
أجمع خبراء من الولايات المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا على أن الأحداث في سوريا ستؤدى إلى تغييرات جيوسياسية كبيرة وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، كما أكدوا أن جماعات الإسلام السياسي لا تزال تشكل تهديدًا كبيرًا لاستقرار الدول العربية، مع تصاعد القلق بشأن احتمال عودة تنظيم داعش.
فقد قالت آن سبيكهارد، الباحثة الأمريكية، مدير المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف، إن ما حدث مؤخرًا في سوريا يمثل لحظة تاريخية تستحق الاحتفاء على مستوى العالم، حيث وصل الربيع العربي إلى ذروته في سوريا، مع خروج بشار الأسد من السلطة، وإطلاق سراح السجناء، وبدء الشعب في تحديد مسار مستقبله.
ورجحت لصحيفة "الدستور" المصرية، أن يكون للإسلام السياسي دور في السلطة الجديدة، إذ تتجه الحكومة المقبلة نحو تضمين عناصر من هذا التيار في الحكومة، رغم تعهد ممثلي الإسلام السياسي بحماية الأقليات وضمان حقوق الشعب، ما يفتح الباب أمام آمال بتحقيق توافق وطني يضع مصلحة الجميع في المقدمة.
ورأت أنه لن يُسمح لـتنظيم داعش بالعودة، حيث قصفت القوات الأمريكية بالفعل معاقله، كما تستمر قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأمريكية في مراقبته، قائلة: "قلة قليلة تدعم عودة داعش لأنه ادعى أنه يتبع الإسلام وينفذ الشريعة ويؤسس دولة إسلامية حقيقية، ولكن الذين عاشوا تحت حكمه والعديد من الذين قابلناهم والذين خدموه يقولون إنهم ليسوا إسلاميين، بل هم وحشيون للغاية وفاسدون".
واعتبرت أن ما حدث في سوريا مؤخرًا يظهر قوة الشعوب، التي تنتظر وتتحرك أخيرًا ضد الديكتاتوريين الوحشيين الذين ليس لهم الحق في الحكم، قائلة: "هذا لا ينبئ بعودة الإسلام السياسي بقدر ما ينبئ بأمل في استعادة العدالة ومحاربة الوحشية والفساد في الحكم في مختلف أنحاء المنطقة".
جماعة الإخوان كانت موجودة دائمًا لكنها كامنة فقط وهذه هي المشكلة الكبرى مع الإسلام السياسي إنهم يتكيفون ويتسللون وينتظرون
وذكرت أن الجماعات التي تغلبت على الأسد تؤمن بالتأكيد بالإسلام السياسي، ولكن يبدو أن القيادة الحالية تتطلع إلى القوى السياسية المهمة في المنطقة، التي من الممكن أن تحصل على الدعم منها، ما يشير إلى أنها ستعدل حكمها ليكون ديمقراطيًا ويحمى الأقليات وحقوق المرأة مع مراعاة رغبات أغلبية السكان المسلمين.
من جانبه، أكد أدريان كالاميل، الباحث الأمريكي المتخصص في قضايا الإرهاب، لـ"الدستور"، أن مصر تلعب دورًا حاسمًا في التصدي لتنظيمات الإسلام السياسي، خاصة أنها الدولة الوحيدة التي نجت من استيلاء جماعة الإخوان عليها، بعدما أدرك المصريون أن رئيسها محمد مرسى كان يحاول اختطاف الثورة، فقاموا بخلعه قبل أن يتمكن الإخوان من إحكام قبضتهم على مصر.
وقال: "خلال عملية انتقالية طويلة، رأى المصريون الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان، والآن تحاول (هيئة تحرير الشام)، بقيادة أحمد الشرع، ترسيخ سلطتها في سوريا، وهو أمر قد يحدث في غضون أسابيع أو حتى أشهر، ويمكن لمصر أن تعمل كقوة موازنة ضدها، وضد التنظيم الخُميني أيضًا، لذا فالولايات المتحدة بحاجة إلى دعم هذه الجهود المصرية، لإيقاف ميل المنطقة لصالح هذه التنظيمات".
وعن أسباب عودة جماعات الإسلام السياسى إلى الساحة مرة أخرى، قال الباحث الأمريكي "الإسلام السياسي لم يغادر المنطقة أبدًا، ومن المهم أن ندرك طبيعة الشكلين المتطرفين المهيمنين عليه في هذا العصر المتطرف، وهما القطبية والخُمينية".
وأوضح أن "الخُمينية" تم تصديرها من إيران إلى دول مثل لبنان والعراق واليمن، لتعمل كركيزة دينية، تدفع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلالها مسيرتها نحو الهيمنة الإقليمية، وهو أمر كان النظام الإيراني يعمل عليه بنشاط لـ"تصدير الثورة" منذ عام 1979.
كذلك، اعتبر كبير المحللين في الفريق الإيطالي للأمن والقضايا الإرهابية وإدارة الطوارئ فى الجامعة الكاثوليكية بميلانو، جيوفانى جياكالونى، أن خطر تنظيم داعش الإرهابى لا يزال قائمًا، إذ قصفت الولايات المتحدة بالفعل العديد من مواقع داعش فى سوريا لمنع الجهاديين من الاستفادة من الوضع الفوضوى لشن هجمات، وقال: "لكننى أخشى أيضًا (القاعدة)، ولا أريد أن يخطئ الناس فى الاعتقاد بأنه اختفى أو أصبح معتدلًا، لأن هذا ليس صحيحًا".
وذكر أن "جماعة الإخوان كانت موجودة دائمًا، لكنها كامنة فقط، وهذه هي المشكلة الكبرى مع الإسلام السياسي. إنهم يتكيفون ويتسللون وينتظرون، وفى اللحظة الأكثر ملاءمة لهم يعودون إلى العمل". وتابع: "فى الأردن، على سبيل المثال، يتحركون كثيرًا، والآن هناك مخاوف بشأن ذلك البلد أيضًا.. ما إن يجد الإسلاميون فراغًا في السلطة يحاولون الاستفادة منه لإدخال أنفسهم والسيطرة على السلطة. لقد فعلوا هذا دائمًا، وهذا ما يحدث بالضبط في سوريا".