تصادم وشيك بين قيادة الجيش السوداني وجماعة الإخوان... التفاصيل

تصادم وشيك بين قيادة الجيش السوداني وجماعة الإخوان... التفاصيل

تصادم وشيك بين قيادة الجيش السوداني وجماعة الإخوان... التفاصيل


29/07/2024

منذ نحو (5) أعوام، أي بعد سقوط نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، بدا للمراقبين واضحاً وجليّاً أنّ ثمة تحالفاً يتبلور بين بعض رموز النظام الإخواني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه الحالي شمس الدين الكباشي، قبل أن يدخل ياسر العطا مؤخراً في هذه الشبكة شديدة التعقيد. 

يرصد الباحثون كيف أعلن قائد الجيش عقب مذبحة فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني في 3 حزيران (يونيو) عن وقف المفاوضات التي كانت جارية حينها بين المجلس العسكري الانتقالي برئاسته، وقوى إعلان الحرية والتغيير، بخصوص تشكيل حكومة مدنية انتقالية تنفذ مطالب الثورة وتهيّئ البلاد لانتخابات ديمقراطية حرة، وأعلن أنّ المجلس وحده سيتولى إدارة البلاد لـ (9) أشهر، تُنظم بنهايتها انتخابات عامة تشارك فيها جميع الأحزاب السياسية ما عدا حزب المؤتمر الوطني المخلوع، وهو ما عدّه المراقبون تحالفاً ضمنياً مع النظام القديم وإجهاضاً للثورة وخيانة لدماء الشهداء. 

البرهان والجماعة 

منذ ذلك الوقت المُبكر انتبه الجميع إلى أنّ ثمة علاقة قوية تربط المجلس العسكري الانتقالي وقته (المكوّن العسكري في مجلس السيادة لاحقاً)، خصوصاً قائد الجيش ونائبه شمس الدين الكباشي، بجماعة الإخوان المسلمين، وأنّهما ينفذان أجندة الجماعة بحذافيرها، ويعملان بدأب وجهد كبيرين لعرقلة مسيرة التحول المدني الديمقراطي، ويضعان أمامها الكثير من الفِخاخ والألغام. 

تطوّرت الأمور فيما يتعلق بهذا التحالف غير المعلن بين قيادة الجيش والجماعة إلى لحظة انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وقد بدا واضحاً للجميع لمصلحة من انقلب قائد الجيش على الحكومة الانتقالية، خصوصاً أنّ أول قرارات الانقلاب كانت حل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من حزيران (يونيو) وإزالة التمكين، الشهيرة بلجنة (إزالة التكمين)، والتي تستهدف فض اشتباك جماعة الإخوان مع مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية، بجانب إعادته جميع الأموال المصادرة من الجماعة وتعيين كوادرها في مفاصل الدولة؛ الأمر الذي أزعج قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، الشهير بـ (حميدتي)، وجعله يتململ حتى اضُطر لاحقاً إلى الاعتذار عن المشاركة في الانقلاب، ممّا أحدث شرخاً كبيراً بينه وبين قيادة الجيش من جهة، وبين جماعة الإخوان والحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني من جهة أخرى، وهذا ما أفضى في ختام المطاف إلى اندلاع الحرب الراهنة. 

قبل الحرب 

قبل اندلاع الحرب بعدة أشهر سمح قائد الجيش للكوادر السياسية العليا للجماعة بالظهور علانية وتنظيم منابر خطابية وإفطارات رمضانية في منزل الرئيس المخلوع عمر البشير، أعلنوا خلالها أنّ جماعتهم لن تتوانى في إجهاض الاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه من قبل تحالف قوى الحرية والتغيير وقيادتي الجيش وقوات الدعم السريع، بضمانات إقليمية ودولية وحضور رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، وكان من المؤمل أن يفضي إلى عودة العسكريين إلى ثكناتهم وإعلان حكومة مدنية انتقالية صرفة لتهيئة البلاد  لانتخابات عامة خلال عامين، وكذلك دمج قوات الدعم السريع في الجيش خلال (10) أعوام، إلا أنّ الكوادر السياسية لحزب المؤتمر الوطني، الذراع السياسية للجماعة، وعلى رأسها الفريق أمن أنس عمر (معتقل لدى قوات الدعم السريع حالياً)، هددوا بشن حرب لا تبقي ولا تذر إذا لم يتم التراجع عن هذا الاتفاق، فامتثل قائد الجيش، وتنصل من توقيعه والتزامه، فيما تمسك قائد قوات الدعم السريع بالاتفاق حتى النهاية، وكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير. 

خسائر فادحة

مع اشتعال الحرب أصبح التحالف بين قيادة الجيش وجماعة الإخوان وميليشياتها وكتائبها المقاتلة واضحاً للعيان، لكن مع استمرارها أكثر من عام، ومع الانتصارات الكبيرة التي حققتها قوات الدعم السريع بسيطرتها على أنحاء العاصمة السودانية وولايتي الجزيرة (وسط) وسنار (جنوب شرق) و(4) ولايات أخرى في دارفور، والخامسة لم يتبقَّ منها سوى عاصمتها مدينة الفاشر، وأجزاء واسعة من ولايات شمال وشرق وغرب كردفان وأجزاء من ولايات جنوب كردفان ونهر النيل والقضارف، ازدادت الهوة بين قيادة الجيش والجماعة، وظلت الأولى تناور من أجل الجلوس إلى مفاوضات تنهي الحرب مع قوات الدعم السريع، وظلت الثانية تضع العراقيل والفخاخ أمامها، في الوقت الذي تتوالى فيه الخسائر العسكرية للجيش والميليشيات الإخوانية المتحالفة معه، خصوصاً في الأشهر الأخيرة التي شهدت سقوط مدن كبرى واستراتيجية في ولايتي سنار وغرب كردفان، تخللها هروب لواء كامل من الجيش إلى دولة جنوب السودان وتسليمه أسلحته للسلطات هناك، الأمر الذي عده مراقبون بداية الانهيار الواسع الذي ربما ستشهده القوات المسلحة السودانية مع استمرار الحرب. 

صدام مسلح 

الرفض المستمر من قبل الجماعة للجلوس إلى التفاوض، مع الهزائم المستمرة التي يتلقاها الجيش والميليشيات المتحالفة معه، أحدث شرخاً كبيراً بينها وبين قيادة الجيش التي حاولت عدة مرات تجاوز الجماعة، والجلوس إلى مفاوضات مباشرة مع قوات الدعم السريع. 

ومع الهزائم العسكرية المتلاحقة التي مُني بها الجيش في الآونة الأخيرة، خصوصاً في ولاية سنار (جنوب شرق)، وسيطرة قوات الدعم السريع على مدن كبرى ومواقع استراتيجية في غضون أشهر قليلة، دعت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية طرفي الحرب إلى مفاوضات مباشرة تنعقد في جنيف بسويسرا، حُدد لها شهر آب (أغسطس) المقبل، وأبدت قوات الدعم السريع موافقتها الفورية، وسربت قيادة الجيش موافقتها أيضاً، لكنّها سرعان ما نفت ذلك تحت ضغط الجماعة، وإن لم تحدد موقفها بوضوح حتى الآن، ولم تعلن صراحة ما إذا كانت ستذهب إلى جنيف أم لا؟ 

يعتقد مراقبون أنّه ليس ثمّة خيار أمام جماعة الإخوان إلا الرضوخ لمبدأ المفاوضات وعدم عرقلة قيادة الجيش من المضي قُدماً في هذه الطريق، لأنّ رفض هذه الفرصة التي تبدو كأنّها الأخيرة، يعني وفقاً للمعطيات العسكرية على الأرض وصول قوات الدعم السريع إلى العاصمة البديلة بورتسودان، والسيطرة التامة على ما تبقى من ولايات البلاد، وبالتالي تصبح في وقت ما غير مُضطرة إلى التفاوض مع خصومها. 

عقدة جديدة 

من جانب آخر، فإنّ العقدة التي تواجه الجماعة الآن هي كيفية مشاركتها  في المفاوضات المزمعة، لكونها مرفوضة داخلياً وخارجياً من قبل الجميع، لذلك فإنّ غرفها الإعلامية صارت تروج لمبدأ عدم السماح لقيادة الجيش بالذهاب وحدها إلى المفاوضات، ولا بدّ من مشاركة (الشعب السوداني) معها، وتستخدم الجماعة هذه العبارة دائماً لوصف نفسها، إذ إنّها تحاول إيجاد موطئ قدم لها على طاولة التفاوض ضمن وفد الجيش، وذلك بزرع كوادرها ضمنه، ولكن يبدو أنّ الوقت لم يعد مناسباً لذلك، وأنّ هذه الحيّل التي دأبت عليها لم تعد تنطلي على أحد، وأنّ أمر مشاركتها في المفاوضات ضمن وفد الجيش أصبحت مستبعدة، ممّا يهدد بتصادم مسلح بين الجيش وبين الميليشيات التي تقاتل بجانبه. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية