
محمد صلاح
يمثل تاريخ 25 كانون الثاني (يناير) بالنسبة لعناصر تنظيم "الإخوان" الإرهابي في العالم كله ذكرى اليوم الذي داعب أحلام الجماعة وخططها، على مدى عقود، في الخروج من الكمون إلى التمكين، بعكس يوم 30 حزيران (يونيو) ذكرى ثورة الشعب المصري ضد حكم الجماعة، عندما ظهر للعالم أن محنة الإخوان ليست مع الأنظمة الحاكمة والحكومات، بل مع شعوب تعرضت للأذى من حكم ذلك التنظيم الإرهابي وتاريخه الدموي وتحالفاته مع أعداء الوطن ورغبته في القضاء على كل من تصدى لمؤامرات التنظيم أو شجع الثورة على حكمه لمصر.
وبينما يسعى "الإخوان"، وكل الجهات التي تناصرهم، إلى استغلال مناسبة ذكرى تفجر "الربيع العربي" الذي قادهم إلى حكم مصر، وتحويلها إلى مناسبة لغسل سمعة الجماعة والحديث عن إنجازاتها والمؤامرات التي عطلت تنفيذ تلك الإنجازات ومنعت صعود الإخوان إلى القمة وصعدت بهم إلى الهاوية! فإنهم يستغلون الشهر الأول من كل عام لترويج مزاعم، هدفها الرئيس الحفاظ على التنظيم ومنع انهياره بتجييش منصات الجماعة وقنواتها لإقناع الأعضاء بأن الحكم في مصر "يترنح"، وأن عودة "الإخوان" إلى واجهة المسرح السياسي باتت قريبة.
تعوّد المصريون على انتهاز "الإخوان" فرصة ذكرى (يناير) للإساءة إلى الحكم ومؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، ولم يتوقف الإخوان منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عن التحريض ضد الجيش المصري من دون أن يدركوا أن أسلوبهم يزيد من ارتباط الشعب بالجيش ويوسع الهوة السحيقة ما بين التنظيم وفئات الشعب، فالجيش في مصر لا يمثل طبقة أو فئة أو طائفة أو قبيلة أو ديانة بعينها، بل هو خليط من المصريين المسلمين والأقباط، من الأغنياء والفقراء، المتعلمين والأميين، المتطوعين والمجندين. ومن أهم ما كشفته مسألة سقوط شهداء من أبنائه في المواجهات مع الإرهابيين وجوه أهاليهم أثناء الجنازات، إذ تبين مع كل حدث كهذا أنهم لا ينتمون إلى محافظة واحدة بل كل محافظات مصر، وأن غالبية الشهداء من الضباط هم أبناء الفلاحين والعمال البسطاء.
أكثر ما جعل المصريين يطمئنون إلى استحالة تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ثقتهم في قوة جيشهم وقدراته العالية في التصدي لمخطط كهذا، بينما تأتي ذكرى ما يعتبره "الإخوان" وحلفاؤهم ثورة والمشهد السياسي في مصر صار من دون إخوان، فهم انقسموا وتشتتوا وفر قادتهم إلى خارج مصر، ورغم الخلافات التي ضربتهم إلا أنهم حريصون على بقاء التنظيم، ولو منقسماً، ربما لإقناع الراعي بضرورة استمراره في تقديم الدعم وحماية القادة خارج مصر.
وفي سبيل ذلك، فإن عناصر ذلك التنظيم المشتت واصلوا محاولات الهدم ونشر الفوضى والخراب ودعم الإرهاب، وإشاعة الطاقة السلبية بين المصريين والسخرية من كل إنجاز يتحقق داخل البلاد والوقيعة بين مصر وكل دولة عربية، أو حتى غربية، تساند مصر أو تتعاون مع المصريين، بينما كل إخونجي يركز يومياً على كل ما هو سلبي من دون إدراك أن المصريين كشفوا أكاذيب "الإخوان" وكيفية نشرها واستخدام الغش والخداع في تحريك الناس، وإسقاط الأنظمة وتفتيت المجتمعات وتوزيع الكآبة كل يوم على البشر، وتشويه كل إنجاز إلى درجة تجعل كل إخواني غير مصري مثلاً مهتماً للغاية بتقلبات الدولار وأزمات السكر وأداء محمد صلاح مع المنتخب وأسعار البصل!
أما قوى المعارضة الأخرى، بمختلف أطيافها السياسية، فأكثر الجهات التي تعرضت للضرر والشتات والتشرذم، فجزء من المعارضة رضي بأن تمتطيه "جماعة الإخوان المسلمين" وصار ينفذ توجهات الجماعة ويسعى إلى تحقيق أهدافها، وبعض رموز هذا الفريق رحل إلى دول أخرى وتحالف مع الأشخاص والجهات نفسها التي تدعم وتمول وتحرض. هناك قسم آخر سعى إلى تفادي الوقوع في أخطاء الإخوان ونأى بنفسه عن التورط في تأييد الجماعة أو السير في طريقها، واختار أن يعارض الحكم من دون أن يهدم الدولة، لكنه يتضرر بفعل محاولات "الإخوان" والجهات التي تدعم الجماعة ركوب موجة كل معضلة أو مشكلة أو أزمة أو قضية محل خلاف داخل مصر، إذ إن الناس بمجرد أن يلاحظوا تكالب "الإخوان" على استثمار هذه الأزمة أو تلك، أو دعوا إلى تظاهرة أو إضراب أو اعتصام ينتفضون للتصدي لأفعال الجماعة ومؤامراتها، فتصبح قوى المعارضة الأخرى في المربع نفسه مع "الإخوان".
نحو مليون شاب يلتحقون كل سنة بالجيش والشرطة مجندين، ما يعكس حجم الجيش وقوة الأمن (أعداد من المجندين بحسب قانون الخدمة الوطنية العسكرية الإلزامية يلتحقون بقوات الأمن المركزي التابعة لجهاز الشرطة ووزارة الداخلية)، علماً بأن قوة الاحتياط بالنسبة للجيش تتجاوز الخمسة ملايين شخص، يمكن استدعاؤهم إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. ولأن متوسط عدد أفراد الأسرة في مصر يبلغ خمسة، فإنك ستدرك أن نحو ثلث المصريين مرتبطون بالجيش عائلياً، ناهيك بالطبع عن الملايين الأخرى ممن انتهت العلاقة العائلية لهم بالجيش، لكن بقيت صلات أخرى أهمها الولاء والتقدير.
هناك أسباب عملية جعلت المصريين يفخرون بجيشهم كالانتصار في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وحفاظه على كيان الدولة بعد ثورة تموز (يوليو) في مواجهة الاستعمار، وتصديه لمحاولة تقسيم الوطن بعد وصول "الإخوان" إلى الحكم ونزعه منهم.
حكم "الإخوان" مصر لمدة سنة كاملة، ما خلق حالة انتعاش لدى التنظيمات الإرهابية، فرسمت أحلاماً بالتوسع والزحف من مصر لتحكم باقي الدول العربية، ضاعت وانقلبت كوابيس بفعل ثورة الشعب المصري ضد الجماعة، فكان رد فعل الإرهاب مدعوماً بقوى محلية وإقليمية ودولية محاولات لإنهاك الدولة المصرية ومؤسساتها السياسية لتسجيل حضور في المشهد بعدما خُلعت عن مقاعد الحكم.
نعم تعرض "الإخوان" لهزيمة كبرى في مصر لكن التنظيم لم ينته وأصبح له جناح طابور خامس في الداخل ومنصات إعلامية في الخارج، ومع ذلك فالحياة تسير في مصر طبيعية، والمصريون طووا صفحة "الإخوان" واعتبروها مجرد ماضٍ ويتعاطون مع آثار حكم الجماعة وتداعيات الربيع العربي كمنغصات حياة لا يمكن أن توقف سعيهم إلى علاج أمراض الاقتصاد وتحقيق التنمية، وإنجاز مشروعات كبرى بعدما استقر البلد.
نعم اندحر "داعش" في مصر، لكن التنظيم تناثر في دول أخرى، وتداخل وتعاون ونسق مع تنظيمات إرهابية أخرى، أما الناس في مصر، فلا يفرقون بين "الإخوان" و"داعش" و"القاعدة"، فكلها جماعات وتنظيمات في سلة الإرهاب، هدفها إسقاط الدولة... والانتقام من الشعب.
عن "النهار" العربي