هكذا تعمل جماعة الإخوان داخل مصر

هكذا تعمل جماعة الإخوان داخل مصر

هكذا تعمل جماعة الإخوان داخل مصر


06/07/2024

منذ عام 2013 نجحت جمهورية مصر العربية في القضاء على تنظيم الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية ومصادرة أصولها وتفكيك بنيتها التحتية، وألقت القبض على القيادات البارزة في الجماعة، وتمّت محاكمتهم وإدانتهم في قضايا تتعلق بالعنف والإرهاب، ومعظمهم الآن في السجون، أو لقوا حتفهم أثناء مقاومة القوات الأمنية.

وبالنسبة إلى الأعضاء، فقد انحسرت أنشطتهم بشكل كبير، وتم تفريق خلاياهم وتفتيت تنظيمهم، والبعض منهم الذين لم يُقبض عليهم ما يزالون متخفين في مناطق نائية أو خارج البلاد. ولكن بشكل عام بقيت بعض الخلايا النائمة للإخوان لها تأثيراتها على الساحة السياسية أو الأمنية والاجتماعية في مصر.

وتنظيم الداخل يمثل نحو 90% من حجم الجماعة، كما أنّ قياداته ما تزال فاعلة ومسؤولة عن ملفات مهمة للإخوان، وهو ما ظهر في ثنايا الخلافات الأخيرة التي اندلعت بين "قيادة الخارج" (جبهتي لندن وإسطنبول)، وقد سعت كل جبهة منهما للفوز بدعم وتأييد من تبقى منهم في مصر.

وتحيط جماعة الإخوان تنظيم الداخل بهالة من السرّية، وتتكتم بشكل كامل على أنشطته، لكنّ وثائق ومعلومات حصلت عليها (العين الإخبارية) من عدة مصادر قيادية داخل الإخوان أماطت اللثام عن جزء من أسرار تنظيم الداخل المصري، الذي يوصف بأنّه التنظيم الأهم للإخوان في ظل حالة الانقسام التي تعيشها الجماعة.

وبحسب (العين الإخبارية)، فإنّ فكرة إنشاء قيادة إخوانية بديلة ترجع إلى ما قبل 30 حزيران (يونيو)، حين قرر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان إيفاد (2) من كبار قادة الجماعة، هما جمعة أمين عبد العزيز، نائب المرشد آنذاك (توفي 2015)، ومحمود حسين أمين عام الجماعة وعضو مكتب الإرشاد (القائم بأعمال المرشد- جبهة إسطنبول حالياً) إلى خارج مصر ليعملا كحلقتي وصل بين تنظيم الإخوان في الخارج والداخل، في حال أطيح بالجماعة من الحكم، وهو ما تم بالفعل بعد ذلك.

وقد ابتعد تنظيم الإخوان داخل مصر عن الأضواء منذ عام 2017، وحرصت قيادة الجماعة في الخارج على تجنب الإشارة إليه بأيّ صورة من الصور، إلا أنّ الجبهتين المنقسمتين (لندن وإسطنبول) عملتا على استدعائه للواجهة مرة أخرى، باعتبار أنّ كسب تأييده يُعدّ المصدر الأهم للشرعية التنظيمية، لا سيّما أنّه يمثل الثقل الأكبر للجماعة.

وتدير لجنة إدارية مؤقتة شؤون تنظيم الإخوان في داخل مصر، وهذه اللجنة جرى انتخاب أعضائها بوساطة أعضاء مجلس الشورى العام الذين يتواجد نحو 60% منهم داخل مصر، خلال اجتماع سرّي سابق عقدوه، وفق (العين الإخبارية).

وتضم اللجنة الإدارية (7) أعضاء اختيروا من المكاتب الإدارية بالمحافظات ومجلس الشورى العام، كما أنّ أعضاء اللجنة الإدارية هم أعضاء بصفتهم في "الهيئة الإدارية العليا" التي أنشئت كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد أواخر العام الماضي.

 

جماعة الإخوان تحيط تنظيم الداخل، الذي يوصف بأنّه الأهم في الجماعة، بهالة من السرّية وتتكتم بشكل كامل على أنشطته.

