شبكة تنظيم القاعدة لن تندثر بسهولة والحرب ضدها سوف تكون طويلة

شبكة تنظيم القاعدة لن تندثر بسهولة والحرب ضدها سوف تكون طويلة

شبكة تنظيم القاعدة لن تندثر بسهولة والحرب ضدها سوف تكون طويلة


28/01/2025

محمد الحمامصي

 يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في الإمارات الدكتور حسنين توفيق إبراهيم في دراسته الصادرة عن دار العربي للنشر أن عملية الاستشراف المستقبلي تعد بطبيعتها صعبة ومعقدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بشبكة جهادية ممتدة من عينة “القاعدة”، حيث يتطلب ذلك الوقوف على الوضع الراهن لـ”تنظيم القاعدة الرئيسي” والفروع القاعدية، وتقييم حدود تأثير غياب أيمن الظواهري بهذا الخصوص. كما يتطلب دراسة الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في الدول والمناطق التي تنتشر فيها “شبكة القاعدة” مع تحليل وتقييم طبيعة وحدود تأثيراتها على مستقبلها.

ويُضاف إلى ذلك تقييم مدى فاعلية إستراتيجيات محاربة “شبكة القاعدة” سواء على الصعد الوطنية أو الإقليمية أو على الصعيد الدولي. وبعد ذلك تأتي عملية بلورة السيناريوهات المحتملة لمستقبل هذه الشبكة مع تحديد السيناريو الأكثر ترجيحا. وكل ذلك سوف يتم حسب أحدث معلومات متاحة حتى مايو 2024.

ويؤكد أن “شبكة القاعدة” لن تندثر بسهولة والحرب ضدها سوف تكون طويلة، ويقول “لم تنقطع ظاهرة التنظيمات الجهادية الإرهابية عن العالم العربي والإسلامي منذ ستينات القرن العشرين. وإذا كانت هناك تنظيمات جهادية قد اندثرت بسبب الضربات الأمنية التي استهدفتها، أو نتيجة لقيامها بمراجعات فقهية وفكرية دفعتها إلى التخلي عن نهج التطرف والعنف والانخراط في العمل الدعوي والاجتماعي أو العمل السياسي من خلال القنوات الشرعية، إلا أن هناك تنظيمات جديدة ظلت تظهر، وهكذا. كما أن هناك تنظيمات حافظت على استمراريتها، في مقدمتها “تنظيم القاعدة”، الذي يعود تاريخ نشأته إلى أواخر ثمانينات القرن العشرين. وقد أسهم هذا التنظيم في عولمة الحركة الجهادية الإرهابية، حيث نفذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتحول إلى شبكة جهادية إرهابية منتشرة في عديد من الدول والمناطق، وبخاصة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.

ويضيف حسنين أن الجدل الأكاديمي والسياسي حول مستقبل “القاعدة” ظل يتجدد من فترة إلى أخرى، وبخاصة في أعقاب التطورات والأحداث الكبرى في مسيرته، وكان آخرها مقتل الظواهري في 31 يوليو 2022.

وتمثل هذه الدراسة مساهمة في النقاش بشأن مستقبل “شبكة القاعدة” خلال الأجلين القصير والمتوسط على الأقل. والنتيجة الرئيسية التي خلصت إليها هذه الدراسة مفادها أن “تنظيم القاعدة الرئيسي” أو “التنظيم – الأم” كما يسميه البعض سوف يستمر في حالة تراجع واضمحلال وربما يندثر، ولكن “شبكة القاعدة”، التي تضم إلى جانب “التنظيم الرئيسي” الفروع القاعدية التابعة له في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط سوف تحافظ على استمراريتها تحت راية “القاعدة” كاسم وعلامة بارزة في ساحة الجهادية العالمية الإرهابية. وهذا لا ينفي بالطبع أنه قد يضعف هذا الفرع أو ذاك من فروع “القاعدة” أو حتى يندثر، إلا أن ذلك لا يعني ضعف أو اندثار جميع الفروع.

ويلفت إلى أن عدم إعلان “تنظيم القاعدة الرئيسي” عن مقتل الظواهري، ومن ثم عدم الإعلان عن خليفة له حتى الآن (مايو 2024) إنما يكشف عن المأزق الكبير الذي يعانيه التنظيم، لاسيما وأن “حركة طالبان” أعلنت رسميا عدم علمها بوجوده على أراضي أفغانستان، وعدم عثورها على جثته في المنزل الذي تم استهدافه من جانب الولايات المتحدة في العاصمة كابول. وإذا صحت التقارير بشأن تولى سيف العدل قيادة التنظيم خلفا للظواهري، فإنه لن يتمكن من إحيائه مجددا، وذلك لأسباب عديدة في مقدمتها أن حكومة “طالبان” لن تسمح للتنظيم بالتمدد داخل أفغانستان مرة أخرى، لأنها دفعت ثمنا باهظا لذلك من قبل، حيث كلفها وجود أسامة بن لادن و”القاعدة” في أفغانستان الإطاحة بحكمها في عام 2001. وخاضت مواجهات مسلحة لنحو عشرين عاما حتى تستعيد الحكم مرة أخرى. كما أن إيران لن تمكن العدل، في حال صحة المعلومات بشأن إقامته على أراضيها، من ممارسة أيّ دور من داخلها لأن هذا من شأنه تأكيد الاتهامات الموجهة لها من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الدول بشأن دعم الإرهاب ورعايته. وهذه مسألة بالغة الحساسية، وبخاصة تعقيدات العلاقة بين إيران والولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية بشأن العديد من القضايا والملفات في مقدمتها الملف النووي الإيراني.

ويرى أنه نظرا إلى أن الظواهري كان يفتقر إلى كاريزما بن لادن ومهاراته القيادية والتنظيمية والخطابية، فقد ظل دوره رمزيا على مستوى قيادة “القاعدة”، حيث لم يكن يتدخل في إدارة شؤون الفروع القاعدية، واكتفي بإصدار بعض الخطب والتوجيهات العامة من فترة إلى أخرى.

ولذلك، فإن غيابه لن يؤثر على مستقبل “شبكة القاعدة”، حيث إن هناك محددات أخرى أكثر أهمية وتأثيرا بهذا الخصوص. ومن المرجح أن التحولات التي طرأت على “شبكة القاعدة” في ظل قيادة الظواهري سوف تترسخ بعد غيابه. ويتمثل أهمها، في: انتقال مركز ثقل “القاعدة” من جنوب آسيا إلى أفريقيا، حيث توجد فروع قوية للتنظيم مثل “حركة شباب المجاهدين” في الصومال، و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في منطقة الساحل الأفريقي، و”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. كما ستترسخ سمة اللامركزية على مستوى الفروع القاعدية، حيث تتمتع هذه الفروع بالاستقلالية من حيث مصادر التمويل، وعملية التجنيد، ومصادر التسليح، والخطط والإستراتيجيات الحركية، ومعالجة مسألة الخلافة في حالة شغور منصب قائد التنظيم لسبب أو لآخر.

ويُضاف إلى ذلك أن الأولوية بالنسبة إلى الفروع باتت تتمثل حاليا وخلال المستقبل المنظور على الأقل في التركيز على ما يُسمّى في أدبيات التنظيمات الجهادية بـ”الجهاد المحلي” وليس “الجهاد العالمي”، بمعنى استهداف “العدو القريب”، أي النظم الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، وليس “العدو البعيد” متمثلا في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية. وعلى الأرجح، سوف تظل معظم الفروع القاعدية تجمع في إستراتيجيتها الحركية بين تكتيكات العنف والإرهاب من ناحية، وسياسات ناعمة بهدف خلق حواضن اجتماعية لها في الدول والمناطق التي تنشط فيها من ناحية أخرى.

ويشير حسنين إلى أن أهم العوامل التي تساعد على استمرارية “شبكة القاعدة” هو استمرار الأزمات البنيوية، الحادة والمتزامنة، التي تعاني منها الدول التي تنشط فيها الفروع القاعدية، والتي تمثل بيئة ملائمة بالنسبة إليها. فهي في معظمها دول تعاني – بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة – من الضعف والهشاشة والفشل.

ولا توجد مؤشرات ترجّح قدرة هذه الدول سواء أكانت في أفريقيا أو آسيا أو الشرق الأوسط على تجاوز أزماتها خلال الأجلين القصير والمتوسط، بل بالعكس فإن الأوضاع تزداد تدهورا في بعض هذه الدول، وبخاصة في ظل استمرار الصراعات المستعصية والحروب الأهلية والانقسامات السياسية والعرقية والطائفية.

ويُضاف إلى ذلك تراجع الدعم الدولي لجهود مكافحة الإرهاب في العديد من الدول التي تنتشر فيها “شبكة القاعدة”، وبخاصة في ظل ظهور قضايا أخرى باتت تحتل الأولوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية الأخرى.

ومن أبرز هذه القضايا الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها، والتي باتت تمثل تحديا للدول الغربية، وعبئا على ميزانياتها، وحالة التصعيد في العلاقات الأميركية – الصينية، وحرب غزة، وتداعيات التغير المناخي وغيرها. ويتزامن كل ذلك مع تراجع التهديد الذي تمثله “شبكة القاعدة” للولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، حيث لم يعد استهداف “العدو البعيد” ضمن أولويات الفروع القاعدية على الأقل خلال المستقبل المنظور.

ويرجّح أن تظل الفروع القاعدية حريصة على الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة في تعزيز أنشطتها وممارستها الإرهابية. ومن ذلك على سبيل المثال: استخدام الإعلام الرقمي أو منصات التواصل الاجتماعي والميتافيرس في نشر أفكارها وأيديولوجياتها، وتجنيد واستقطاب عناصر جديدة في صفوفها، والتخطيط لعمليات إرهابية في العالم الافتراضي قبل تنفيذها في العالم الواقعي، وتأسيس معسكرات تدريب افتراضية، فضلا عن شن هجمات إرهابية افتراضية. كما تستطيع هذه الفروع الاستفادة من العملات المشفرة في توفير مصادر تمويل جديدة لأنشطتها وعملياتها. كما أنه من غير المستبعد أن تسعى بعض الفروع القاعدية للحصول على بعض الأسلحة المتطورة، وبخاصة الطائرات من دون طيار من أجل استخدامها في تنفيذ عملياتها، لاسيما وأن بعض أنواع هذه الطائرات رخيص من حيث الثمن، ومن السهل الحصول عليه.

ويؤكد حسنين أن الحرب ضد “شبكة القاعدة” سوف تكون ممتدة خلال الأجلين القصير والمتوسط على الأقل. وقد أثبتت الخبرة الطويلة في مكافحة الإرهاب أن الحلول الأمنية والعسكرية مهمة وضرورية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، إلا أنها لا تكفي لتجفيف منابع التطرف والإرهاب. ولذلك، فإن هناك حاجة إلى مقاربات أشمل تعالج المشكلات البنيوية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والإعلامية، التي تمثل بيئات ملائمة لظهور التنظيمات الجهادية الإرهابية وتمددها واستمراريتها.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة اتجهت منذ سنوات إلى التركيز على استخدام الطائرات دون طيار في استهداف قيادات ومقار التنظيمات الجهادية الإرهابية في العديد من الدول مثل باكستان وأفغانستان واليمن والصومال وسوريا والعراق وغيرها، وعلى الرغم من أنها قتلت العديد من قيادات هذه التنظيمات، إلا أن ذلك لم يضع نهاية للإرهاب، حيث لا تزال شبكتا “القاعدة” و”داعش” تشكلان مصدرا للخطر والتهديد في العديد من الدول والمناطق. ومن هنا، تأتي أهمية تحقيق التكامل بين المقاربات الأمنية وغير الأمنية في مكافحة التطرف والإرهاب من ناحية، وتحقيق التكامل والتنسيق بين الجهود الوطنية والإقليمية والدولية بهذا الخصوص من ناحية أخرى.

ويخلص حسنين إلى أنه طالما استمرت هناك دول تعاني من الضعف والهشاشة والفشل في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، فإن المخاطر والتهديدات الأمنية التي تمثلها “شبكة القاعدة” وغيرها من التنظيمات الجهادية الإرهابية، وبخاصة “شبكة داعش” سوف تظل قائمة. ومن هنا فإن تراجع دور “تنظيم القاعدة الرئيسي” أو حتى اندثاره لا يعني بحال من الأحوال ضعف أو اندثار الفروع القاعدية. لكن استمرارية “شبكة القاعدة” لا تعني بالضرورة قدرتها على النجاح في تحقيق أهدافها، وبخاصة في ما يتعلق بالإطاحة بنظم حاكمة قائمة، وإقامة نظم حكم إسلامية، حسب تصورات هذه التنظيمات لها، على أنقاضها.

ولذلك فالأرجح أن مستقبل “شبكة القاعدة” خلال الأجلين القصير والمتوسط سوف يظل أقرب ما يكون إلى ماضيها، بمعني أن تستمر كأحد المهددات والتحديات الأمنية في الدول والمناطق التي تنتشر فيها، وذلك في ظل حالة من الصعود والهبوط التي قد تشهدها بعض الفروع القاعدية، ولكن دون أن يصل الأمر إلى حد إحداث تغيير سياسي في هذه الدول استنادا إلى العمليات والأنشطة الإرهابية التي تمارسها هذه الفروع. كما أن الحرب ضد “شبكة القاعدة” سوف تتواصل، وذلك في ظل حالة من التراجع النسبي من جانب الولايات المتحدة في الانخراط في هذه الحرب، حيث لم تعد هذه الشبكة تمثل تهديدا جديا لمصالحها، حيث إن أولوياتها باتت محصورة بالأساس في محاربة “العدو القريب” وليس “العدو البعيد”.

ويضيف متسائلا: هل هناك من إرادة سياسية، وسبل ناجعة لتجاوز حالة الضعف والهشاشة والفشل التي تعاني منها الدول التي تنتشر فيها “شبكة القاعدة” في الوقت الراهن، والحيلولة دون أن تنزلق بلدان أخرى إلى نفس المصير، بحيث تصبح ملاذات جديدة لهذه الشبكة؟ هذا هو التحدي الحقيقي!

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية