
في الوقت الذي تنافس فيه حركة مجتمع السلم (حمس)، "ذراع الإخوان السياسية في الجزائر"، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أعلنت حركة البناء الوطني المنشقة عن (حمس)، تأييدها المطلق للرئيس تبون وكل مؤسسات الدولة، منتهجة نظرية المؤامرة في نظرتها لكل الحركات المعارضة.
ونشر موقع (Middle East Monitor) تقريراً بالإنجليزية حول أوجه التباين بين (حمس) و(حركة البناء)، عرض من خلاله طبيعة تحركات حركة البناء، والبنية الشعبوية لخطابها السياسي. حيث ما تزال الجزائر تواجه العديد من التحديات، في ظل خريطة الحركات الإسلامية وتعقيداتها في البلاد، بالتزامن مع الافتراضات والقوالب النمطية الراسخة حول تأثير تلك الحركات وأهدافها.
غموض وتعقيد إيديولوجي
أكثر الحركات الإسلامية غموضاً، بحسب التقرير، هي حركة البناء الوطني، التي تملك (39) مقعداً من أصل (407) في الجمعية الوطنية الشعبية الجزائرية. وعليه فإنّ الحزب لديه خامس أعلى عدد من الممثلين المنتخبين. ورئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة هو عضو سابق في أكبر حزب إسلامي في الجزائر، حركة مجتمع السلم، وهو فرع معلن لجماعة الإخوان المسلمين، ولديه (65) مقعداً في البرلمان، ففي واحدة من الانشقاقات داخل الجماعات الإسلامية، ترك بن قرينة حركة مجتمع السلم في عام 2008، إلى جانب معارضين آخرين.
ورغم عدم وضوح تفاصيل الانقسام بين بن قرينة وجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، فإنّ أسباب الخلافات بينهما أصبحت واضحة للغاية، وتجلّت خلال خطاب الرجل البالغ من العمر (61) عاماً، في مركز المؤتمرات الدولي، أمام تجمع من آلاف من أعضاء الحزب والمندوبين الأجانب، بما في ذلك ممثلو مختلف الحكومات والأحزاب السياسية للاحتفال بالمؤتمر الثاني لحركة البناء الوطني.
قال بن قرينة خلال خطابه الذي استغرق ساعة، والذي كان مشبعاً بنوع من الحماسة القومية النموذجية للزعماء الشعبويين: "إنّ وطننا هو عقيدتنا". وأضاف أثناء عرضه لرؤية الحركة الوطنية للتغيير: "إنّ وطننا هو عقيدة وفكرة، ومن أهمل وطنه، فسيكون من السهل عليه إهمال دينه ومعتقده". وتابع: "من أهمل وطنه، فسيكون من السهل عليه إهمال شرفه وشعبه. الوطن هو التراب والسيادة، والوطن هو الدولة والمؤسسات. من مزق نسيج المجتمع ووحدة الشعب فهو خائن، ومن تخلى عن شبر من وطنه ولم يدافع عنه فهو خائن، ومن شوّه مؤسسات دولته أو أساء استخدامها فهو خائن".
منذ تأسيسها، كانت هناك حالة من التوتر داخل الأحزاب السياسية الإسلامية حول مفهوم الأمّة العالمي (المجتمع الإسلامي الأممي للمؤمنين)، والاتحاد العابر للحدود الوطنية، وفكرة الدولة القومية كنموذج معياري لما بعد الاستعمار
وفي استحضار للمشاعر القومية، حثّ بن قرينة الجزائريين على تقديم أنفسهم كمخبرين ضدّ أيّ شخص يرغب في تقويض أمن البلاد وازدهارها. وقد أدلى بهذه الملاحظة في سياق العداوة الطويلة بين الجزائر والمغرب. فالبلدان لديهما خلافات مريرة بشأن الصحراء الغربية، حيث تدعم الجزائر جبهة البوليساريو ضد الرباط. وانتهت ذروة المشاعر القومية بسرد حديث للنبي محمّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبرر "حب الوطن".
بجانب نداء بن قرينة القوي للقومية، كانت هناك إدانة لا لبس فيها للعنف. والواقع أنّ بن قرينة تجاوز معظم القادة في هذه القضية. وقال مشيداً بموقف حزبه اللّا عنفي: "لا أحد منا يؤذي النخب ويتحدى المؤسسات". "لا أحد منا يزرع الشك والارتباك، ولا أحد منا يتآمر ضد مؤسسات دولته". بالنسبة إلى بن قرينة "الديمقراطية هي هدية الحضارة لإحداث التغيير السياسي". وفي حديثه عن إسرائيل وفلسطين، والتي كانت موضع اهتمام كبير طوال الحدث، بما في ذلك الكلمات التي ألقتها الفصائل الفلسطينية الرئيسية، وصف بن قرينة الأمر بأنّه "أعظم اهتماماتنا".
القومية في مواجهة الأممية الإخوانية
في الأيام التي تلت خطاب بن قرينة الحماسي، أصبح كل الحديث يدور حول ندائه القوي للقومية. ماذا يعني بن قرينة عندما قال "أمتنا هي عقيدتنا؟" هل يطلب حقاً من الجزائريين "التجسس" على مواطنيهم نيابة عن الدولة؟ هل بن قرينة نموذج جديد للزعماء الإسلاميين، وهل يمثل حزبه مستقبلاً للإسلام السياسي في أماكن أخرى؟
منذ تأسيسها، كانت هناك حالة من التوتر داخل الأحزاب السياسية الإسلامية حول مفهوم الأمّة العالمي (المجتمع الإسلامي الأممي للمؤمنين)، والاتحاد العابر للحدود الوطنية، وفكرة الدولة القومية كنموذج معياري لما بعد الاستعمار. ويظل الشعور المشترك بين العديد من الإسلاميين هو أنّ "الإسلام ليس جزائرياً أو تونسياً أو مصرياً، الإسلام عالمي". ومع تطور هذا التوتر في الجزائر، قيل إنّ التطلعات الإسلامية الشاملة تمّ رفضها باعتبارها غير ذات صلة بالسياق الذي عملت فيه أحزاب مثل: حركة مجتمع السلم ومنافسها اللاحق، الحركة الوطنية للإصلاح.
بدوره يقول فيش ساكثيفيل، زميل برنامج معهد أبحاث السياسة الخارجية: إنّه "لتجنب الشكوك في الولاء غير الوطني، غالباً ما تتأرجح حركة مجتمع السلم بين التأكيد على علاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين العابرة للحدود الوطنية، أو التقليل من شأن تأثيرها، الأمر الذي يعكس مناورة سياسية في قالب انتهازي معروف عن الإخوان.
كان كبار المسؤولين في حركة البناء الوطني حريصين على التأكيد على أهمية التطور الذي مرّ به حزبهم والتقدم الذي أحرزوه. ووفق أحد مؤسسي الحزب، أحمد الدعان، فإنّ بن قرينة شعبوي، ولكنّه ليس بالطريقة التي نعرفها عن الزعماء الشعبويين في أجزاء أخرى من العالم. وتتلخص حجته في أنّ الجزائر ليست مجرد دولة ذات أغلبية مسلمة؛ بل إنّها "مسلمة مئة بالمئة". والفرق بين الاثنين كبير، وفقاً للدعان، لأنّه على عكس الدول الإسلامية ذات الأقليات الكبيرة غير المسلمة، فإنّ الجزائر "مسلمة مئة بالمئة"، وبالتالي، وفقاً لتلك الحجّة، لا يمكن للزعيم الحقيقي الذي يمثل الإرادة الشعبية أن يكون سوى شعبوي مسلم.
من جهة أخرى، وبحسب التقرير، كانت هناك ثقة لدى أعضاء الحركة الوطنية للتغيير في أنّهم لم يشعروا بالحاجة إلى تأكيد "إسلامية" حزبهم. إنّهم يقولون إنّ هذا أمر مُسلّم به. لقد كان الأمر الأكثر أهمية من أيّ شيء آخر هو إعطاء صوت وتعبير للشعب الجزائري وروح أمته. لقد زعموا أنّ الديمقراطية، إذا تمّت على النحو اللائق وسُمح لها بأن تعكس إرادة الشعب، فمن شأنها أن تحافظ على قيم الإسلام في بلد "مسلم بنسبة مئة بالمئة".
ربما وجدت حركة البناء الوطني صيغة للتمايز عن حركة مجتمع السلم، بالإعلان الصريح عن اعتناق القومية والولاء المطلق للدولة، حيث يلعب ثاني أكبر حزب إسلامي في الجزائر لعبة خطيرة في مواجهة نفوذ (حمس) المتزايد.