 

ونتيجة الظروف الأمنية التي تعيشها الجماعة في مصر؛ وضعت آلية لاستبدال أعضاء اللجنة الإدارية الذين تطرأ لهم ظروف تحول دون أدائهم مهام عملهم، كأن يتم إلقاء القبض عليهم أو يمرّون بظروف صحية تمنعهم من مواصلة العمل، وهذه الآلية هي التمرير، بمعنى أن يُصاغ قرار التنظيم من رئيس اللجنة ونائبه، ويرسل إلى بقية أعضاء اللجنة وأعضاء مجلس الشورى العام لاعتماده.

وبحسب مسؤول سابق بالمكتب السياسي لجماعة الإخوان، فإنّ اللجنة الإدارية لا تضطلع وحدها بمهام إدارة شؤون الجماعة في الداخل، بل يعاونها مجلس الشورى العام، لأنّ الجماعة تُدار عبر خطين قياديين".

وأضاف المسؤول أنّ الخط الأول هو المكاتب الإدارية التي تعمل حالياً بالتنسيق مع اللجنة الإدارية في الداخل، أمّا الخط الثاني، فهو مجلس الشورى العام ومجالس شورى المحافظات، ففي حال ألقي القبض على مسؤول أو أكثر من اللجنة الإدارية، يتم تصعيد عضو بمجلس الشورى العام ليحلّ محله، بعد موافقة المجلس، وبالمثل في حالة المكاتب الإدارية في المحافظات، فإذا ألقي القبض على عضو بالمكتب الإداري، فإنّ عضو مجلس شورى المحافظة يتولى مهامه في الحال، ودون الحاجة لاعتماد مجلس الشورى العام، بل يتم الاكتفاء باعتماد غالبية أعضاء مجلس شورى المحافظة مع إخطار مجلس الشورى العام.

وأوضح المسؤول السابق بالمكتب السياسي للإخوان أنّ هذه الطريقة تضمن أن يستمر العمل في ظل الظروف الاستثنائية والملاحقة الأمنية المستمرة لكوادر الجماعة في مصر.

وبحسب مصدر قيادي بجماعة الإخوان يقيم في تركيا، فإنّ عدد أعضاء مجلس الشورى العام حاليّاً نحو (74) عضواً فقط، وليس كما أعلن بعض كوادر الجماعة في تركيا من أنّهم وصلوا إلى (122)، موضحاً أنّ الأعضاء الحاليين سبق انتخابهم لشغل عضوية المجلس، وانتهت المدة القانونية لوجودهم في مناصبهم، والتي تحددها اللائحة الداخلية للجماعة، لكنّهم استمروا في أداء الأعمال الموكلة إليهم؛ بسبب عدم وجود إمكانية لعقد انتخابات تنظيمية في الوقت الراهن.

وأشار المصدر القيادي بجماعة الإخوان لـ (العين الإخبارية) إلى أنّ مجلس الشورى العام ينعقد على فترات متباعدة، وفي مناطق مختلفة؛ بمعنى أنّه لا يحدث اجتماع لكل الأعضاء دفعة واحدة، وإنّما تجتمع مجموعات متفرقة، ويتم دمج ما توافقوا عليه في محضر اجتماع واحد بوساطة "سكرتارية المجلس"، التي تقوم أيضاً بإعداد جداول الأعمال لمناقشتها، وأضاف المصدر أنّه اجتمع، منذ فض اعتصام رابعة، في أعوام 2014، و2015، و2016، و2018، و2020، و2021، و2022.

ووفق القيادي الإخواني، فإنّ الاجتماعات الأخيرة عقدت في خضم الخلافات بين جبهتي لندن وإسطنبول، ومنها سلسلة اجتماعات آخرها كان في كانون الأول (ديسمبر) 2022، لمناقشة إنشاء الهيئة الإدارية العليا التي تقوم بمهام مكتب الإرشاد.

 

تنظيم الداخل يمثل نحو 90% من حجم الجماعة، كما أنّ قياداته ما تزال فاعلة ومسؤولة عن ملفات مهمة للإخوان.

 

ويتواصل تنظيم الإخوان في الداخل والخارج عن طريق قنوات اتصال خاصة، يتم من خلالها نقل الرسائل والتوجيهات التنظيمية، ويتحكم القائم بأعمال مرشد الإخوان، جبهة إسطنبول محمود حسين في قناة الاتصال الرئيسية، أمّا جبهة لندن، فقد نجحت في الاتصال بعدد من كوادر الداخل في مرحلة إبراهيم منير، ثم قررت فك الارتباط بين الداخل والخارج. 

وعلى صعيد طرق التواصل بين عموم أفراد الجماعة وبعضهم البعض، أو بين أعضاء الجماعة ومسؤوليها، اتخذ كوادر الإخوان في داخل مصر عدداً من الإجراءات الاحترازية، بحسب عضو منتظم في صفوف الجماعة، وهذه الإجراءات تشمل منع التواصل الهاتفي بين الأعضاء، وحتى منع الاحتفاظ بأرقام مسؤولي الشُعَب أو المكاتب على الهواتف، خشية أن يتم القبض على أيٍّ من الأعضاء، ومن ثم يقود ذلك إلى القبض على المسؤولين المكلفين بالمهام التنظيمية.

وفي الحالات الاعتيادية، يتواصل أعضاء الإخوان عبر برامج اتصال مشفرة (تليغرام، وسيجنال، وثيرما) ومن خلال هذه البرامج أيضاً يحصلون على البرامج التربوية المقررة على "الأسر التنظيمية"، والتي لم تختلف كثيراً عن المقررات التي كان يدرسها أعضاء الجماعة في مراحل الانتساب المختلفة (محب، منتسب، منتظم، عامل).

أمّا في الحالات الاستثنائية، فيتم التواصل بين كوادر الإخوان بطريقتين؛ وهما: برامج الاتصال المشفرة، أو عن طريق "المراسلين" أو السعاة الذين ينقلون الرسائل بشكل شفهي وينتقلون من منطقة إلى أخرى ومن شعبة إلى أخرى، وهذه الطريقة تضمن أن يتم نقل الرسائل دون أن يتمّ تعقبها بالوسائل التقنية الحديثة.

إلى ذلك، أجرت قيادة الإخوان في الداخل سلسلة من التغييرات الإدارية، فصعدت عدداً من المسؤولين الجدد للشعب والمناطق والمكاتب الإدارية، لكنّها ألزمتهم بضرورة وقف الأنشطة الدورية، وعدم تنظيم اجتماعات أو لقاءات فعلية، لكي لا يتمّ رصد أعضاء الجماعة من قبل الأجهزة الأمنية، والاكتفاء بالعمل وفق التوجيهات التي تصدر لهم.   

وتركز قيادة الإخوان في الداخل على ما يُعرف بملف الإعاشة، ويعني الرعاية الاجتماعية لأسر سجناء الجماعة، ويدار هذا الملف بصورة مناطقية، بالتنسيق مع اللجنة الإدارية في الداخل والهيئة الإدارية العليا في الخارج.

 

حرصت قيادة الجماعة في الخارج على تجنب الإشارة بأيّ صورة من الصور إلى تنظيم الداخل.

 

ويتولى مسؤولون بكل مكتب إداري في المحافظات المصرية الإشراف على عمليات إيصال الأموال لأعضاء وأسر الإخوان، وهذه الأموال تنقل بأكثر من طريق لضمان ألّا يتم تعقبها، ومن أبرز هذه الطرق نظام الحوالة، غير الرسمي، الذي تنقل بوساطته الأموال بين الخارج والداخل، وأيضاً عن طريق بعض الوسطاء الذين يعملون في أنشطة تجارية مختلفة، ويقومون بنقل أموال الجماعة مقابل نسبة معينة.

وبحسب مصدر قيادي داخل الإخوان، فإنّ الجماعة تحتاط إلى أكبر حدٍّ ممكن في عمليات تحويل الأموال التي تتم غالباً عن طريق وسطاء، حتى لا يتم رصدها من قبل الأجهزة الأمنية، لافتاً إلى أنّه في بعض الحالات حولت الجماعة أموالاً عن طريق وسطاء مسيحيين، ليكون ذلك أدعى لعدم إثارة الشبهات، وحتى تضمن جماعة الإخوان أنّ هذه الأموال لن يتم تعقبها من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة.

وذكر المصدر القيادي أنّ ملف الإعاشة هو الملف الأكثر سرّية وحساسية، في آنٍ واحد، مضيفاً أنّ العديد من الكوادر الإخوانية الذين عملوا في هذا الملف تمّ القبض عليهم، واكتشفت الأجهزة الأمنية جزءاً من الشبكة المالية للجماعة عن طريق المعلومات التي حصلت عليها منهم، وهو ما دفع الجماعة إلى تغيير أساليبها المعهودة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية