غزة تحت احتلالين

غزة تحت احتلالين

غزة تحت احتلالين


13/05/2024

فتحي أحمد

في زمننا الراهن، وطالما الحرب في غزة مستعرة، لا أحد ينكر أن قطاع غزة مازال في وضع لا يحسد عليه. مشاهد الدمار، ورائحة دم في كل ركن وزاوية. قطاع أصبح مدينة أشباح طريق الوصول إليه من الشمال إلى الجنوب محفوف بالمخاطر، لقد قسم من وسطه، وقطعت أوصاله شر تقطيع، أناس جياع هناك، مستشفيات عطلت وأخرجت عن الخدمة، كل ذلك مردّه احتلال ما فتئ يتربص بنا الدوائر.

مقابل الرصيف البحري الذي أقامته الولايات المتحدة على شاطئ المتوسط قصة احتلال أخرى، حتى اللحظة لم يعرف المراد منه، لكن الحجة الأميركية أنه أنشئ من أجل تقديم المساعدات لسكان غزة، أما معبر رفح فحدث ولا حرج؛ فعندما اجتاحت إسرائيل المعبر قبل عدة أيام ورفعت العلم الإسرائيلي بدل العلم الفلسطيني كانت نيتها المبيتة هي الوصول إلى أهم نقطة عبور بين مصر والقطاع.

غزة لم تعد غزة التي كانت عليها قبل 7 أكتوبر الماضي، والنيات الشريرة لم تكن سرية في هذه الحرب؛ فالمخططات الإسرائيلية تهدف إلى تمكين المستوطنين من إعادة البناء في القطاع، وعدم قدرة الفصائل الفلسطينية على بناء نفسها كما كانت من قبل. ثمة ما يبعث على الريبة، فهذا المخطط سوف يجلب إلى سكان القطاع نتائج عكسية.

لقد أطلقت شرارة 7 أكتوبر من أجل المسرى والأسرى، ولم تعد القضية قضية القدس. ترك الأقصى ليعيث فيه المستوطنون خرابا ودمارا، واستباحوه بعد طوفان الأقصى بشكل كبير. للأسف تمسكت حماس بورقة الأسرى وتركت الأقصى، حتى خطاباتها تخلو من المطالبة بوقف الاقتحامات المتكررة له، المهم جدول زمني للانسحاب من قطاع غزة الذي وقع تحت احتلالين، وعودة تدفق المساعدات، وإعادة الإعمار.

المستجد في موقف حماس هو أنها لا تمانع في وجود السلطة الوطنية لإدارة القطاع وإعادة الإعمار، هنا تكمن المصلحة لأنها تعرف أن العالم لن يقدم دولارا واحدا لغزة ما دامت حماس تحكم هناك.

وسط التطورات الجديدة في الاشتباك الفلسطيني – الإسرائيلي، ما من شك أن حماس اليوم تفاوض من أجل الأسرى، فالخلاف الموجود على الطاولة يتمثل في أن إسرائيل تريد إخراج المحكومين بالمؤبد إلى خارج الضفة الغربية نحو غزة والخارج، بينما تصر حماس على خروجهم إلى مناطق سكناهم. ربما هذه المسألة تطول، وتكون إسرائيل قد أجهزت على أهل غزة، وارتكبت المجازر كما حصل في شمال القطاع ووسطه.

إذًا، إسرائيل تلعب في الوقت بدل الضائع، وتعرف كيف تستغل المفاوضات الجارية في القاهرة لصالحها فهي معركة وجود في نظرها. ولا يزال بنيامين نتنياهو يكرر “إن أحدا لن يمنع إسرائيل من الدفاع عن نفسها. وإذا كان يجب أن تبقى وحدها، فهي ستبقى وحدها”، وهذا غير ممكن.

ما إن أعلنت حماس عن قبول الورقة المصرية – القطرية حتى خرج البعض يقول إن نتنياهو في ورطة. ولم تقرأ حماس المزاج الإسرائيلي بشكل جاد ودقيق، فسرعان ما عمل نتنياهو على قلب الطاولة، وتحجج كعادته ببعض البنود التي لم تطرح أصلا. وهذا كان متوقعا. ولكن ما لم يتوقعه البعض هو لماذا يعمل نتنياهو على إطالة أمد الحرب؟

البعض يقول إن الخوف من المحاكمة في حال انهارت حكومته هو السبب الرئيسي في الموضوع. وهذا صحيح، ولكن ربما يعول رئيس وزراء إسرائيل على إفرازات الانتخابات الأميركية القادمة، فهو يتطلع إلى دونالد ترامب كحليف قوي لإسرائيل. وفعلا تعتبر فترة إدارته ذروة أمجاد الدعم الأميركي لإسرائيل سياسيا وأمنيا.

انتقد الرئيس الأميركي الجمهوري السابق ترامب في مقابلة الخميس منافسه الديمقراطي الرئيس جو بايدن بسبب تلويحه بوقف شحنات الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي مؤقتًا إذا غزا جيشه مدينة رفح. وقال ترامب إنه “لن يفعل ما فعله بايدن”. وأضاف “إذا كنت شخصًا يهوديّا، فلا تصوّت لصالح بايدن لأنك تؤلمني حقًا. لقد ذهب إلى الجانب الآخر تمامًا الآن، لقد رحل، لقد أسقط إسرائيل”. وتابع “إذا كنت يهوديًا، وصوّت له، فأنا أقول عار عليك”.

ورغم الكثير الذي يقال عن الأهداف في العلن، فإن كلاما آخر يقال همسا.

لا يبدو انفكاك إسرائيل عن قطاع غزة قريبا ضمن المعطيات على الأرض، فهي ماضية في تحقيق أجندتها هناك، ويبقى التلويح الأميركي بوقف الدعم العسكري مجرد استهلاك إعلامي فقط. فرغم إعلان بايدن وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل إلا أن نتنياهو قالها بصريح العبارة سوف نقاتل لوحدنا بأظافرنا، وبما لدينا من سلاح؛ هذا يشي بشيء واحد هو أن إسرائيل ماضية في تحقيق ما تريده في القطاع، تريد محور فيلادلفيا، وتقنع الولايات المتحدة بذلك، ولا تمانع في أن تسيطر الولايات المتحدة على المعبر، هي لا تريد أي طرف فلسطيني هناك.

شكل المرحلة القادمة غير واضح المعالم؛ هنالك تخبط سياسي عالمي في ظل تعنت إسرائيل وعدم اكتراثها بالعالم، لقد أدارت ظهرها لزعماء العالم أجمع، تريد الكثير، لكنها في المقابل لا تريد أن تقدم أي شيء.

في ظني أن الأمور ضبابية، ولم تنقشع غمامة الحرب بعد، والخاسر الوحيد أهل غزة. وهذا يذكرنا بما قاله محمود درويش “لا أدري من باع الوطن، ولكن أعرف من دفع الثمن”.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية