صعود تنظيم داعش.. بين القدرة على التكيف وأسرار الكمون

صعود تنظيم داعش بين القدرة على التكيف وأسرار الكمون

صعود تنظيم داعش.. بين القدرة على التكيف وأسرار الكمون


23/07/2024

باغت تنظيم (داعش) الإرهابي، بهجومه الأخير الدموي على أحد مساجد الشيعة بسلطنة عُمان، عدة أطراف، خاصة في بيئة آمنة في هذه الدولة الخليجية التي لم تسجل وقائع عنف دموية بين طوائف المجتمع، غير أنّ الحادث يبعث بتخوفات حول ما إذا كانت هناك خلايا داعشية نائمة، أو شبكات تنظيمية قادرة على تشكيل حواضن وجذب عناصر ومقاتلين، الأمر الذي سبق أن تم اكتشافه في بلدان أخرى ضمن دول مجلس التعاون الخليجي. وتقول الشرطة العُمانية: إنّ الهجوم على مسجد علي بن أبي طالب في منطقة الوادي الكبير بالقرب من مسقط، أسفر عن مقتل (9) أشخاص وإصابة أكثر من (30) آخرين في الهجوم.

ماذا وراء تهديد داعش للخليج؟

ومن بين القتلى في الهجوم (4) باكستانيين وهندي وشرطي و(3) مهاجمين. وأعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم على المسجد، ووصفه بأنّه عمل من أعمال "الحرب" المستمرة ضد الطائفة الشيعية في جميع أنحاء العالم.

ووفق هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فإنّ التنظيم يعمد بشكل متكرر لاستهداف تجمعات ومواكب الشيعة في دول مثل العراق وأفغانستان وباكستان، لكنّ الهجوم الأخير، هو أول هجوم للتنظيم في سلطنة عُمان، حيث تشكّل الطائفة الشيعية أقلية في البلاد. كما رصدت ادعاءات للتنظيم بأنّ هذا "الهجوم ضد المسلمين الشيعة ليس استراتيجية جديدة، ولكنّه محاولة للاستفادة من كل فرصة لاستهداف أهداف شيعية".

وقد غرّد سفير باكستان لدى سلطنة عُمان، عمران علي، على موقع (إكس) قائلاً: إنّ لديه معلومات مؤكدة تفيد بأنّ المهاجمين ليسوا باكستانيين. وتابع أنّه "لا صحة لما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أنباء عن تورط باكستانيين في هذا العمل الشنيع". لافتاً إلى أنّ الهجوم لم يكن يستهدف الباكستانيين على وجه الخصوص، ولكنّه كان هجوماً طائفياً، وقال إنّ إدارة المسجد في أيدي متطوعين باكستانيين.

من هجوم داعش الأخير على أحد مساجد الشيعة بسلطنة عُمان

إنّ تنظيم (داعش) منذ مطلع العام قد ضاعف عدد عملياته الإرهابية، وفق ما تشير القيادة المركزية للجيش الأمريكي، لافتة إلى أنّ (داعش) يحاول "إعادة تشكيل نفسه" بينما تتزايد هجماته المسلحة في سوريا والعراق مقارنة بالعام الماضي. وذكرت القيادة المركزية في بيان أنّ تنظيم (داعش) تبنّى (153) هجوماً في كلا البلدين خلال الأشهر الـ (6) الأولى من عام 2024.

وبحسب مسؤول دفاعي أمريكي، تحدث شريطة عدم ذكر هويته (لأنّه غير مسموح له بالتحدث علناً عن هذا الأمر)، فقد كان التنظيم وراء (121) هجوماً في سوريا والعراق خلال عام 2023. وذكرت القيادة المركزية الأمريكية أنّ "الزيادة في الهجمات تشير إلى أنّ تنظيم (داعش) يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد عدة أعوام من انخفاض قدراته".

لم يعد تنظيم داعش كما في السابق

إذاً، يبدو تنظيم (داعش) الإرهابي اليوم مختلفاً عمّا كان عليه قبل (5) أعوام، وأصبح أكثر تكاملاً الآن كمنظمة ضمن شبكته العالمية ممّا كان عليه تنظيم (القاعدة) في أيّ وقت مضى، وفق معهد (واشنطن)، الذي يقول: "مرت (10) أعوام منذ أن أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" عن ذاته كدولة خلافة، وأكثر من (5) أعوام منذ أن فقد آخر ما تبقى له من الأراضي في سوريا. لكن مع عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى الواجهة نظراً لتزايد قدرته على تنفيذ العمليات الخارجية "مع هجمات في إيران وتركيا وروسيا هذا العام، بالإضافة إلى العديد من المؤامرات التي تم تفكيكها في أوروبا"، يسود سوء فهم أساسي لكيفية عمل التنظيم اليوم. من عدة نواح، يتم النظر إليه بشكل غير صائب من خلال طريقة عمل تنظيم (القاعدة) "شبكة فرعية لا مركزية"، بما أنّه كان في السابق جزءاً من شبكة (القاعدة) العالمية، أو بناءً على كيفية عمل تنظيم "الدولة الإسلامية" عندما كان في ذروته سابقاً عند سيطرته على الأراضي في العراق وسوريا". 

يبدو تنظيم (داعش) الإرهابي اليوم مختلفاً عمّا كان عليه قبل (5) أعوام، وأصبح أكثر تكاملاً الآن كمنظمة ضمن شبكته العالمية ممّا كان عليه تنظيم (القاعدة) في أيّ وقت مضى

ويرجَح أن يكون هذا السبب أيضاً هو الذي دفع البعض داخل الحكومة الأمريكية إلى سوء تفسير الاستخبارات من خلال الترويج لفكرة أنّ عبد القادر مؤمن، زعيم تنظيم (داعش) الذي تم استهدافه في الصومال في نهاية شهر أيار (مايو) أصبح الخليفة في التنظيم. 

وبالعودة إلى المعهد الأمريكي، فإنّ الهيئة الأكثر أهمية لفهم تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم هي "المديرية العامة للولايات"، التي كان مقرها في السابق في سوريا، لكنّ المعلومات الجديدة تشير إلى أنّها قد تكون حالياً على الأقل في أعلى مستوياتها متمركزة في الصومال. وعند فهم هذه الهيكلية، تصبح تصرفات تنظيم "الدولة الإسلامية" على الصعيد العالمي أكثر منطقية. ولهذا السبب أيضاً نشهد تفاعلاً واتصالاً بين ولاياته المختلفة اليوم أكثر بكثير ممّا شهدناه في الماضي. إذ ما تزال الجوانب الرئيسية التي تحرك تنظيم "الدولة الإسلامية" كمنظمة (الحوكمة، وتعبئة المقاتلين الأجانب، والعمليات الخارجية) قائمة، بحيث انتقل للتو من كونه متمركزاً بشكل أساسي انطلاقاً من موقعه الأصلي في العراق وسوريا أو محكوماً بهذا الموقع إلى الانتشار عبر شبكة ولاياته العالمية. وتبقى أهدافه هي نفسها، حتى لو تكيّف التنظيم مع بيئة متغيرة. ولهذا السبب أيضاً يختلف التحدي الذي يمثله تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم عن الماضي، وقد أصبح الآن أكثر مرونة من ذي قبل في مواجهة الضغوط. وهذا يجعل تحدي التنظيم أكثر صعوبة من منظور أمني ممّا كان عليه في الماضي عندما كانت القدرة متاحة للتركيز بشكل أساسي على جهوده في العراق وسوريا. 

القيادة الأمريكية تُحذر

في 31 أيار (مايو) الماضي أعلنت القيادة الأمريكية في أفريقيا أنّها استهدفت ولاية الصومال التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في منطقة نائية بالقرب من داردار، على بعد حوالي (81) كلم جنوب شرق بوصاصو، وادعت أنّها قتلت (3) من مقاتلي (داعش). وأعقب ذلك في وقت لاحق تسريب من قبل موظف في وزارة الدفاع ادعى في منتصف حزيران (يونيو) أنّ أحد الأهداف هو (مؤمن)، الذي يزعم أنّه آخر خليفة لـ "الدولة الإسلامية". كان (مؤمن) هو والي "حاكم" ولاية الصومال التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" منذ أن انفصل هو وآخرون عن "حركة الشباب" وانضموا إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في تشرين الأول (أكتوبر) 2015. واليوم، يُقال إنّ (مؤمن) أصبح أمير "زعيم" مكتب "الكرار"، وتمّت ترقية عبد الرحمن فاهي عيسى محمد، وهو نائبه السابق في ولاية الصومال التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، إلى منصب الوالي. 

 الهيئة الأكثر أهمية لفهم تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم هي "المديرية العامة للولايات"

ورغم أنّ "تقرير منتصف حزيران (يونيو) يشير إلى أنّ الحكومة الأمريكية غير متأكدة ممّا إذا كانت الغارة الجوية قد قتلت (مؤمن)، إلا أنّه أكد أنّهم "أحضروا الخليفة إلى تلك المنطقة"، كما يقول معهد واشنطن. فضلاً عن ذلك تجدر الإشارة إلى أنّ العديد من الشبكات المالية لتنظيم "الدولة الإسلامية" في تركيا تساعد في نشاطه داخل سوريا، وهذا يُظهر أنّه حتى لو لم يعد يُنظر إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا بالخطورة التي كان عليها من قبل، ما يزال مرتبطاً إلى حد كبير بشبكته العالمية من خلال مكتب "الأرض المباركة" داخل "المديرية العامة للولايات". ففي نيسان (أبريل) الماضي اعتقلت "قوات سوريا الديمقراطية" منسقَين ماليين تابعين لتنظيم "الدولة الإسلامية"، هما أحمد فواز الرحمن ومحمد أمين خليل العبيد. فقد تلقيا أموالاً من تنظيم "الدولة الإسلامية" في تركيا ولبنان عبر شركة (روهين للحوالات المالية) لاستخدامها في العمليات المحلية من خلال "كتيبة الزبير بن العوام"، وهي فرقة سرية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" مقرها الحسكة، سوريا. 

ومن بين التعقيدات التي يشير إليها المعهد الأمريكي أنّ التنظيم الإرهابي يختلف عن النسخة القديمة في الماضي، وقد تمكن حتى الآن من التكيف مع الضغوط التي تُمارس عليه من خلال سيطرته على أراضٍ في (4) دول أفريقية، إلى جانب تجديد قدرته على تنفيذ العمليات الخارجية، وإبدائه اهتماماً أكبر، وإن كان ما يزال صغيراً، بتعبئة المقاتلين الأجانب الجدد. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية