
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التونسية، المزمع إجراؤها في 6 تشرين الأول (أكتوبر)، تبدو محاولات الإخوان، العلانية والخفية، للتسلل إلى هذا الاستحقاق من خلال قوى المعارضة، أو شن حملات للتشكيك في نزاهة ومسار الانتخابات، مثل فقاعات، حيث تلح (جبهة الخلاص) المعروفة بارتباطاتها بحركة (النهضة) "فرع إخوان تونس"، وتضم مجموعة من الأحزاب المعارضة للرئيس قيس سعيّد، تلح على عدة شروط لضمان سلامة الإجراء الانتخابي؛ منها وجود هيئة مستقلة لمتابعة الانتخابات، وإلغاء المرسوم (54) الذي تزعم أنّه يساهم في قمع حرية الصحافة والإعلام.
الاستحقاق الرئاسي ومؤامرة الإخوان
قبول الترشح للرئاسة، وفق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، يبدأ في الفترة بين 29 تموز (يوليو) و6 آب (أغسطس) من هذا العام. وقبل أيام ذكرت الرئاسة التونسية أنّ الرئيس قيس سعيّد حدد السادس من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل موعداً للاستحقاق الرئاسي. وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سبق أن قالت إنّ تحديد موعد رسمي للانتخابات الرئاسية يكون بإصدار أمر رئاسي بدعوة الناخبين للاقتراع، قبل (3) أشهر من إجرائها، طبقاً لأحكام دستور 2022 والقانون الانتخابي.
ولا تكفّ القوى المصطفة إلى جانب إخوان تونس، وعلى رأسها جبهة (الخلاص)، بالتلميح والتصريح طوال الوقت، عن اشتراطاتها، وتستهدف من خلال ذلك التشنيع على الوضع السياسي والمناخ الذي تقول إنّه مأزوم، ويقوض العملية الديمقراطية، وتطالب بإلإفراج عن الموقوفين.
وقد شدد الرئيس التونسي على ضرورة الانتباه والحذر من المحاولات "الإجرامية"، على حدّ تعبيره، التي تهدف لزعزعة استقرار البلاد قبل تنظيم انتخابات الرئاسة، وجاء في بيان الرئاسة نهاية الأسبوع الماضي أنّ "رئيس الجمهورية قيس سعيّد استعرض لدى استقباله، الجمعة، بقصر قرطاج، خالد النوري وزير الداخلية، وسفيان بالصادق كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن الوطني، الوضع العام الأمني في البلاد". وتابع: "رئيس الدولة دعا خلال اللقاء إلى التحسّب والاستشراف لكلّ المحاولات الإجرامية بشتى أنواعها التي يُرتّب لها من يريد ضرب الاستقرار داخل البلاد (لم يحدد الأطراف)، خاصة في أفق تنظيم الانتخابات الرئاسية".
وشدد قيس سعيّد على "ضرورة مضاعفة الجهود من أجل التصدي لكل مظاهر الجريمة وتأمين المواطنين في كل مكان". مؤكداً على أهمية "تفكيك الشبكات الإجرامية التي تتاجر بالمخدرات والتي هي مرتبطة بشبكات في الخارج وتسعى إلى ضرب أمن المجتمع كما يسعى آخرون إلى ضرب أمن الدولة".
لوبيات العنف
ولم يُخفِ سعيّد وجود "لوبيات" تمارس أدوارها المشبوهة لتوريط المواطن في الأزمات، وافتعال مشكلات لتحريض الشارع على العنف ومواصلة تعبئته، حيث إنّ إرباك المجتمع يظل ضمن محاولات استراتيجية تقوم بها هذه المجموعات المرتبطة بحركة (النهضة) الإخوانية، وهناك سوابق عديدة لافتعال المشكلات خاصة نقص المواد الغذائية، ومنها الحليب والسكر والأدوية. وعليه، أكد الرئيس التونسي على أنّ الدولة سوف تقف بكل حزم بوساطة القانون أمام هذه الأنشطة.
سامح مهدي: مزاعم الإخوان والقوى الموالية لها لا تكشف سوى عن "حِيَلٍ" تمارس من خلال "الابتزاز" بحق الدولة بهدف القبول بعودتها و"إعادة تموضعها" السياسي
وبحسب الأمين العام للتيار الشعبي التونسي، زهير حمدي، فإنّ إخوان تونس منذ 25 تموز (يوليو) 2021، قد أخفقوا في الاستمرار في السلطة، موضحاً لـ (حفريات) أنّ هذا السقوط السياسي رافقه فقدان لحواضنهم الشعبية، وتآكل وجودهم الاجتماعي؛ الأمر الذي يظهر من خلال "فشلهم في تعبئة وتجييش المواطنين، وعدم قدرتهم على تحريك الشارع".
