
أحيت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى الجزائر، وبعدها تونس، فرضية دور جزائري في الملف الفلسطيني، من خلال طرحها ملاذا لقيادة حركة حماس، ولو كمخرج أولي، في إطار خطة مركبة تتمحور حول إنهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع، ومشروع إعادة الإعمار، مقابل تنحي الحركة عن إدارة القطاع وتوزيع قيادتها على عدد من الأقطار العربية.
ولم يكشف وزير الخارجية المصري عن فحوى الرسالة التي حملها من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، غير أن التصريح الذي أدلى به لوسائل الإعلام، عقب استقباله من الرئيس الجزائري، يلمح إلى أن القاهرة التي تتصدر الدور العربي في قضية قطاع غزة، تبحث عن دور جزائري في المخارج التي يجري التمهيد لها.
وتربط أوساط سياسية جزائرية زيارة عبدالعاطي بما سبق أن تم طرحه قبل فترة بشأن ترشيح الجزائر لاحتضان قادة حركة حماس الموجودين في غزة في حال تم التوصل إلى صيغة نهائية لوقف الحرب تقوم على إزاحة حماس من حكم القطاع وتوزيع قادتها البارزين سياسيا وعسكريا على دول منها الجزائر.
ولا تزعج هذه الخطوة المسؤولين الجزائريين لأنها تمكنهم من أن يظلوا على علاقة مباشرة بالملف الفلسطيني، وتتيح لهم الاستمرار في إظهار دعمهم للقضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه لن تسبب لهم مشاكل لأن ترحيل قادة حماس يتم ضمن ترتيبات واضحة يوافق عليها الأميركيون والإسرائيليون شبيهة بما جرى في بيروت عام 1982 بترحيل المئات من كوادر المنظمات الفلسطينية نحو تونس.
ومن شأن استضافة قادة حماس والمساعدة على إنجاح الحل في غزة دون أي دور للحركة في مرحلة ما بعد الحرب أن تساعدا الجزائر في سعيها للاقتراب من الولايات المتحدة وتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري معها.
لكن المشكلة لا تتوقف على الجزائر وحدها، فلا يُعرف إلى حد الآن مدى استعداد حماس للمضي في خيار يدفعها إلى التسليم بالأمر الواقع والقبول بتسوية تقود كوادرها إلى الخروج من غزة وتوزيعهم على أكثر من دولة، وما إذا كان هذا ممكنا، واقعيّا وسياسيا، خاصة أن إعادة سيناريو 1982 ستكون صعبة التحقّق، بوجود لاعبين كثيرين دخلوا على الخط وباتوا مؤثرين، من ذلك أن قطر وحدها تستطيع نسف أي ترتيب إذا لم يعجبها الوضع.
واعتبر القيادي بتيار الإصلاح في حركة فتح أيمن الرقب أنه “من الصعب المقارنة بين ما حدث لقيادات منظمة التحرير الفلسطينية عند خروجهم من لبنان إلى تونس، وبين ما يمكن أن يحدث الآن مع الجزائر أو غيرها من الدول حول استقبال قيادات حركة حماس.”
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن هناك متغيرات كبيرة حدثت تجعل المقارنة ضعيفة، فخروج قيادات المنظمة ومعهم الراحل ياسر عرفات كان خروجا لفلسطينيين من غير أرضهم، وبناء على طلب من اللبنانيين لمنع المزيد من عمليات التدمير الإسرائيلي في بلدهم، وتم بتوافقات إقليمية ودولية، بينما ما يتردد الآن هو حديث عن خروج لفلسطينيين من أرضهم.
وأضاف أن “اتجاه قيادات حماس إلى أي جهة عملية معقدة، وتدور حولها نقاشات عدة، ففكرة الخروج وإلى أي جهة لم تحسم أصلا، والحديث الجدي يدور حاليا حول استقبال عدد من الأسرى الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل من سجونها ووصلوا إلى مصر بعد صفقة تبادل الأسرى، ولا توجد رؤية واضحة عن مصير هؤلاء،” مؤكدا أن “من توجهوا إلى مصر عقب فترة الهدنة التي انهارت في مارس الماضي من سكان غزة هم من المرضى والجرحى ولا يوجد بينهم عنصر حمساوي.”
وقد يكون الهدف من زيارة وزير الخارجية المصري إلى الجزائر بحث هذه الخيارات وتنزيلها ضمن توفير ضمانات نجاح الخطة المصرية لإعادة الإعمار في غزة، وإن كانت القاهرة لم تعلن عن ذلك بشكل واضح وتركز موقفها على رفض فكرة التهجير.
لكن ذلك لا يمنع القاهرة من جس نبض الجزائريين إن كان لديهم استعداد للمشاركة في خيارات الخطة المصرية. وفي كل الحالات، فإن الأمر ما زال مبكرا على إعلان رغبة الجزائر في استقبال قادة من حماس مرحّلين تحت ضغوط من إسرائيل.
وشدد الرقب على أن “استقبال أي دولة لقيادات تنتمي إلى حركة حماس ملف معروض للنقاش فقط دون أن يحسم أمره، ولن يتم التطرق إليه قبل حل ملف نزع سلاح المقاومة الشائك، والذي دارت حوله تقديرات مختلفة أخيرا، وجميعها محل أخذ ورد، ومرهونة بما يمكن أن تسفر عنه نتائج الحرب على غزة، وموقف حماس من المقترح الإسرائيلي حيال نزع سلاحها كان محددا إزاء رفض القبول بهذا الخيار، ما يعني بالتبعية أن خروج قياداتها إلى أي جهة مرفوض، أو مجمد على أقصى تقدير”.
وتسعى مصر من خلال مقترح القمة العربية الطارئة التي احتضنتها مطلع شهر مارس الماضي، وتبنته القمة العربية، إلى إطلاق خطة لإعمار غزة بغلاف مالي يفوق الخمسين مليار دولار، وهي تعكف على إيجاد آليات دعم سياسي ودبلوماسي لهذه الخطة، فضلا عن الحصول على مصادر تمويل لها، ولذلك لا يُستبعد أن تكون الجزائر واحدة من العواصم المستهدفة للمساهمة في التمويل، إضافة إلى موضوع احتضانها قادة حماس.
وقال عبدالعاطي إنه تم خلال اللقاء مع الرئيس الجزائري “استعراض الخطة العربية – الإسلامية الخاصة بإعادة إعمار قطاع غزة وتحقيق التعافي المبكر فور التوصل إلى اتفاق لوقف العدوان، فضلا عن عزم مصر استضافة مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة الإعمار من أجل وضع الخطة حيز التنفيذ.” وأشار وزير الخارجية المصري إلى “توافق الرؤى بين الجزائر ومصر حول بذل المزيد من الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.”
ومن شأن زيارة عبدالعاطي أن تساهم في تبديد الفتور الذي خيم على العلاقات الجزائرية – المصرية، منذ القمة العربية الطارئة التي احتضنتها القاهرة مطلع شهر مارس الماضي، حين أعلن الرئيس تبون مقاطعتها، بسبب ما أسمته الوكالة الرسمية “امتعاض رئيس الجمهورية من تهميش بلاده في بلورة العمل العربي المشترك.”
العرب