
مجدداً عاد التيار الثالث داخل جماعة الإخوان "تيار التغيير"، أو من يطلقون على أنفسهم (الكماليين)، للتحريض على العمل المسلح في مصر، مطالبين شباب الجماعة بالداخل بالعودة إلى الحراك المسلح من أجل إعادة الجماعة إلى المشهد السياسي، محاولين توظيف المشهد السوري لخلق حالة مشابهة من الفوضى وضرب الاستقرار في الداخل المصري.
وفي بيان مثير للجدل صدر مساء الجمعة دعا التيار داخل الجماعة إلى تفعيل العمل المسلح كوسيلة لإسقاط النظام المصري الحالي، ورغم استخدام تعبيرات مثل "الثورة" و"الإرادة الشعبية"، فإنّ التلميحات المتكررة إلى "كسر القيود" و"خلع شجرة الاستبداد" يمكن تفسيرها كدعوة ضمنية لاعتماد وسائل عنيفة لتحقيق هذا الهدف، ويتسق هذا مع الخطاب الكمالي الذي يعتبر العمل المسلح ردّ فعل مشروع على سقوط التنظيم.
ماذا جاء في البيان؟
شدد البيان على ضرورة توحيد الصفوف ضمن "رؤية ثورية استراتيجية"، مع تركيز خاص على انفتاح ما يُسمّى (المكتب العام) لاستيعاب كل من يرغب في المشاركة ضمن "خطط العمل"، وهو ما يُفسّر على أنّه دعوة لاستقطاب الكوادر الشابة التي تميل إلى "الحسم الميداني"، والتي ربما وجدت في خيارات الكماليين مساحة للتعبير عن إحباطها من فشل الجماعة المتكرر في العودة إلى المشهد داخل مصر.
أحد المحاور الرئيسية في البيان هو الرفض القاطع لأيّ "تفاوض" مع الدولة المصرية، وهو ما يتنافى مع الدعوات السابقة الصادرة عن جبهة لندن، وبدلاً من ذلك يقدم البيان الثورة أو الحراك المسلح، بوصفها الخيار الوحيد، ممّا يعزز احتمالية فهمه كدعوة مباشرة لاعتماد العنف كجزء من أدوات هذه الثورة، كذلك ركز البيان على أنّ "إسقاط النظام المصري "واجب لا يحتمل التأخير"، على حدّ وصفه، مع تقديم ذلك كخيار مصيري لا بديل عنه، ويُعدّ هذا التحريض بمثابة تأكيد على أولوية الصدام المباشر مع الدولة، وهو ما يشكل دعماً غير مباشر لتوجهات الكماليين، الذين يرون أنّ العمل المسلح ضرورة لتحقيق هذا الهدف.
من هم الكماليون؟
منذ سقوط حكم جماعة الإخوان الإرهابية في مصر عقب ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 برزت انقسامات عميقة داخل التنظيم، كان أبرزها ظهور ما يُعرف بتيار "الكماليين" الذي تبنّى نهجاً راديكالياً يرتكز على العنف والعمل المسلح كوسيلة أساسية لتحقيق أهدافه السياسية في مواجهة الدولة المصرية، قاد هذا التيار محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد السابق، الذي كان العقل المدبر للتنظيمات المسلحة التي انبثقت من الجماعة، وظل التيار يحمل إرثه بعد مقتله في عملية أمنية عام 2016، ليصبح رمزاً للعمل المسلح داخل الجماعة.
لم تقتصر أنشطة الكماليين على الداخل المصري فقط، بل اتسمت بتحركات خارجية تنسيقاً مع قوى إقليمية ودولية. وتُتهم الجماعة، وخاصة تيار الكماليين، بتلقي دعم مباشر من دول داعمة، وقد استغل التيار منصات إعلامية مدعومة من هذه الدول لترويج رسائل تحريضية.
يمثل العمل المسلح جوهر استراتيجية هذا التيار، وهو يؤمن بأنّ مواجهة النظام المصري لن تتحقق إلا من خلال القوة المنظمة والمواجهة المباشرة، وبرروا هذا التوجه بحالة اليأس والإحباط التي سادت صفوف الجماعة بعد 2013، خاصة بين الكوادر الشبابية التي شعرت بالخيانة من القيادات التقليدية بسبب تمسكها بنهج المصالحة والتفاوض.
ويعتمد هذا التيار على عدة أساليب في تنفيذ استراتيجيته؛ أبرزها استهداف رموز الدولة من قضاة وضباط شرطة وعسكريين، إلى جانب تفجير المنشآت الحكومية والمرافق الحيوية لإضعاف الدولة، كما تبنّوا فكرة تأسيس خلايا مسلحة تتولى تنفيذ هذه العمليات، مع التركيز على جذب العناصر الشبابية من داخل الجماعة وخارجها، وإقناعهم بأنّ العمل المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق أهداف التنظيم.
تاريخ دموي
منذ نشأته، ارتبط تيار "الكماليين" بسلسلة من العمليات الإرهابية التي استهدفت الداخل المصري، وكان من أبرز تحركاته تأسيس تنظيمات مسلحة كحركة حسم ولواء الثورة، وقد شكلت هذه التنظيمات الأداة التنفيذية لأجندة الكماليين، وأعلنت مسؤوليتها عن العديد من العمليات التي استهدفت شخصيات أمنية وقضائية، بالإضافة إلى منشآت حيوية.
من بين أبرز عملياتهم اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد المستشار زكريا عبد العزيز في أيلول (سبتمبر) 2016 عبر تفجير سيارة مفخخة، واغتيال العميد عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة المدرعة في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، وقد تورطت هذه التنظيمات في استهداف دوريات أمنية ونقاط تفتيش، ممّا تسبب في استشهاد وإصابة العديد من رجال الشرطة والجيش.
إلى جانب ذلك، عمل التيار على تجنيد وتدريب الشباب على تنفيذ هذه العمليات، مستغلاً حالة الغضب التي سادت أوساط الشباب الإخواني بعد سقوط الجماعة، حيث نظم تدريبات في المناطق الحدودية والصحراوية، واستفاد من الدعم المادي واللوجستي الذي وفرته بعض القوى الإقليمية الداعمة للجماعة.
الانقسامات بين الإخوان
الخلاف بين الكماليين والجناح التقليدي لجماعة الإخوان أظهر الانقسام العميق داخل التنظيم، حيث اعتبر التيار الراديكالي أنّ القيادة التقليدية خذلت الجماعة وتخلت عن شبابها، في المقابل حاولت قيادة الجماعة التي تعمل من الخارج، وخاصة من لندن، تبنّي خطاب يدعو إلى العمل السياسي مع التبرؤ العلني من العمليات المسلحة.
لكنّ هذا الخطاب لم يكن كافياً لاحتواء الغضب داخل الصفوف الشبابية، بل أدى إلى مزيد من الانشقاقات والانقسامات، وكشفت بعض التقارير أنّ الجماعة حاولت في بعض الأحيان استغلال الكماليين كورقة ضغط، بينما في أحيان أخرى تبرأت من تحركاتهم خوفاً من تصنيفها كتنظيم إرهابي دولياً، وهو ما أضعف موقفها بشكل كبير على المستويين الداخلي والخارجي.
لم تقتصر أنشطة الكماليين على الداخل المصري فقط، بل اتسمت بتحركات خارجية تنسيقاً مع قوى إقليمية ودولية. وتُتهم الجماعة، وخاصة تيار الكماليين، بتلقي دعم مباشر من دول داعمة، وقد استغل التيار منصات إعلامية مدعومة من هذه الدول لترويج رسائل تحريضية، وخلق حالة من الفوضى داخل مصر، وهذا الدعم الخارجي لم يساعد التيار فقط في الحفاظ على وجوده، بل أتاح له أيضاً تطوير عملياته وتوسيع نطاقها.
ويرى مراقبون أنّ تيار الكماليين يعكس تحولاً خطيراً داخل جماعة الإخوان المسلمين نحو مزيد من التطرف والراديكالية، ورغم الضربات الأمنية التي تعرض لها هذا التيار، إلا أنّه يظل تهديداً قائماً، خاصة في ظل استمراره في استغلال الأوضاع الإقليمية والدعم الخارجي لإعادة بناء قدراته وتنفيذ أجندته. ويعكس هذا الواقع الحاجة إلى مواجهة شاملة تجمع بين الحسم الأمني والتعامل الفكري مع الأفكار المتطرفة التي يتبناها هذا التيار وأمثاله، وفق الخبراء.