من الحاضنة الفكرية إلى الفعل المسلح: تفكيك العلاقة بين جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية

من الحاضنة الفكرية إلى الفعل المسلح: تفكيك العلاقة بين جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية

من الحاضنة الفكرية إلى الفعل المسلح: تفكيك العلاقة بين جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية


20/05/2025

رغم تقديم جماعة الإخوان المسلمين نفسها كحركة إصلاحية تسعى لاستعادة مكانة الإسلام في الحياة العامة، إلا أنّ مسيرتها منذ التأسيس عام 1928 تكشف عن تحولات جذرية جعلتها مصدراً خصباً للأفكار المتطرفة، فالعديد من التنظيمات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش اعتمدت بشكل كبير على المفاهيم التي بلورها مفكرون إخوان، وعلى رأسهم سيد قطب، في فهمهم لمفهوم الجهاد، والحاكمية، والمجتمع الجاهلي.

في الوقت نفسه، حافظت الجماعة على خطاب مزدوج يتراوح بين العلني المعتدل والسرّي المتطرف، وهو ما صعّب على الكثير من الباحثين وضعها ضمن خانة التنظيمات الإرهابية الصريحة، إلا أنّ الوقائع، والشهادات التاريخية، والانشقاقات الداخلية، تكشف أنّ العلاقة بين جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية لم تكن مجرد تلاقح فكري، بل امتدت إلى تنسيق تنظيمي في بعض المراحل، خاصة عقب ثورات الربيع العربي.

اليوم، ومع تصاعد التهديدات الأمنية في الشرق الأوسط وأوروبا، أصبحت الحاجة ملحة لفهم هذه العلاقة بشكل منهجي، لا لفهم طبيعة التهديد فقط، بل لوضع أطر فعالة في مواجهة جذور التطرف، وليس فقط تجلياته العنيفة.

الإخوان كمنبع للفكر الجهادي

أثّرت أدبيات جماعة الإخوان، وخاصة أفكار سيد قطب، بشكل مباشر على الجذور الفكرية للتنظيمات الجهادية، فقد أسس قطب، في كتابه الشهير "معالم في الطريق"، نظرية شاملة للقطيعة مع المجتمع القائم، واعتباره مجتمعاً "جاهلياً" ينبغي تغييره بالقوة.

رئيس قسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمون-آنذاك-: سيد قطب

وقد تحوّلت أفكاره لاحقاً إلى مصدر إلهام للعديد من منظّري الجهاد، مثل عبد الله عزام وأيمن الظواهري، إذ وجدوا فيها مبرراً دينياً لاستعمال العنف ضد الحكومات والمجتمعات التي لا تطبّق "الشريعة" وفق رؤيتهم.

وتشير دراسة صادرة عن (مركز تريندز للبحوث) إلى أنّ مُنظّري القاعدة وداعش لم يبتدعوا إيديولوجياتهم من العدم، بل قاموا بتطوير المفاهيم الإخوانية وتطبيقها بطريقة أكثر راديكالية. وتقول الدراسة إنّ الفكرة المحورية التي جمعتهم هي: "أنّ التغيير لا يمكن أن يتم إلا بالقوة، وأنّ الدولة الإسلامية لا تقوم عبر الديمقراطية، بل عبر الصراع المسلح."

من الدعوة إلى العنف: تحولات تنظيمية لا فكرية فقط

عبر تاريخها لم تكن جماعة الإخوان كياناً سلمياً كما تدّعي، فقد أنشأت في الأربعينيات جهازاً سرّياً مسلحاً نفذ عمليات اغتيال، أشهرها اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي، ومع أنّ الجماعة حاولت التبرؤ من هذا الجهاز لاحقاً، إلا أنّ الوثائق التي ظهرت لاحقاً تثبت العلاقة العضوية بين القيادة العلنية والتنظيم السرّي.

لعل أخطر ما يميز جماعة الإخوان هو قدرتها على استخدام خطاب مزدوج، حيث تدين الإرهاب في المحافل الدولية، لكنّها تبرره داخلياً أو تصمت عنه حين يخدم أهدافها، فعلى سبيل المثال رفضت الجماعة إدانات واضحة لهجمات إرهابية في مصر، بل أبدى بعض رموزها شماتة بعد اغتيال النائب العام هشام بركات عام 2015.

وفي العصر الحديث، وتحديداً بعد إزاحة حكم الإخوان في مصر عام 2013، ظهرت كيانات مسلحة مثل "حسم" و"لواء الثورة" تورطت في عمليات إرهابية ضد مؤسسات الدولة. وأثبتت تقارير أمنية أنّ بعض هذه المجموعات خرجت من رحم شباب الإخوان الساخطين، وبتوجيه غير مباشر من القيادات الهاربة في الخارج.

وهذا يُظهر أنّ العنف ليس خياراً ظرفياً للجماعة، بل هو جزء من بنيتها الداخلية، يُستخدم عندما تفشل الأدوات السياسية أو تنكشف الحسابات.

تشابهات تنظيمية مع القاعدة وداعش

بعيداً عن التشابه الفكري، هناك تقاطعات تنظيمية مهمة بين جماعة الإخوان وتنظيمي القاعدة وداعش، تبدأ من أسلوب القيادة المركزية والطاعة العمياء، ولا تنتهي عند آلية التجنيد واستخدام الدين كرافعة سياسية، وكلّ هذه التنظيمات تعتمد مبدأ "البيعة"، وتعتبر الخروج عن الجماعة خيانة كبرى، ممّا يعكس طبيعة شمولية تُغيب التفكير النقدي.

ومن حيث الخطاب تشترك هذه التنظيمات في الترويج لمظلومية المسلمين، واستدعاء التاريخ الإسلامي في سياقات معاصرة مشوهة لتبرير العنف، ورغم أنّ تنظيميّ داعش والقاعدة يتخذان شكلاً أكثر راديكالية، إلا أنّ البناء الإيديولوجي الأول لهذه الأفكار بُني في مطابخ جماعة الإخوان، سواء في مراحلهم الأولى أو عبر منظريهم في العصر الحديث.

من الإخوان إلى الإرهاب: سيرة رموز عابرة للتنظيمات

هناك شخصيات تحولت من رموز دعوية داخل الإخوان إلى قادة في تنظيمات إرهابية، فأيمن الظواهري، الذي أصبح زعيم القاعدة بعد أسامة بن لادن، بدأ حياته في جماعة الإخوان، وكان متأثراً بفكر سيد قطب. وكذلك عبد الله عزام، الذي أطلق شرارة الجهاد الأفغاني، خرج من رحم التنظيم نفسه.

رائد الجهاد الأفغاني: عبد الله عزام

هذه الأمثلة تكشف عن انتقال سهل و"طبيعي" من الإخوان إلى الحركات الأكثر عنفاً، ممّا يشير إلى أنّ الحاضنة الفكرية والتنظيمية للإخوان لم تكن يوماً بعيدة عن التطرف، بل هي نقطة انطلاقه في كثير من الحالات.

ازدواجية خطاب الإخوان تجاه الإرهاب

لعل أخطر ما يميز جماعة الإخوان هو قدرتها على استخدام خطاب مزدوج، حيث تدين الإرهاب في المحافل الدولية، لكنّها تبرره داخلياً أو تصمت عنه حين يخدم أهدافها، فعلى سبيل المثال رفضت الجماعة إدانات واضحة لهجمات إرهابية في مصر، بل أبدى بعض رموزها شماتة بعد اغتيال النائب العام هشام بركات عام 2015.

هذا الخطاب الازدواجي مكّنها من الاحتفاظ بصورة "معتدلة" أمام بعض الحكومات الغربية، في الوقت الذي كانت تدعم فيه أو تغذي تطرفاً صريحاً في دول أخرى، سواء بشكل مباشر أو عبر أدوات إعلامية ودعوية موالية.

ويُظهر مسار الإخوان أنّ الفكر المتطرف لا ينشأ فجأة، بل يُصنع في بيئات مغلقة تزعم الاعتدال وتمارس نقيضه، فمواجهة التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة لا تكتمل دون تفكيك الحاضنة الفكرية التي صنعتها، وهي جماعة الإخوان، وبالتالي، فإنّ تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي ليس قراراً سياسياً فقط، بل ضرورة أمنية وفكرية لكبح تمدد التطرف المستتر خلف خطاب دعوي براجماتي، وفي ظل عالم يعاني من تمدد الحركات المتطرفة، يبقى الحل الجذري هو تجفيف منابع الإيديولوجيا قبل ملاحقة آثارها المسلحة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية