وسط فوضى السلاح وعنف اليمين... هل تتجه إسرائيل نحو حرب أهلية؟

وسط فوضى السلاح وعنف اليمين... هل تتجه إسرائيل نحو حرب أهلية؟

وسط فوضى السلاح وعنف اليمين... هل تتجه إسرائيل نحو حرب أهلية؟


15/09/2024

ما زال الشعور بالصدمة ينتاب الإسرائيليين الرافضين لسياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع تصاعد الغضب الشعبي في الداخل، إزاء تعاطيه مع أزمة الرهائن في غزة؛ ممّا أدّى إلى تعمق الانقسامات الداخلية في إسرائيل، في ظل انعدام الثقة المتزايد في رئيس الوزراء.

وربما هي المرة الأولى التي تشهد فيها إسرائيل معارضة داخلية واحتجاجات عنيفة أثناء حالة حرب، فقد انفجر الشارع الإسرائيلي من جديد في وجه نتنياهو، بعد اكتشاف مقتل (6) من الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد اتهم نتنياهو بعدم بذل الجهود الكافية لتأمين نجاح صفقة الرهائن، وسط تقارير تشير إلى أنّ واشنطن بصدد تقديم عرض أخير ونهائي لنتنياهو، تحت عنوان "خذها أو اتركها"؛ الأمر الذي يعني أنّ الإدارة الديمقراطية، المشغولة بحالة من الارتباك السياسي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لم تعد تضع آمالاً كبيرة على التوصل لوقف كامل لإطلاق النار.

غليان في الداخل

في تطور لافت للتصعيد من قبل المعارضة، أعلنت أكبر نقابة عمالية في إسرائيل، "الهستدروت"، إضراباً عاماً على مستوى البلاد، أدى إلى إغلاق المدارس والشركات، والمكاتب الحكومية والبلدية، ومطار بن غوريون الدولي، بدعم من جمعية عائلات الرهائن والمفقودين، بهدف الضغط على نتنياهو وحكومته اليمينية للتوصل إلى اتفاق بشأن إعادة الرهائن المتبقين.

وفي بيان أصدره قبل الإضراب العام، قال أرنون بار ديفيد، رئيس الهستدروت: إنّه "توصل إلى استنتاج مفاده أنّ تدخله فقط هو القادر على هزّ أولئك الذين يحتاجون إلى هزّهم. وإنّ الاتفاق لا يتقدم بسبب اعتبارات سياسية، وهذا أمر غير مقبول". كما اتهمت أسر الرهائن الحكومة بإحباط جهود السلام بشكل يعكس نوعاً من اللّامبالاة، وأنّه لولا الرعونة، لكان من المرجح أن يظل الرهائن الـ (6) الذين عثر عليهم مقتولين في نفق في رفح على قيد الحياة.

الرئيس الأمريكي جو بايدن قد اتهم نتنياهو بعدم بذل الجهود الكافية لتأمين نجاح صفقة الرهائن.

وبحسب تصريحات أهرون بريجمان، الباحث البارز في قسم دراسات الحرب، في كينجز كوليدج بلندن، فإنّ الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي باتت أكثر عمقاً، لافتاً إلى أنّ "حرب غزة تتزامن مع تغيير كبير في المجتمع الإسرائيلي، كان في طور التكوين لأعوام عديدة، وهو ظهور نخبة جديدة".

ويمكن القول إنّ إسرائيل تعيش أزمة حقيقية، فبينما يسيطر المستوطنون والقوميون اليمينيون على القرار السياسي، بات الشارع ملكاً لليسار وأصحاب الطريق الثالث، خاصّة في ظل هيمنة اليمين المتطرف على مفاصل الحكومة، وعدم قدرة نتنياهو نفسه على كبح جماحه، فشخصيات مثل وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أصبحوا أصحاب القرار الحقيقي في الدولة، وهي نخبة لا يعنيها حياة الرهائن، بقدر ما يعنيها تنفيذ أجندة يمينية شديدة التطرف.

من جهة أخرى، يدرك هؤلاء جيداً أنّ نتنياهو يحتاج إلى استمرار الحرب من أجل البقاء في السلطة، وسط تهديدات بالتخلي عنه في حال الانصياع للإدارة الأمريكية. كما يراهن هؤلاء على الوصول المحتمل لدونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة الأمريكية، الأمر الذي يعني المزيد من الضوء الأخضر لمواصلة حرب الإبادة في قطاع غزة. وبالتالي يراهن هؤلاء، وسط سيطرة تامة على نتنياهو، على عامل الوقت، واحتمالات حسم المرشح الجمهوري للانتخابات. خاصّة أنّ الكنيست سيعود إلى الانعقاد قبيل نحو أسبوع فقط من الانتخابات الأمريكية.

ويبدو أنّ رئيس الوزراء الذي فقد مصداقيته تماماً بالفعل، قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، بسبب أزمة الإصلاح القضائي، التي اندلعت خلالها أعنف الاحتجاجات في تاريخ إسرائيل، يدرك أنّ الحرب وحدها هي التي أنقذته وساعدته على البقاء في السلطة، وبالتالي يصر على استمرارها لأطول فترة ممكنة.

وقد أظهر استطلاع للرأي، نشرته القناة 12 الإخبارية الإسرائيلية، قبل اكتشاف جثث الرهائن الـ (6)، أنّ أغلبية كبيرة من الإسرائيليين (69%) قالوا إنّهم يعتقدون أنّ هذه يجب أن تكون آخر فترة لنتنياهو في منصبه، مع انقسام بنسبة (50-50) تقريباً بين أولئك الذين يعتقدون أنّه يجب أن يرحل، وأولئك الذين أرادوا منه الترشح مرة أخرى. وكشف الاستطلاع نفسه عن انقسام واضح بين 18% من العينة، الذين أيدوا الاحتفال الرسمي المقرر لإحياء ذكرى أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، و60% فضلوا الاحتفال البديل الذي تنظمه عائلات القتلى والرهائن. ولا يخطط سوى ربع الإسرائيليين لمشاهدة الحدث الحكومي على شاشة التلفزيون.

احتمالات الحرب الأهلية

منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) أصدرت وزارة الأمن القومي مئات الآلاف من تصاريح الأسلحة للمواطنين الإسرائيليين، ووزعت بتوجيهات من بن غفير آلاف البنادق الهجومية بشكل عشوائي، مع انتشار فرق الأمن المدنية، والعصابات المسلحة من ميليشيا جماعات المستوطنين اليمينية في الضفة الغربية.

ومع تصاعد الخلاف السياسي، وإصرار اليمين على الحكم منفرداً، وفي ظل المشاحنات والاشتباكات العنيفة في تل أبيب وبعض المدن، يرى مراقبون أنّ حرباً أهلية عنيفة ودموية هي احتمال قائم وحقيقي في إسرائيل، خاصّة أنّه بسبب مبادرة بن غفير أصبح المجتمع الإسرائيلي مسلحاً بشكل غير مسبوق.

تعيش إسرائيل أزمة حقيقية، فبينما يسيطر المستوطنون والقوميون اليمينيون على القرار السياسي.

ويبدو أنّه مع استمرار الحرب لفترة طويلة، ومع تساقط المزيد من الرهائن، باتت النتائج تتحرك نحو الاتجاه المعاكس، وعليه قد تؤدي الانقسامات المتزايدة بين الإسرائيليين بشأن وقف إطلاق النار المحتمل إلى حوادث عنف، ربما تدفع الدولة العبرية تجاه آتون الحرب الأهلية.

وربما كان ظهور السلاح بين آلاف الإسرائيليين المشاركين في الاحتجاجات التي تجتاح القدس ومدناً أخرى منذ 3 أيلول (سبتمبر)، مؤشراً يدفع تجاه أكثر السيناريوهات فزعاً في الداخل، خاصّة في ظل تصدي الشرطة للمتظاهرين بعنف مفرط، فقد شهد حي رحافيا والطريق المؤدي إلى مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مواجهات دامية أدت إلى سقوط عشرات المصابين.

وبحسب القناة 12 الإخبارية الإسرائيلية، فإنّ عدداً من المتظاهرين، بعضهم مسلح، اخترقوا مجموعة من الحواجز التي أقيمت لمنعهم من الاقتراب من مقر إقامة نتنياهو، وأشعلوا النار في وسط الشارع. وقالت الشرطة الإسرائيلية: إنّ المشاركين في الاحتجاج "حاولوا التوجه نحو الشوارع القريبة، وقاموا بعبور الأسوار، والاشتباك مع الشرطة وإطلاق القنابل الصوتية، وأعيرة نارية في الهواء". وفي هذه الأثناء في مدينة قيسارية، قبالة منزل نتنياهو المطل على الشاطئ مباشرة، حاول مسلحون مهاجمة المنزل، قبل أن تدفع الشرطة بتعزيزات كبيرة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية