
منذ اندلاع الحرب في غزة في تشرين الأول )أكتوبر( الماضي، علا صوت تنظيم الإخوان المسلمين في العديد من الدول العربية في محاولة لاختراق المشهد السياسي مجدداً بعد السقوط المدوي عن الحكم والخروج من المشهد السياسي بشكل شبه كامل، مع استمرار حالة الغضب الشعبي ضدهم، وكان من بين تلك الدول سلطنة عُمان.
ورغم نجاح السلطنة بالقضاء على التنظيم وحظر أنشطته منذ عام 1994، إلا أنّ الشهور القليلة الماضية شهدت بعض التحركات غير المباشرة لجماعة الإخوان المسلمين، التي تسعى لاستغلال التوترات الإقليمية، وخاصة أحداث غزة، لمحاولة العودة إلى المشهد السياسي المحلي. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة قامت الجماعة بتكثيف جهودها الإعلامية والدعوية، مستغلة التعاطف الشعبي العُماني مع القضية الفلسطينية لتعزيز وجودها وتأثيرها.
واستخدمت الجماعة وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية لطرح رؤيتها تجاه الصراع، مركزة على ضرورة الوحدة الإسلامية والتصدي للعدوان على المسلمين، وحاولت تقديم نفسها كمدافع قوي عن القضية الفلسطينية، مع محاولة ربط ذلك بقدرتها على تقديم حلول سياسية واقتصادية للدول العربية، بما فيها سلطنة عُمان.
وبالرغم من أنّ النظام السياسي العُماني لا يسمح بوجود حركات سياسية دينية بشكل مباشر، إلا أنّ الجماعة تعمل من خلال منظمات وجمعيات خيرية ودينية تروج لأفكارها بشكل غير مباشر. وتسعى لاستغلال الأحداث الإقليمية كأداة لفتح قنوات اتصال جديدة مع التيارات الإسلامية والشبابية داخل السلطنة، مستغلة التعاطف الشعبي مع المقاومة الفلسطينية.
مع ذلك، يواجه الإخوان المسلمون تحديات كبيرة في سلطنة عُمان، لأنّ الحكومة تتبنّى سياسة استقرار سياسي واجتماعي صارمة، وتراقب عن كثب أيّ تحركات قد تؤدي إلى زعزعة النظام. بالإضافة إلى ذلك يواجه الخطاب الديني السياسي مقاومة شعبية من فئات ترى أنّ الاستقرار والأمان يتقدمان على التجاذبات السياسية.
الوضع الراهن للتنظيم
يتسم الوضع الراهن لجماعة الإخوان المسلمين في سلطنة عُمان بالضبابية والتحديات الكبيرة، وتُعرف السلطنة بتبنّيها سياسة الحياد وعدم السماح للأحزاب السياسية أو الحركات الدينية بالتأثير المباشر على الساحة السياسية، وبالرغم من أنّ جماعة الإخوان المسلمين لا تحظى بوجود علني أو رسمي في سلطنة عُمان، إلا أنّ أفكارها ونشاطاتها قد ظهرت على فترات من خلال العمل الدعوي والاجتماعي والخيري، خاصة عبر المنظمات غير الحكومية والجمعيات الدينية.
وتراقب الحكومة العُمانية عن كثب أيّ تحركات ذات طابع سياسي أو ديني قد تزعزع استقرار البلاد، وقد اتخذت عُمان في العقود الماضية إجراءات احترازية لضمان استقرار النظام، بما في ذلك الحد من تأثير الحركات الإسلامية السياسية، كالإخوان المسلمين، على الساحة المحلية.
ورغم أنّ جماعة الإخوان حاولت على مر الأعوام استغلال بعض الأحداث الإقليمية مثل الربيع العربي، إلا أنّ تأثيرها في سلطنة عُمان ظل محدوداً. وفي ظل أحداث غزة الأخيرة يمكن أن تكون هناك محاولات لاستغلال التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية، ولكن من غير المرجح أن تتمكن الجماعة من تحقيق تقدم كبير على المستوى السياسي الداخلي. فالنظام السياسي في سلطنة عُمان مستقر، ويمتاز بقيادة ذات نظرة استراتيجية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
ماذا حدث للتنظيم؟
اتسم تنظيم الإخوان المسلمين في سلطنة عُمان منذ نشأته عام 1945 بنشاطه السرّي بعيداً عن الأضواء، وقد اعتبر النظام الحاكم خصماً سياسياً له، ورفض التعاون مع مؤسسات الدولة أو العمل عبر الأطر الرسمية والمجتمع المدني، وبدلاً من ذلك فضل التنظيم عقد اجتماعات سرّية وتنظيم تجمعات غير معلنة.
ومع تزايد نفوذ التنظيم وارتفاع أعداد المنضمين إليه، أعلنت الدولة في أيار (مايو) 1994 عن تورط الجماعة في تشكيل تنظيم سرّي معادٍ للدولة، وكانت التهمة التي وُجهت إليهم "الانتماء إلى تنظيم دولي محظور ينشط في دول أخرى"، وهو ما أشار بوضوح إلى ارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين.
تبعت هذا الإعلان حملة اعتقالات شملت (126) شخصاً من أعضاء التنظيم، وأصدرت محكمة أمن الدولة أحكاماً قاسية تضمنت الإعدام لبعض العسكريين، والسجن المؤبد، وأحكاماً بالسجن تتراوح بين (3) أعوام و(20) عاماً، وكشفت المحاكمات عن مدى اختراق التنظيم لهياكل الدولة، فقد تمكن من ضم عدد من الشخصيات القيادية في القطاعين المدني والعسكري، من بينهم مسلم سالم قطن، وكيل وزارة الزراعة في ذلك الوقت، وخميس مبارك الكيومي، وكيل وزارة التجارة والصناعة آنذاك، إلى جانب سفير سابق لدى الولايات المتحدة، فضلاً عن اختراقه مناصب عسكرية حساسة.
في عام 1995، وبعد مرور عام على صدور الأحكام، أصدر السلطان قابوس بن سعيد عفواً عاماً عن جميع المدانين، مع شعور الدولة بأنّ التنظيم قد تفكك، وأنّه لم يعد يشكل تهديداً للاستقرار. وبعد هذا العفو، كان أمام الجماعة خياران: إمّا العودة إلى العمل السرّي الذي يحمل مخاطر كبيرة، وإمّا التحول إلى حركة فكرية علنية تعتمد على الروابط الاجتماعية، وهو ما اختارته الجماعة؛ ممّا أدى إلى تراجع نشاطها التنظيمي الرسمي منذ ذلك الحين.
وخلال الاحتجاجات التي شهدتها سلطنة عُمان في عام 2011، لم يظهر للإخوان المسلمين أيّ دور بارز أو منظم، وفي 20 آب (أغسطس) 2014، بالتزامن مع توجه بعض الدول العربية لحظر الجماعات الإسلامية، أصدرت عُمان قراراً رسمياً بإسقاط الجنسية عن أيّ فرد يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين، في تأكيد واضح لاستمرار موقف الدولة الرافض لأيّ نشاط تنظيمي إسلامي يُعتبر تهديداً للأمن والاستقرار.
أيّ مستقبل ينتظرها؟
بحسب الكاتبة العُمانية فاطمة بنت ناصر، في مقالها المنشور بموقع (مواطن) تحت عنوان: "الإخوان المسلمون في عُمان”... هل ما زال للجماعة وجود في السلطنة؟"، يعيش المجتمع العماني حالة من إنكار وجود الجماعة في عُمان، غير أنّ هذا الإنكار الشديد لا يستند على أدلة، فهو نابع من مقاومة داخلية ترى أنّ سلطنة عُمان بيئة الوسطية والانسجام؛ خاصة فيما يتعلق بالجانب الديني.
وتشير الكاتبة إلى أنّ هذا الإنكار يظهر بحدة حين أنكر قطاع من الشعب العُماني أنّ منفذي حادثة الوادي الكبير غير عمانيين، ليتضح لاحقاً أنّهم عمانيون مألوفون جداً، لا تبدو عليهم علامات التزمت، وهم أفراد لم يثيروا ريبة حتى لأقرب الناس منهم! وهذا هو الحال فيما يتعلق بجماعة الإخوان، التي بحسب الموسوعة التاريخية للإخوان تأسست في عُمان في نهاية السبعينيات، وفي التسعينيات تم القبض على خلية للجماعة في السلطنة، غير أنّها ـ كما يبدوـ لم تلفظ أنفاسها حتى اليوم. وعلى الرغم من وضوح المؤشرات لتواجدهم، لم يلتفت أحد إلى تتبع أماكن وجودهم، وكيف ينشرون أفكارهم بيننا؟
وتؤكد الكاتبة أنّ الإخوان لا دولة لهم، وكل البلاد لهم؛ فهم جماعة لا تتخذ من بلد معين موطناً لها، ولكنّها ترى أحقيتها في استيطان كل الدول العربية والإسلامية؛ بل حتى الأجنبية لنشر دعوتهم لكي يحققوا ما يصبون إليه، وهم لا يكتفون بتبنّي قضايا الدولة التي ينتمون إليها، بل يتبنّون الإصلاح على طريقتهم في كل البلدان المسلمة، وإن تعارض ذلك مع سياسة وطنهم الأم.
وقد عكست أحداث غزة، بحسب المقال، هذا الأمر؛ وعلا صوت الإخوان مرة أخرى ليهاجموا الدول العربية التي لا تتبنّى نهجهم تجاه القضية الفلسطينية، وهذا لم يكن ليحدث لو كانت حركة حماس في غزة تتبنّى الفكر اليساري على سبيل المثال! وها هي مواقع التواصل الاجتماعي تعج بتكفير وصهينة ولعن وسبّ كل من يخالف طريقتهم في التعامل مع أحداث غزة؛ فحتى مقاطعة المنتجات الأمريكية لم تعد وجهة نظر؛ بل أصبحت واجبة في نظرهم، رغم اختلاف العلماء من الدول العربية وليس في عُمان؛ فلم يتحدث أيّ رجل دين حول عدم جدوى المقاطعة الفعلي، وباتوا يشهّرون بغير المقاطعين ويتعدّون على حياتهم الشخصية، ويلعنونهم ويصهينونهم على العلن، دون النظر إلى أنّ عواقب هذا الأمر خطيرة، وأنّهم بذلك يقسمون الناس إلى أحزاب تحارب بعضها بعضاً.
اتهامات بالإرهاب
تشير الكاتبة أيضاً إلى الارتباط بين جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية في العالم، وتقول إنّه "ليس من سبيل المبالغة محاولة ربط داعش بالإخوان؛ فأهمّ قيادات الجماعات المتطرفة بدؤوا من الإخوان، وقد ذكر أسامة بن لادن "مؤسس تنظيم القاعدة" في لقاء مصور أنّ بدايته كانت مع الإخوان المسلمين، كما صرّح أيمن الظواهري "القيادي في تنظيم القاعدة" بأنّه كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين. أمّا مؤسس حركة التكفير والهجرة، شكري مصطفى؛ فقد كان مسجوناً مع الإخوان في سجن طرة؛ وتأثر بكتابات سيد قطب، خاصةً حول جاهلية المجتمع التي تناولها في كتابه "معالم في الطريق".
وتضيف: "كل من يشير إلى خطر جماعة الإخوان مصيره الإقصاء، حتى لو خدم السلطنة لأعوام طويلة، وقدّم إسهامات بارزة في تحليل الفكر الوسطي للسلطان قابوس، رحمه الله، مثل الدكتور عبد المنعم همت، وعلى النقيض، يُستقبل كل من يناصر الإخوان بحفاوة كضيف كريم. وتجدر الإشارة إلى أنّ تأثير الفكر الإخواني يظهر بوضوح في مختلف مؤسسات الدولة، خاصة في المجالات الإعلامية والتعليمية، ومع ذلك، ما زلنا في حالة من "الإنكار"، ويمكن أن نقيس على ذلك الأفكار المتطرفة الأخرى؛ وجاءت حادثة الوادي الكبير لتكشف لنا أنّ رياح التطرف، التي كانت تعمل في الخفاء، بدأت في الظهور إلى العلن."
وفي النهاية، تظل محاولات الإخوان المسلمين للعودة إلى المشهد السياسي في سلطنة عُمان قائمة، ولكنّها تتطلب منهم مواجهة تحديات داخلية كبيرة، وقدرتهم على التأثير تبقى محدودة في ظل الرقابة السياسية القوية.