هل يملك حزب الله خطة لإعادة تنظيم صفوفه؟ دراسة تجيب

هل يملك حزب الله خطة لإعادة تنظيم صفوفه؟ دراسة تجيب

هل يملك حزب الله خطة لإعادة تنظيم صفوفه؟ دراسة تجيب


19/11/2024

ما يزال حزب الله اللبناني يواجه تبعات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي نتيجة التطورات الأخيرة، وسط سلسلة من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت هيكله القيادي وبنيته القتالية، وهو ما يشكّل واحدة من أعنف مواجهاته مع إسرائيل حتى الآن، هذه التحديات تعكس تغيراً في طبيعة الصراع، حيث بات الحزب يخوض معركة مزدوجة للحفاظ على وجوده العسكري والتماسك الداخلي، وذلك بحسب دراسة حديثة صادرة عن (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات)، تناولت السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحزب في ضوء التوترات الراهنة. 

ضربات موجعة وخسائر قيادية

تشير الدراسة إلى أنّ اغتيال زعيم حزب الله (حسن نصر الله) في غارة إسرائيلية على بيروت في أيلول (سبتمبر) 2024 شكّل ضربة موجعة ليس فقط للحزب، بل أيضاً لمحور المقاومة المتحالف مع إيران، تلاه الإعلان عن مقتل خليفته المحتمل هاشم صفي الدين، ممّا زاد الضغط على البنية القيادية للحزب، وهذه الأحداث دفعت الجماعة إلى إعلان "مرحلة تصعيدية جديدة" في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، في محاولة لإعادة رسم قواعد الاشتباك مع إسرائيل.

زعيم حزب الله السابق: حسن نصر الله

ورغم هذه الخسائر، ما يزال حزب الله يبدي مقاومة قوية أمام العمليات البرية والجوية الإسرائيلية، ويؤكد مراقبون أنّ الحزب أثبت مرونة وقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، في حين يقول مسؤولون إسرائيليون إنّ الضربات الأخيرة قضت على 50% من ترسانة الحزب، لكن في المقابل، صرّح متحدث باسم الحزب أنّ لديهم "ما يكفي من المعدات والأعداد لصد العدوان" دون الحاجة إلى دعم إضافي من إيران.

استراتيجية "ما بعد نصر الله"

من وجهة نظر أمل سعد، المحاضرة في جامعة كارديف والمتخصصة في دراسة حزب الله، فإنّ اغتيال نصر الله كان متوقعاً من قبل الجماعة التي استعدت مسبقاً لهذا السيناريو عبر تحديث خططها الطارئة، وتضيف سعد أنّ الحزب قد يصبح "أقوى وأكثر خطورة" بعد نصر الله، مع احتمالية انتقال القيادة إلى عناصر أكثر تشدداً ومرونة في آنٍ واحد.

ويتزامن ذلك مع تحركات الحزب على الأرض، فقد أعلن نائب الأمين العام نعيم قاسم في 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2024 عن "معادلة جديدة" في الصراع، تتضمن استهداف المدن الإسرائيلية الكبرى مثل حيفا وتل أبيب، بالتوازي مع اشتباكات عنيفة مع الجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية. هذا النهج يعكس تحولاً استراتيجياً للحزب، حيث يتبنى "دفاعاً مرناً" بدلاً من الدفاع التقليدي، ممّا يزيد من تعقيد المشهد العسكري.

تحديات الجبهة الداخلية

إلى جانب الصراع العسكري مع إسرائيل، يواجه حزب الله تحديات داخلية قد تكون أخطر على المدى الطويل من المواجهة المسلحة، فقد أدى التصعيد الأخير إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في لبنان، حيث نزح أكثر من مليون شخص داخلياً هرباً من القصف المستمر على المناطق الحدودية، هذه الأزمة تضع ضغوطاً هائلة على الموارد المحدودة في لبنان، الذي يعاني بالفعل من انهيار اقتصادي حاد يُعدّ من بين الأسوأ عالمياً.

من جهة أخرى، فإنّ موقف الحزب داخلياً ليس موحداً بالكامل، وهو يعاني من تراجع الدعم في بعض المناطق اللبنانية التي تأثرت مباشرة بالحرب، وتعيش هذه المناطق في ظل ظروف اقتصادية متدهورة، مع نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، وهو ما يضعف قدرة الحزب على إقناع قواعده الشعبية بأنّ مقاومته لإسرائيل تستحق التضحيات المستمرة.

ورغم أنّ حزب الله يحاول الحفاظ على تأييد قاعدته التقليدية من خلال خطاب تعبوي، إلا أنّ أصواتاً متزايدة داخل لبنان، حتى من الشيعة غير الموالين للحزب، تطالب بإنهاء الحرب والتركيز على إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية المدمرة، إضافة إلى ذلك، يواجه الحزب انتقادات داخلية بسبب اعتماده المفرط على التمويل والدعم الإيراني، وهو ما يزيد من مخاوف البعض بشأن استغلال لبنان كساحة لتحقيق أجندات خارجية.

مع ذلك، فإنّ الحزب ما يزال يحظى بدعم بعض الشخصيات السياسية البارزة، مثل سعد الحريري ووليد جنبلاط، اللذين دعما موقفه المقاوم في وجه إسرائيل رغم اختلافهما التاريخي معه، هذا الدعم يُظهر تعقيد المشهد السياسي اللبناني، حيث تتداخل المصالح الوطنية مع التحالفات الإقليمية.

سياسي لبناني: وليد جنبلاط

على المدى الطويل، يتطلب نجاح حزب الله في الحفاظ على تماسكه الداخلي معالجة القضايا المعيشية الملحّة التي تؤثر بشكل مباشر على المواطنين اللبنانيين. وستظل قدرة الحزب على توفير الخدمات الأساسية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي عاملاً حاسماً في صموده أمام الضغوط المتزايدة.

التوازن العسكري والميداني

من الناحية العسكرية، تمكن حزب الله من توجيه ضربات موجعة لإسرائيل، بما في ذلك عملية الطائرات بدون طيار الأخيرة التي استهدفت قاعدة جنوب حيفا، هذه العمليات أظهرت قدرة الحزب على تنفيذ هجمات متقدمة رغم الضربات الإسرائيلية المستمرة، ويرى محللون أنّ حزب الله يتبنى استراتيجية جديدة تهدف إلى إثبات مرونته والحفاظ على دوره كلاعب رئيسي في الصراع الإقليمي.

في المقابل، تواصل إسرائيل ضرب أهداف الحزب بفعالية، مستفيدة من تقدمها في مجالات الاستخبارات والذكاء الاصطناعي. يقول تمير هايمان، رئيس مديرية الاستخبارات السابق في الجيش الإسرائيلي: إنّ إسرائيل تسعى لتقويض قدرات الحزب بشكل استراتيجي من خلال تدمير بنيته التحتية القيادية وترسانته الصاروخية.

التحديات المستقبلية

يشير ماثيو ليفيت، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أنّ حزب الله سيواجه تحديات جديدة على الساحة اللبنانية بعد انتهاء العمليات العسكرية. ويؤكد ليفيت أنّ الحزب سيظل قوة مؤثرة رغم الخسائر، لكنّه سيحتاج إلى إعادة ترتيب صفوفه داخلياً للحفاظ على مكانته وسط الأزمات المتفاقمة في لبنان.

من جانبه، يرى المحلل الدفاعي حمزة عطار أنّ الحزب أظهر قدرة غير متوقعة على الصمود والتعافي السريع، لكنّه يواجه مخاطر كبيرة إذا ما استمرت إسرائيل في الضغط عليه، خاصة مع تهديدها بتوسيع الصراع ليشمل إيران وحلفاء آخرين في محور المقاومة.

مع تصاعد حدة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، يبدو أنّ الصراع يتجه نحو مرحلة جديدة قد تمتد على المدى الطويل. ورغم محاولات الطرفين تحقيق نصر حاسم، ما تزال الموازين متقاربة، حيث يعتمد كل جانب على استراتيجيات مرنة للتكيف مع المتغيرات.

في ظل هذا المشهد المعقد يبقى مستقبل حزب الله مرتبطاً بقدرته على التكيف مع الضغوط العسكرية والسياسية داخلياً وخارجياً، مع احتمالات تصعيد أوسع يشمل أطرافاً إقليمية ودولية أخرى.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية