدارة تدفقات الهجرة الاستراتيجية نحو أوروبا"، مؤكدًا أنّ قدراته الاستخباراتية تستند إلى بنية تحتية أمنية متطورة وتنسيق سلس بين أجهزة الأمن.
ويرى مراقبون أنّ على أوروبا أن تخرج من الحياد السلبي والتعامل مع ما يجري في تندوف على أنّه شأن لا يعنيها، والحل يكمن في الضغط السياسي والأمني لتفكيك هذه المخيمات ومنع تحولها إلى بؤرة للاستقطاب والتدريب من جانب المتشددين في المنطقة، محذرين من أنّ انفجار الوضع في منطقة الساحل يعني أنّ تأثيراته ستصل إلى أوروبا، إمّا في شكل تسلل إرهابيين، وهو ما تستبعده التقارير في الوقت الحالي، وإمّا موجات إضافية من المهاجرين غير النظاميين.
وفي السياق قال رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية محمد الطيار: إنّ مخيمات تندوف تشهد استفحال ظاهرة الأسر التي تركها الأب دون معيل، فضلًا عن وجود عدد كبير من أرامل الملتحقين الذين قتلوا في صفوف تنظيم القاعدة أو داعش أو غيرهما من تنظيمات منطقة الساحل الجهادية.
وأشار الطيار في تصريح لـ (العرب) إلى بروز أتباع تنظيم داعش في المخيمات بشكل ملحوظ، خاصة بعد صعود نجم عدنان أبو الوليد الصحراوي مؤسس تنظيم "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" في سماء الإرهاب، وهو أحد شباب مخيمات تندوف.
وتستضيف الجزائر مخيمات تندوف، وهي المكان الذي تقيم فيه قيادة البوليساريو ومعظم اللاجئين الصحراويين، وتوفر لهم الدعم اللوجستي والمادي.
هذا، وتتمتع الجزائر بعلاقة قوية ومستمرة مع جبهة البوليساريو، بدأت عام 1975 بتقديم دعم "غير مشروط" للجبهة، كما كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية المعلنة من طرف الجبهة في 27 شباط (فبراير) 1976.
وتدعم الجزائر البوليساريو في المحافل الدولية والأمم المتحدة، وتعارض أيّ حلول لا تتضمن تقرير المصير، مثل مقترح المغرب للحكم الذاتي، كما تقدّم للبوليساريو الأسلحة والتدريب والمساعدات المالية والغذاء دون انقطاع لأكثر من (20) عامًا.
أمّا عن علاقة البوليساريو بالإخوان المسلمين، فإنّه رغم عدم وجود علاقة مباشرة بين الطرفين، فقد تظهر بعض نقاط التماس أو مزاعم تربط بينهما في سياقات معينة، خاصة في ظل التحذيرات الأمنية الأخيرة التي تتناول تغلغل التنظيمات المتطرفة في مخيمات تندوف.
فبعض التقارير الاستخباراتية تشير إلى أنّ مخيمات تندوف، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة وغياب الرقابة الفعالة، قد أصبحت بيئة خصبة لتجنيد عناصر من قبل تنظيمات متطرفة مثل داعش والقاعدة. هذه التنظيمات تتبنّى فكرًا جهاديًا يُعتقد أنّه يتأثر ببعض الجوانب الشمولية في فكر الإسلام السياسي، وبالإخوان المسلمين.