الكتب وُجدت ليسرق محتواها!

الكتب وُجدت ليسرق محتواها!

الكتب وُجدت ليسرق محتواها!


12/04/2025

علي قاسم

إذا كانت "ميتا" سارقة كتب، فنحن جميعًا سُرّاق. المكتبات العامة والمدارس والجامعات والأفراد، جميعهم شركاء في السرقة.

ما الأفكار والآراء سوى عصارة كتب وآراء ومقالات نتبادلها بيننا، ونعيد إنتاجها، سواء كان ذلك شفاهيا أو كتابيًا.. هناك دائمًا جذوة توقدها.

منذ لحظة الولادة الأولى، نسمع أهازيج وأغاني وتعليمات وأوامر، كلها بيانات نعيد تصنيعها واستخدامها.

إذا كانت ميتا سارقة، فإن شكسبير وكارل ماركس وابن خلدون.. وأنت وأنا، سُرّاق أيضًا. المعرفة، بشرية كانت أم اصطناعية، لا تأتي من فراغ، بل من إعادة إنتاج المعارف التي هي في حقيقة الأمر شكل من أشكال البيانات.

هذه الحقيقة لم تمنع مئة مؤلف بريطاني من التجمهر خارج المقر الرئيسي لشركة ميتا في لندن، هاتفين "ميتا، ميتا، سارقة الكتب!" ورافعين لافتات تُندّد برئيس الشركة الأميركية مارك زوكربيرغ.

ويُبدي هؤلاء المؤلفون قلقًا خاصًا من استخدام ميتا - المفترض - للمكتبة الإلكترونية "ليب جن"، التي تُعزز الوصول المجاني والمفتوح إلى المعرفة الأكاديمية، وتحتوي على أكثر من 7.5 مليون كتاب ومقالة علمية.

على مدى مئات السنين، حفلت رفوف المكتبات العامة والمكتبات الجامعية بآلاف الكتب والوثائق دون أن تُثير هذا اللغط أو تُوجه إليها الاتهامات بسرقة الحقوق الفكرية. المكتبات تعمل وفق أطر قانونية واتفاقيات تتيح الاستفادة من هذه المعارف لأغراض البحث والتعليم والنقد والتحليل، دون أن تُعتبر مخالفة لحقوق الملكية الفكرية.

عندما نتحدث عن حقوق الملكية الفكرية، يجب أن نُميّز بين أمرين:

  1.  إعادة النشر والاستخدام، وهو حق محفوظ للكاتب والمؤلف والمبدع، ويبقى محفوظًا حتى بعد وفاته بسبعين عامًا.
  2.  حق التأثر والتعلم، وهو أمر لا يمكن حصره أو تقييده، إلا إذا وجدنا طريقة نحاسب بها الأمهات اللواتي يهزجن بأغان وأنغام لأطفالهن عندما يضعنهم في السرير.

إذا كان من حق المؤسسات التعليمية استخدام الكتب لتعليم الطلاب دون أن تُعتبر منتهكة لحقوق الملكية الفكرية، فلماذا يُعتبر تعليم الذكاء الاصطناعي انتهاكًا لهذه الحقوق؟

ما يُخيف المؤلفين هو كفاءة الذكاء الاصطناعي وسرعته في هضم المعلومات وإعادة إنتاجها واستخدامها.

قبل الرقمنة كانت عملية العثور على المعلومات في المكتبات العامة تعتمد على نظم ورقية منظمة، إضافة إلى دور فعّال لأمناء المكتبات في مساعدة المستخدمين على التنقل بين هذه النظم. كان ذلك يتطلب جهدًا ووقتًا طويلا، مقارنة بالأنظمة الرقمية الحالية، ويكاد يصبح هذا الجهد معدومًا مع الذكاء الاصطناعي.

المهام البحثية التي كانت في الماضي تتطلب عشرات الساعات أصبح بالإمكان إنجازها بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي خلال ثوانٍ.

السرعة ليست الميزة الوحيدة التي يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على البشر؛ فإلى جانب السرعة، الذكاء الاصطناعي لا ينسى المعلومات التي يتم تلقينه إياها.

هناك شكوك، شبه مؤكدة، بأن يربح المؤلفون المعركة القانونية. ولكن ماذا لو أعلنوا الإضراب وتوقفوا عن الكتابة؟

عندها سيحل الذكاء الاصطناعي مكانهم؛ فلديه من المعلومات والبيانات ما يكفي لإجراء بحوث جديدة وكتابة مقالات وكتب. الدليل أن حجم ما تعلّمته روبوتات الدردشة خلال ثلاث سنوات من ولادتها (يتعلم خلالها المولود الجديد ألف كلمة خلال المدّة نفسها) يكفي لإثارة رعب البشر.

الكتب وُجدت ليسرق محتواها؛ هكذا كانت في الماضي، وهكذا ستبقى!

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية