الإخوان المسلمون في ألمانيا... تنظيم يتخفى خلف "الاندماج" ويهدد الأمن القومي

الإخوان المسلمون في ألمانيا... تنظيم يتخفى خلف "الاندماج" ويهدد الأمن القومي

الإخوان المسلمون في ألمانيا... تنظيم يتخفى خلف "الاندماج" ويهدد الأمن القومي


28/05/2025

رغم الإجراءات المتصاعدة التي اتخذتها ألمانيا منذ عام 2021 للحدّ من خطر جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنّ التنظيم ما يزال يُشكّل تهديدًا متناميًا للأمن القومي الألماني، مستغلًا غطاءات دينية وثقافية واجتماعية للتمدد داخل المجتمع، وتجنيد الجاليات المسلمة، معتمدًا على شبكة تمويل محلية وخارجية معقدة.

في ضوء ذلك تستعرض دراسة حديثة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات خريطة نفوذ جماعة الإخوان داخل المجتمعات الأوروبية، وتحديدًا في ألمانيا، وهيكلها ومصادر تمويلها، وآليات الحكومة لمواجهتها. 

شبكة نفوذ ممتدة خلف واجهات "العمل الخيري"

تؤكد تقارير استخباراتية ألمانية أنّ الجماعة نجحت في تكوين هياكل متشعبة تمتد من المساجد إلى المنظمات الاجتماعية ومراكز التعليم، ويبرز في هذا السياق مركز "دار السلام" في برلين، المرتبط بالإخوان، الذي تم الكشف عن تلقيه تمويلًا خارجيًا، ضمن سلسلة من المراكز التي تعمل كأذرع للجماعة، بحسب الدراسة.

وتُعدّ منظمة "Europe Trust" أبرز أدوات الإخوان في أوروبا، وتتخذ من العمل الخيري غطاءً لجمع الأموال، وتمتلك أصولًا عقارية تتجاوز قيمتها (8.5) مليون جنيه إسترليني، وتوجّه إيراداتها لدعم منظمات مرتبطة بالتنظيم في عدة دول أوروبية، على رأسها ألمانيا.

تُعدّ منظمة "Europe Trust" أبرز أدوات الإخوان في أوروبا

وقد تلقت منظمة "الإغاثة الإسلامية" ـ التي تربطها الحكومة الألمانية بصلات وثيقة بالإخوان ـ تمويلًا من الاتحاد الأوروبي تجاوز (500) ألف يورو عام 2019، إلى جانب ما حصلت عليه فروعها من دعم مباشر من المفوضية الأوروبية، رغم دعوات متعددة من نواب البرلمان الأوروبي لوقف هذا التمويل.

أبرز قيادات الإخوان في ألمانيا... وجوه متعددة تحت ستار الاندماج

تشير تقديرات استخبارات ولاية شمال الراين ـ أكبر ولايات ألمانيا ـ إلى وجود أكثر من (350) عنصرًا قياديًا للجماعة داخل البلاد حتى بداية عام 2022. ومن أبرز هذه الأسماء:

ـ إبراهيم الزيات: شخصية محورية في المؤسسات الإسلامية الأوروبية، يروّج لمفاهيم الهوية الإسلامية والتمويل الإسلامي، ويتمتع بنفوذ كبير داخل أوساط الجاليات.

ـ محمد طه صبري: إمام مسجد "السلام" في برلين، وقيادي في "المركز الثقافي للحوار"، ويُتهم باستخدام الخطاب الديني لتوسيع نفوذ الجماعة.

ـ خضر عبد المعطي: من أبرز عناصر الدعم الدولي للتنظيم، ويشغل منصب المنسق العام للمجلس الأوروبي للأئمة والوعاظ.

دراسة: تُعدّ منظمة "Europe Trust" أبرز أدوات الإخوان في أوروبا، وتتخذ من العمل الخيري غطاءً لجمع الأموال، وتمتلك أصولًا عقارية تتجاوز قيمتها (8.5) مليون جنيه إسترليني، وتوجّه إيراداتها لدعم منظمات مرتبطة بالتنظيم في عدة دول أوروبية، على رأسها ألمانيا.

أمّا على صعيد النساء، فتلعب شخصيات مثل رشيدة النقزي وليديا نوفل ونينا موهي أدوارًا نشطة في تغلغل الإخوان داخل المجتمع السياسي والمدني، إذ شاركت نوفل في تأسيس مجموعة عمل إسلامية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بينما تعمل موهي عبر منظمة "كليم" على الضغط ضد منتقدي التنظيم بزعم التمييز الديني.

منظمات ومراكز في خدمة أجندة الجماعة

من بين المنظمات المرتبطة بالجماعة أيضًا "جمعية إنسان"، التي طالبت أحزاب ألمانية بوقف تمويلها بعد حصولها على نحو (165) ألف يورو من حكومة برلين خلال عامين فقط، رغم خضوعها لمراقبة هيئة حماية الدستور.