ويوضح حمدي أنّ متتالية الإخفاقات إنّما تُعزى إلى "تجفيف منابع التمويل". وتتخفى حركة (النهضة) وراء شخصيات وقوى سياسية بهدف الخروج من الوضع المأزوم، وتحاول أن تتسلل من خلال هذه التكتيكات إلى "الشارع عبر الأجندة الحقوقية والقضايا المطلبية والفئوية وقضايا الحريات والحقوق، وذلك لاستكمال عملية التشنيع على النظام بأنّه يكمم الأفواه ويمارس القمع".
كما أنّ تحريك "القضايا الحقوقية، ومنها قضية الأقليات، يعمل جنباً إلى جنب مع أمور أخرى لتشكيل جبهة مضادة بحق الرئيس قيس سعيّد في الخارج".
ويؤكد: "رغم ذلك، يتعين التأكيد على أنّ الحركة الإخوانية فقدت تأثيراتها، ولم يعد حولها سوى فئات وقوى محدودة تربطها بحركة النهضة مصالح براغماتية. وقد ترتفع وتيرة إثارة البلبلة والشائعات كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية، حيث تقوم مع حلفائها بتنظيم حملات معادية، ولكن في ظل قضايا الإرهاب والاغتيالات والفساد، لا يبدو أنّ هناك أيّ تأثيرات محتملة وجادة، خاصة مع ضعف الكتلة الشعبية والسياسية لهم".
يتفق والرأي ذاته مركز (كارنيغي) الذي ألمح في دراسة إلى أنّ حركة النهضة فقدت قدراتها "على الدفاع عن برنامج لمكافحة الفساد بسبب تحالفاتها في الحكم مع ممثلي النظام السابق الذين هم رموز الفساد والمحسوبيات في البلاد. وهذا التطور سيبدو مذهلاً حين نتذكر أنّه لعقود عدة كانت الحركة تهدف إلى تمثيل الاحتجاج الاجتماعي والسياسي وتعبئة المضطهدين. فخلال الثمانينيات تطلعت النهضة إلى الأحزاب اليسارية لتستلهم منها، بل تبنّى العديد من قادة النهضة النشاط السياسي على إثر احتكاكهم مع المجموعات اليسارية حين كانوا في الجامعة. وعلى عكس العديد من الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي التي تميل إلى يمين الوسط في الشؤون الاقتصادية، كانت حركة النهضة تعتبر أنّ التقدميين واليساريين جديرون بأن ينسج المرء على منوالهم وأن يستقي منهم إيديولوجيتهم وتجاربهم التنظيمية".
التعمية على الفساد
ويردف: "في حين كانت حركة النهضة مستعدة لإبرام التسويات بهدف ضمان موقعها في عملية ديمقراطية غامضة وبيئة إقليمية غير مستقرة، كان ممثلو النظام السابق يستخدمون الوفاق لتحييد حركة الاحتجاج وتدجين الغضب الاجتماعي حتى وهم يحكمون قبضتهم على السلطة. مثل هذا "الوفاق العفِن" يوضح أسباب كلّ الخطوات الوئيدة لعملية الانتقال والاستقرار الهش الذي عاشته تونس. وقد أدى تحييد الهدف التاريخي لحركة النهضة في إحداث التغيير الاجتماعي- الاقتصادي إلى تنفير جزء من قواعدها، وزاد من خيبة الأمل في أوساط الشعب التونسي، وأسبغ مصداقية على الفكرة بأنّ كل السياسيين هم من طينة واحدة، "ولا يرغبون سوى باقتسام الكعكة بين بعضهم البعض".
وفي حديثه لـ (حفريات)، يوضح الباحث المختص في العلوم السياسية الدكتور سامح مهدي أنّ مزاعم الإخوان والقوى الموالية لها، لا تكشف سوى عن "حيل" تمارس من خلال "الابتزاز" بحق الدولة، بهدف القبول بعودتها و"إعادة تموضعها" السياسي، والتخفيف من القيود ضدها، لا سيّما في ظل الملاحقات الأمنية، والمحاكمات القضائية على خلفية جرائم الإرهاب.
ووفق مهدي، فإنّ الإخوان بتونس أمام أزمة لا تبدو هينة، خاصة مع امتداد الملاحقات الأمنية لعدد من الشخصيات التي أعلنت ترشحها للانتخابات، منهم لطفي المرايحي، وعبد اللطيف المكي. ويواجه المرايحي اتهامات بغسيل الأموال، وقال الناطق بلسان محكمة تونس العاصمة قبل فترة وجيزة: إنّ المرايحي يواجه شبهات بغسل أموال وفتح حسابات بنكية بالخارج دون ترخيص من البنك المركزي.