
إسلام الكتاتني
في حلقة جديدة من برنامج "مراجعات"، استضاف الباحث والأكاديمي والسياسي البارز ضياء رشوان، الكاتب والإعلامي إسلام الكتاتني.
ويهدف برنامج "مراجعات" إلى تقديم تجارب الشخصيات العامة في مصر الذين انضموا سابقاً إلى جماعة الإخوان، عبر سرد قصصهم وتجاربهم الفردية في مراجعة مسيرتهم داخل وخارج التنظيم.
البداية: الأسرة و"المظلومية" يلعبان دوراً
إسلام الكتاتني، الذي أمضى سنوات طويلة في صفوف الإخوان قبل أن يتحرر من قيودها، شارك تجربته الفريدة والتحولات الفكرية التي مر بها، مسلطاً الضوء على نقاط مهمة في رحلته الشخصية والمهنية.
نشأ إسلام الكتاتني في أسرة دينية، وكان تأثير هذه البيئة واضحاً على توجهاته منذ الصغر. وقال: "نشأت في أسرة دينية وكان من الطبيعي أن أبحث عن الإخوان، فلك أن تتخيل أنني منذ نعومة أظفاري قبل المرحلة الثانوية أقرأ كتباً مثل أيام من حياتي أو مذابح الإخوان في سجون مصر".
ذلك التأثير الأسري لم يكن العامل الوحيد المؤثر في انضمامه للجماعة، بل لعبت الكتب التي قرأها في مرحلة النشأة دوراً كبيراً في تشكيل وعيه وتوجهاته.
تحدث الكتاتني باستفاضة عن فكرة المظلومية التي يروج لها التنظيم، والتي كانت من أكثر الأفكار تأثيراً عليه، حيث شعر بأن التنظيم يتعرض للظلم والاضطهاد ما دفعه للانضمام إليهم. وأضاف أن "فكرة المظلومية هذه من أكثر الأفكار التي تشجع الشباب أن يلتحق بذلك التنظيم".
خلال المرحلة الثانوية، وجد الكتاتني نفسه منجذباً أكثر للتنظيم، وانضم إليهم رسمياً في هذه الفترة.
المرحلة الثانوية كانت نقطة تحول حاسمة في حياة الكتاتني، حيث بدأ يشارك في أنشطة التنظيم وفعالياته، باحثاً عن هوية ومكان ينتمي إليه، ومقتنعاً بأن "الإخوان" هم من يحملون "لواء الإسلام الصحيح".
من الداخل: قيود تنظيمية
بعد انضمامه لتنظيم الإخوان في المرحلة الثانوية، بدأ الكتاتني في التدرج داخله، حيث تولى العديد من المسؤوليات التي عمقت من تجربته وأعطته نظرة أكثر شمولاً على كيفية عمل الجماعة من الداخل، كما يروي خلال الحلقة.
في البداية، كان جزءًا من البذور الأولى في مدينته جرجا بمحافظة سوهاج. وأردف الكتاتني: "التحقت بالتنظيم وأنا في الصف الثاني الثانوي في مدينتي مدينة جرجا بمحافظة سوهاج وكان العمل في ذلك الوقت في بداياته. كنا حوالي 15 فرداً بدأنا العمل في ذلك الوقت".
مع مرور الوقت، تدرج الكتاتني في المناصب التنظيمية حتى أصبح مسؤول قسم الثانوي في محافظة سوهاج. وأوضح: "استمررت في التجربة إلى أن تدرجت في الناحية التنظيمية حتى الأخ العامل ومسؤول قسم الثانوي في محافظة سوهاج". خلال هذه الفترة، كان الكتاتني يعمل على تجنيد الشباب في المراحل الثانوية والجامعية، حيث كان يعتبر هذه الفئة الأكثر تأثيراً وقابلية للانضمام إلى الجماعة.
أقر الكتاتني خلال الحلقة أن الانغماس في أنشطة التنظيم جعله يغفل عن عيوبه، مشيراً إلى أن الأنشطة التي مارسها لم تقتصر على التجنيد فقط، بل شملت أيضاً تنظيم الإفطارات الجماعية والأنشطة الرياضية والدعوية. وقال "كنا ننظم إفطارات جماعية وأياماً رياضية وكنا ننغمس في تلك الأنشطة بحيث لا نرى خطايا التنظيم". وبحسب الكتاتني، كانت تهدف تلك الأنشطة إلى تعزيز الروابط بين الأعضاء وجذب المزيد من الشباب.
مع ذلك، لم تكن كل هذه التجارب سهلة، فقد واجه الكتاتني، وفق ما يروي، العديد من التحديات والصعوبات، بما في ذلك القيود التنظيمية والضغوط الداخلية. وأضاف أنه "بمرور الوقت وجدت نفسي غارقاً في القيود التنظيمية، فقيادات التنظيم كانوا شديدي الاهتمام باللوائح والمواعيد".
اكتشاف الحقيقة: من التسليم إلى التساؤل
مع مرور الوقت، بدأت تتضح لإسلام الكتاتني التناقضات والازدواجية بين الخطاب والممارسات داخل تنظيم الإخوان. كان ذلك بمثابة الشرارة الأولى التي أشعلت رغبته في الانفصال، حيث بدأ يلاحظ أن الممارسات السياسية لا تتسق مع المبادئ التي تربى عليها. وقال إن "الممارسة السياسية كانت لا تتسق مع أخلاقيات رجل الدعوة، بل هي بعيدة كل البعد عن أخلاقيات الدعوة".
واحدة من أبرز هذه التناقضات كانت غياب مفهوم الوطن لدى الجماعة، حيث كان التركيز على الجماعة نفسها فوق كل شيء، حسب الكتاتني الذي شرح: "لم يكن من الممكن أن أستمر لأن فكرة الوطن عند الجماعة غائبة، ومن الطبيعي أن يكون للفرد موقف من إدراك تلك الفكرة". ذلك الاكتشاف كان له تأثير كبير على رؤيته للتنظيم ودوره فيه، ما دفعه للبدء في التفكير جدياً في الانفصال.
المواجهات الداخلية: الانعتاق الفكري
تناول الكتاتني صعوبة عملية الخروج من التنظيم، مؤكداً أن الانتقال من الداخل إلى الخارج لم يكن سهلاً، إذ كان يواجه صراعاً داخلياً بين الانتماء الذي نشأ عليه والرغبة في التحرر من قيود التنظيم. استغرق الأمر عدة سنوات من الصراع الداخلي حتى تمكن من اتخاذ قراره النهائي بالخروج، اللحظة التي وصفها الكتاتني قائلاً: "كان لا بد من أن يحدث الانعتاق الفكري".
بعد خروجه، واجه العزلة والتشويه من قبل الجماعة. وأشار إلى ذلك بقوله: "فكرة الانعزال يعني أن إسلام أصبح في حاله ونحن في حالنا، ولا يوجد أي ارتباط". كان التنظيم يسعى دائماً إلى تشويه صورة من يتركه، لضمان عدم تأثيره على باقي الأعضاء. وأردف أن "تشويه الصورة كان ضرورياً حتى يمنع المحيطين من أن يتأثروا بك أو يحذو حذوك".
نقد الأفكار: تفكيك الإيديولوجيا
تحدث الكتاتني خلال الحلقة عن ملابسات مرحلة ما بعد التنظيم، والتي باشر فيها إعادة تقييم الأفكار التي تربى عليها بالداخل.
فبجانب غياب مفهوم الوطن، ظهر تأثير أفكار سيد قطب العنيفة جلياً في مسار الجماعة.
أدت أفكار قطب إلى تعزيز التطرف والعنف، وفق الكتاتني، الذي لفت إلى ذلك قائلاً: "أفكار سيد قطب للأسف الشديد كانت سبباً للدمار الذي حدث في المنطقة". تمثلت أفكار قطب التي انتقدها الكتاتني في الحاكمية، والجاهلية، والعزلة الشعورية والاستعلاء بالإيمان، والتي كانت تلعب دوراً كبيراً في تشكيل توجهات التنظيم، ما جعله ينحرف عن الطريق الصحيح.
أحد الجوانب المهمة التي سلط الكتاتني الضوء عليها هو العلاقة بين تنظيم الإخوان والحركات العنيفة. يرى الكتاتني أن أفكار سيد قطب كانت مصدر إلهام لتلك الجماعات، وأنها أسهمت في تعزيز التطرف والعنف. وأضاف أن "كل الجماعات العنيفة استمدت أفكارها من أفكار سيد قطب وطوروا فيها". هذه العلاقة المعقدة بين التنظيم والحركات العنيفة تؤكد، في رأي الكتاتني، على مدى خطورة الأفكار التي كانت تتبناها الجماعة.
تنظيم الإخوان.. بين الأمس واليوم
ناقش الكتاتني مع محاوره خلال الحلقة التغيرات الجذرية التي شهدها تنظيم الإخوان في بنيته التنظيمية وأسلوب عمله، إذ يشير الكتاتني إلى أن التنظيم يعاني اليوم من انقسامات داخلية كبيرة، حيث انقسم إلى 3 فرق رئيسية: جناح لندن، وجناح إسطنبول، والجناح الموجود داخل مصر. وأوضح أن "التنظيم حالياً منقسم إلى 3 فرق، وللمفارقة أنه يدعو إلى وحدة المسلمين"، مشيراً إلى أن هذا الانقسام يعكس التوترات الداخلية وعدم الاتفاق على رؤية موحدة للمستقبل.
الدعم الغربي لجماعة الإخوان كان دائماً موضوعاً مثيراً للجدل، وهي الفكرة التي تطرقت إليها هذه الحلقة من "مراجعات". يتساءل الكتاتني عما إذا كان هذا الدعم ما زال قائماً أم أن الدول الغربية قد تخلت عن التنظيم، لافتاً إلى أن الدعم الغربي، خاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا، كان له دور كبير في صعود التنظيم في فترات معينة، لكن الأحداث الأخيرة تشير إلى تغيرات في بنية هذه العلاقة.
إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه تنظيم الإخوان اليوم هي وضع القيادات في السجون. واعتبر الكتاتني أن مصير تلك القيادات سيكون له تأثير كبير على مستقبل التنظيم. وقال إن "الوضع الحالي لتنظيم الإخوان والتحديات التي تواجهه تشمل وضع القيادات في السجون، والدعم الغربي، والحاضنة الشعبية". كما رأى أن أي تغيير في وضع أولئك القادة قد يؤثر بشكل كبير على قدرة الجماعة على البقاء والتأثير.
أما الحاضنة الشعبية، فهي أيضاً موضوع محوري ناقشته الحلقة. وأوضح الكتاتني أن التنظيم فقد جزءاً كبيراً من تأييد الشعب المصري نتيجة لسلوك القيادات خلال السنوات الماضية. كذلك أردف: "اعتداء التنظيم على مؤسسات الدولة تسبب في أن تكون الحاضنة الشعبية هي الحائط الصد الأساسي ضد عودة الجماعة". ووفق الكتاتني، يبدو أن الشعب المصري لم يعد يثق بالجماعة كما كان في السابق، ما يشكل تحدياً كبيراً أمام محاولاته للعودة إلى الساحة السياسية.
في النهاية، تساءل الكتاتني عن قدرة التنظيم على العودة إلى المشهد السياسي، قائلاً: "هل سيعودون؟ هذا هو ما يدرس في بعض الدوائر على الأقل خارج مصر". تلك التساؤلات تعكس حالة عدم اليقين حول مستقبل تنظيم الإخوان، وما إذا كان قادراً على تجاوز التحديات التي تواجهه والعودة إلى الساحة السياسية مرة أخرى.
رسالة أخيرة: إعادة النظر فريضة
في ختام حديثه، وجه الكتاتني رسالة مهمة إلى الشباب، مؤكداً على أهمية التفكير النقدي والمراجعات الشخصية. وشدد على ضرورة أن يكون الشباب واعين وغير منساقين وراء الشعارات الرنانة دون التحقق من مصداقيتها. كما أضاف: "إذا كنت منتميا إلى جماعة، فنحن الآن أمام 3 جماعات وكل جماعة تناطح الأخرى"، لافتاً إلى أن هذا الانقسام الداخلي يعكس فشل التنظيم في تحقيق وحدة الصف الذي يدعيه.
كما دعا الكتاتني الشباب إلى ضرورة إعادة النظر في الأفكار والمعتقدات التي يتبنونها، وعدم قبولها على أنها مسلمات. وذكر أن تجربته الشخصية مع تنظيم الإخوان كانت مليئة بالتناقضات والازدواجية التي دفعته في النهاية إلى التحرر من قيودها، مؤكداً: "لا يمكن بأي حال من الأحوال أفكر إني حتى أتعاطف مع هذه الفكرة مرة أخرى، نحن نتعاطف مع وطننا، نتعاطف مع الدين الصحيح".
ختاماً، أشار الكتاتني إلى أهمية أن يكون الشباب مستقلين في تفكيرهم وأن يبحثوا عن الحقيقة بأنفسهم. كما نصحهم بقراءة التاريخ وتحليل الأحداث بعين ناقدة، وعدم الانجرار وراء الدعاية التي تسعى لتشويه الواقع. وقال إن "الازدواجية في الخطاب الإخواني واضحة جداً، والذي لم يلحظ الازدواجية في خطاب الجماعة من أفراد الجماعة لا بد أن يبحث عن علاج لأن الازدواجية أوضح من وضوح الشمس".
بهذا، أنهى إسلام الكتاتني حديثه في برنامج "مراجعات" مقدماً خلاصة تجربته الطويلة داخل تنظيم الإخوان وداعياً الشباب إلى التفكير النقدي والمساهمة الفعالة في بناء الوطن، في تجربة تمثل درساً مهماً في كيف يمكن للتفكير النقدي والمراجعات الشخصية أن تقود إلى التحرر الفكري والنمو الشخصي.
العربية