ويرتبط العديد من أعضاء الجمعية بمراكز أخرى مثل مركز الثقافة والتعليم الإسلامي (IKEZ)، ومركز تدريب النساء المسلمات (BFmF)، وكلاهما يحظى بدعم سياسي ومالي واسع رغم تحذيرات الاستخبارات من علاقاتهما بحماس وبالإخوان المسلمين.

تغلغل هادئ عبر مؤسسات دينية ومدنية

نجحت جماعة الإخوان في بناء شبكة علاقات قوية مع مؤسسات مثل الاتحاد الإسلامي التركي والمجلس الأعلى للمسلمين والتجمع الإسلامي، ممّا مكّنها من التأثير في إدارة العديد من المساجد ونشاطات الجاليات، خاصة في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة.

وتسعى الجماعة إلى نشر خطابها بشكل تدريجي، مع تقديم صورة منضبطة تحترم القوانين، بينما تعمل في الخفاء على استقطاب الشباب والفئات الهشة، عبر استراتيجيات تستهدف من لا يندمجون بسهولة في المجتمع الألماني، مثل اللاجئين والأمّيين وضعاف التحصيل.

تسعى الجماعة إلى نشر خطابها بشكل تدريجي، مع تقديم صورة منضبطة تحترم القوانين

التهديد الأمني والإجراءات الألمانية لمواجهته

جاءت أحداث فيينا 2020 لتعيد تسليط الضوء على مخاطر الإسلام السياسي في أوروبا، بعد أن ثبت ارتباط منفذ الهجوم بعدة تنظيمات متطرفة بينها الإخوان. وردًّا على ذلك أقرت حكومات الاتحاد الأوروبي خطة لمكافحة التطرف، تضمنت مراقبة التمويل والأنشطة الرقمية والتشريعات الخاصة بالتنظيمات الدينية.

وفي ألمانيا بدأ البرلمان في مناقشة مشروعات قرارات أكثر صرامة، أبرزها ما قدّمه حزب "البديل من أجل ألمانيا" في آذار ( مارس) 2022، الذي طالب بحظر الجماعة وتجفيف منابع تمويلها.

ونشرت الحكومة وثائق كشفت عن تسلل بعض عناصر الإخوان إلى مؤسسات إعلامية وحزبية، بينها أحزاب اليسار والخضر، وهو ما أثار قلقًا واسعًا لدى دوائر الأمن الألمانية.

نجحت جماعة الإخوان في بناء شبكة علاقات قوية مع مؤسسات مثل الاتحاد الإسلامي التركي، والمجلس الأعلى للمسلمين، والتجمع الإسلامي، ممّا مكّنها من التأثير في إدارة العديد من المساجد ونشاطات الجاليات، خاصة في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة.

بين الرقابة والمواجهة القانونية

رغم هذه الإجراءات، ما تزال تحركات الجماعة قائمة، مستفيدة من النظام القانوني الألماني الذي يصعب عبره حظر الجماعات غير العنيفة بشكل مباشر. لذا تسعى السلطات إلى تعزيز الرقابة على المنظمات والمراكز التابعة للتنظيم، وفرض شروط صارمة على التمويل، خاصة ذلك الذي يأتي من الخارج أو من كيانات مشبوهة.

نحو استراتيجية أوروبية موحدة

يبقى التحدي الأكبر في كيفية التنسيق بين الأجهزة الأوروبية لمواجهة شبكة متشعبة مثل جماعة الإخوان، التي تتقن فنون التخفي والتمويه والاختراق المؤسساتي. فبينما تتخذ بعض الحكومات خطوات متقدمة، تظل الحاجة ماسة لاستراتيجية موحدة تضع التنظيمات الإسلاموية كافة تحت مجهر المساءلة والمحاسبة، بما يشمل حظر الواجهات الدعوية والخيرية، ومراقبة المحتوى الرقمي والتحركات السياسية والاجتماعية للجماعة.

خطر متجدد يستلزم يقظة مستمرة

وتخلص الدراسة إلى أنّ تغلغل جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا يمثل نموذجًا لما يمكن أن تصنعه الجماعة في المجتمعات الديمقراطية حينما تجد المساحات مفتوحة. فباسم الدفاع عن الأقليات، تمكّنت الجماعة من الوصول إلى مفاصل متعددة داخل المشهدين الديني والسياسي، لتغدو تهديدًا مستترًا يتطلب مقاربة شاملة: قانونية، واستخباراتية، ومجتمعية، حتى لا يتحول التسامح إلى ثغرة يتسلل منها التطرف تحت عباءة الاعتدال.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية