
ماهر فرغلي
إن مشكلة مشروع جماعة الإخوان الحقيقية هي تدمير الهوية المصرية، وبشكل عام هناك مشروعان الأول هو الهوية والثاني هو رعاية الرعيّة أي الشعب، وكل هذه الجماعات تعتبر الأولوية هي الهوية الإسلاموية، أي مشروع الخلافة الذي يطلقون عليه أستاذية العالم.
على هذا ستجد أن كل الدول التي حكمها إسلاميون كانت الأولية لهم هو تغيير الهوية الوطنية، وليس رعاية الرعية من تنمية الاقتصاد والمال بشكل عام، ولو عدنا إلى الوراء قليلاً سنجد أن الإخوان في عام حكمهم أعلنوا عما يسمى مشروع النهضة، وهذا المشروع في جملته كان كله حول الهوية وليس حول التنمية، وما ورد فيه حول علاج المشكلات الزراعية والصناعية والمالية.. الخ كله كان سطوراً عامة، عبارة عن شعارات وليست برامج تفصيلية قصيرة وبعيدة المدى.
لقد ثبت في عام حكم الإخوان أن مشروع النهضة هو مجموعة أفكار فقط غير قابلة للتطبيق العملي، اهتم في بنوده الرئيسية بطريقة إدارة الجماعة لحكم مصر، وهو مشروع خادع للقوى السياسية بشكل خاص، والشعب بشكل عام.
وقد قامت الجماعة بطرح المشروع على أربع مراحل، الأولى تتضمن مرحلة الـ100 يوم، والمرحلة الثانية، وهي التأهيل ومدتها سنتان، وتحتوي على آليات التعامل مع المشكلات الكامنة، تليها المرحلة الثالثة، التي تبدأ عام 2016 وتستمر خمس سنوات، أما المرحلة الرابعة فهي بداية النهضة، التي تحدث عنها خيرت الشاطر أنها تحتاج من 15 إلى عشرين سنة!
وفي ظل غياب مشروع نهضة حقيقي عمدت الجماعة في عام حكمها لمصر إلى تدمير الهوية الوطنية لإحلال هوية إخوانية جديدة، وكان لديهم رؤية واضحة وطويلة للتبديل مهما كانت العوائق عن طريق رؤيتهم الجديدة مع الدولة وعدم وجود حدود معروفة لها، وإمكانية التخلي عن بعضها، وعن طريق إعادة ترتيب أولويات الدولة وعلاقاتها مع الآخرين، والممارسة السياسية الجديدة، وأخونة المؤسسات، واعتبار أن مصر دولة خلافة إسلامية مقبلة، وليست دولة متنوعة.
إن الهوية المصرية واسعة التنوع والثراء، من ناحية الانتماء الديني القوي والراسخ عند المصرى سواء كان مسلما أو مسيحيا، ومن ناحية الثقافة والحضارة المستمدة من حضارات مختلفة ومتباينة، ولكنها متصلة ومتداخلة، ومن ناحية الزمان والمكان؛ كدولة بحر أوسطية، ودولة تطل على البحر الأحمر وتمتلك أهم مضيق مائي عالمي، وليست هوية لحضارة واحدة أو دين واحد أو سياسة واحدة.
وقد أدركت الجماعة بعد خروج الشعب في ثورة 30 يونيو، وبعد مرور سنوات طوال من العمل السياسي داخل مصر، ان مشروعهم في تدمير الهوية قد فشل، وذلك في الورقات التي أصدرتها الجماعة بعنوان (ما قبل الرؤية).
ذكرت ورقات (ما قبل الرؤية) أن الجماعة ارتكبت أخطاءً فادحة في العلاقة مع الكيانات المجتمعية الأخرى من الناحية التكاملية أو التنافسية أو الندية، وغياب مشروع سياسي متكامل لها، خاصة إدارة الدولة، وغياب التعامل الأكاديمي المتخصص في إدارة المعلومات وتحليلها، فضلاً عن غياب أي مؤشرات للطموح السياسي عملياً أو في مساحة تطوير الفكر السياسي أو التنظير له.
وبدلاً من أن تقوم الجماعة بإخراج الشعب المصري من حالة الفقر وتراجع مستوى المعيشة إلى التطوير والتقدم الحضاري والتقني والتنوع الثقافي والفني قامت بتدمير الهوية، تحت مسمى (النهضة)، وقامت بمواجهة مع سائر مؤسسات الدولة، لاسيما القضاء والجيش بمجرد وصولها للسلطة، ومنها قرار إعادة مجلس الشعب للعمل تحديا لحكم المحكمة الدستورية العليا، ومرورا بجولات الصراع على منصب النائب العام، ثم التحالف مع الجماعات الإرهابية لتخويف الشعب والقوى السياسية الموجودة فيه.
وبذكاء وحنكة أدرك الشعب المصري إخفاق الجماعة وأهدافها السياسية الحقيقية، وأنها لا تمتلك أي مشروعٍ، سوى تدمير تاريخ مصر الطويل ورصيدها الهائل الضخم؛ من ٥٠٠٠ سنة قضت منها ۳٠٠٠ عام وهى دولة ومملكة وإمبراطورية وتسود العالم القديم في أوج فترات قوتها وازدهارها، وفي عز فترات ضعفها وانهيارها كانت هي محور الدنيا القديمة والآخرون تابعين لها حتى فى فترات الاحتلال، وكانوا واقعين تحت تأثيرها الثقافى والحضارى، فخرج في الشوارع ليسقط حكم محمد مرسي في إدارة الدولة، وليعلن عن بدء مرحلة جديدة من إعادة الهوية الوطنية وبناء الدولة الجديدة.
عن "الوطن"