
أثارت عملية توقيف (6) أشخاص بتهمة الإرهاب في إسبانيا والمغرب جدلاً واسعاً حول دوافعهم وانضمامهم إلى النشاط الإرهابي، خصوصاً في ظل التهديد المتزايد لتنظيم داعش في منطقة الساحل. وكشفت التحقيقات الأولية أنّ المعتقلين كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية داخل الأراضي الإسبانية، وقد ضبطت بحوزتهم أسلحة ومواد دعائية مرتبطة بالتنظيم المتطرف، وتأتي هذه الاعتقالات ضمن عملية أمنية موسعة شاركت فيها أجهزة الأمن الإسبانية والمغربية، في إطار الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
إلى ذلك تتناول دراسة حديثة صادرة عن مرصد الأزهر تداعيات الحادث ومدى تأثيره على التنسيق بين المغرب وإسبانيا في مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف، كما تستعرض الدراسة أهمية التنسيق لمواجهة الإرهاب المتنامي بمنطقة الساحل الأفريقي، باعتباره بؤرة لنمو جماعات الإرهاب والتطرف.
تفاصيل العملية الأمنية
وفقاً لمصادر مطلعة، تم تنفيذ الاعتقالات يوم الجمعة 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 في (3) مناطق رئيسية داخل إسبانيا: سبتة، وإيبيزا، ومدريد. وأظهرت التحقيقات أنّ هؤلاء المعتقلين شكلوا خلية إرهابية على ارتباط بتنظيم داعش فرع الساحل، وكان لديهم تصميم واضح على تنفيذ عمليات إرهابية محتملة.
وعثرت السلطات بحوزتهم على أسلحة بيضاء وطلقات نارية، إلى جانب مواد دعائية لتنظيم داعش. وتم تمديد احتجازهم حتى يتمكن المحققون من فحص الأدلة التي تم العثور عليها. وبعد يومين من الاعتقال عُرض الموقوفون على النيابة العامة، وأمرت المحكمة المركزية رقم (1) بإيداعهم السجن الاحتياطي.
الاتهامات الموجهة للمعتقلين
أوضحت مصادر قضائية أنّ التهم الموجهة إلى المعتقلين تضمنت الانضمام إلى تنظيم إرهابي، ودعم الإرهاب، وتبنّي الفكر المتطرف. ووفقاً للتحقيقات كان بعض أفراد الخلية يعرفون بعضهم البعض شخصيّاً، بينما كانت الاتصالات بينهم تتم بشكل رئيسي عبر الإنترنت، وتبين أنّ مستوى تطرفهم تصاعد بمرور الوقت، وأبدى أحدهم تصميماً واضحاً على تنفيذ أعمال عنف، كما أنّه أحاط نفسه بعناصر تجعله يشعر بالانتماء إلى التنظيم الإرهابي.
علاقة الخلية بالساحل الأفريقي
أشارت المصادر إلى أنّ أحد المتهمين لديه أقارب سبق أن انضموا إلى مناطق الصراع في أفريقيا للقتال في صفوف داعش، وتلقى آخرون تدريبات عسكرية في منطقة الساحل. كما تبين أنّ اثنين من المعتقلين لهما سوابق جنائية تتعلق بالإرهاب، لكنّهما كانا قد حصلا على البراءة في قضايا سابقة.
ومن جانبها أكدت الشرطة الإسبانية أنّ هذه الخلية كانت "شديدة التطرف" ولديها "رغبة حقيقية" في تنفيذ هجمات إرهابية. وكانت تعمل على محور سبتة ـ كاستييخوس (الفنيدق)، حيث عقد أعضاؤها اجتماعات في سبتة وتطوان للتخطيط لعمليات إرهابية باسم تنظيم داعش.
يشدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة استمرار يقظة أجهزة الأمن والاستخبارات في جميع الدول، وتعزيز التعاون الدولي للقضاء على الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله. ويؤكد المرصد على أهمية معالجة الأسباب التي تدفع بعض الشباب إلى تبنّي الفكر المتطرف، وضرورة قيام المؤسسات التعليمية والإعلامية بدورها في التوعية المجتمعية.
وشكلت الاعتقالات جزءاً من عملية أمنية مشتركة بين الشرطة الوطنية الإسبانية والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) في المغرب، وتم القبض على (3) آخرين في مدينتي تطوان وكاستييخوس المغربية، الواقعة على بعد (7) كيلومترات من سبتة. وتركزت الاعتقالات داخل سبتة في أحياء برينسيبي ألفونسو وبيسيدو مارتين، حيث شهدت العملية اشتباكات بين الموقوفين وعناصر الأمن.
المراقبة والرصد الإلكتروني
أوضحت التحقيقات أنّ الوكالات الأمنية الإسبانية كانت تراقب هذه الخلية لمدة عام ونصف عام قبل تنفيذ الاعتقالات. وخلال هذه الفترة تبين أنّ المشتبه بهم كانوا يستخدمون الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر محتوى متطرف يحث على العنف ضد الغرب. وكشفت الشرطة أنّهم شاركوا في نشر مقاطع فيديو ومنشورات تحمل تهديدات صريحة، وتحرض على تنفيذ هجمات إرهابية.
ولعبت وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون (اليوروبول) دوراً في تنفيذ العملية، وقدمت دعماً فنياً ولوجستياً للأجهزة الأمنية الإسبانية والمغربية. كما تعاونت عدة وكالات استخبارات إقليمية، مثل وكالات الأمن في سبتة، وسيجوبيا، ومالقة، ومدريد، وإيبيزا، وألخِثيراس، لتعقب نشاط الخلية.
تصاعد التهديد الإرهابي في منطقة الساحل
يُعتبر الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي أحد أكبر التحديات الأمنية التي تواجه أوروبا. فهذه المنطقة، التي تشمل دولاً مثل مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، ونيجيريا، أصبحت مركزاً لنشاط الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة. وأسفر العنف المستمر في هذه المناطق عن آلاف القتلى، وتشريد مئات الآلاف، ممّا أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة.
ورغم تراجع نشاط الجماعات الإرهابية في الأشهر الأخيرة، فإنّ التهديد ما يزال قائماً. ففي أيلول (سبتمبر) 2024 وحده شهدت المنطقة (89) هجوماً إرهابياً، أسفرت عن مقتل (527) شخصاً، ممّا يعكس استمرار خطر التنظيمات المسلحة.
أهمية التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب
تشير هذه العملية الأمنية إلى أهمية التعاون بين الدول لمكافحة الإرهاب، فقد أكد المسؤولون الأمنيون في إسبانيا والمغرب أنّ تفكيك هذه الخلية جاء نتيجة تبادل المعلومات الاستخباراتية الفعّال بين الأجهزة المعنية.
وفي هذا السياق يشدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة استمرار يقظة أجهزة الأمن والاستخبارات في جميع الدول، وتعزيز التعاون الدولي للقضاء على الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله. كما يؤكد المرصد على أهمية معالجة الأسباب التي تدفع بعض الشباب إلى تبنّي الفكر المتطرف، وضرورة قيام المؤسسات التعليمية والإعلامية بدورها في التوعية المجتمعية.
وختاماً؛ يظلّ الإرهاب تهديداً عالمياً يتطلب مواجهة متعددة الأبعاد تشمل الجهود الأمنية والفكرية والاجتماعية، وتبرز العملية الأخيرة في إسبانيا والمغرب كنموذج لنجاح التعاون الدولي في مواجهة التنظيمات الإرهابية، إلا أنّ استمرار خطر التطرف يتطلب مزيداً من التنسيق والتخطيط الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب على جميع المستويات.