
زياد الأشقر
تشكل الضربة الأولى التي قادتها الولايات المتحدة ضد ميليشيا الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، علامة فارقة أخرى في سلسلة من الإخفاقات في السياسات الغربية في الشرق الأوسط، وأهمها الفشل في حل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
فرض عقوبات على طهران ونبذها وتهديدها لم ينجح
وكتب سايمون تيسدال في صحيفة "غارديان" البريطانية، أن اضطرار الولايات المتحدة مدعومة ببريطانيا، إلى استخدام القوة رداً على هجمات الحوثيين على طرق الملاحة البحرية تعكس حقيقة غير مستساغة، ألا وهي أن الرافعة السياسية للولايات المتحدة آخذة في الوهن، وسلطتها باتت مزدراة. وتوعد الحوثيون مواصلة الهجمات.
مكانة إيران
ويرى تيسدال أن هذا التصعيد المشحون والمفتوح يسلط الضوء على حقيقة أخرى غير مرحب بها، وهي أن الولايات المتحدة لم تعد القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، بل إنها إيران، الحليف الرئيسي للحوثيين.
من السهل الحديث عن الفائزين والخاسرين وسط المذبحة الرهيبة في غزة التي يقول الحوثيون إنها أثارت حملتهم. ومع ذلك، فمن الناحية الاستراتيجية، من الواضح من سيتقدم في هذه الأزمة. من خلال القتال بالوكالة، يتم تعزيز مكانة إيران من خلال كل ضحية فلسطينية، وصواريخ حزب الله، والقصف العراقي والسوري، والطائرات من دون طيار الحوثية.
عمل الرئيس الأمريكي جو بايدن على تنفير الرأي العام العالمي (والكثير من الأمريكيين)، من خلال التعهد المتهور بتقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل بعد الفظائع التي ارتكبتها حماس واستخدام حق النقض ضد خطط الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار. وتبدو سياسته في الشرق الأوسط قديمة وبعيدة عن الواقع. لقد تم التسامح مع الولايات المتحدة، التي لم تحظَ بأي شعبية على الإطلاق في العالم العربي، باعتبارها شراً لا بد منه. لكن ليس بعد الآن. إيران غير العربية هي في مقعد القيادة الآن.
تنبيه استراتيجي
وتلقت إسرائيل أيضاً منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) تنبيهاً استراتيجياً، لكن لا يزال سياسيوها الأكثر تشدداً لا يفهمونه. لقد غيرت فظائع غزة إلى الأبد، ونحو الأسوأ، النظرة إلى إسرائيل- تشهد على ذلك المحاكمة بتهمة ارتكاب الإبادة في لاهاي.
وصرح السفير السعودي لدى لندن خالد بن بندر الأسبوع الماضي، أن الدولة اليهودية لا يتعين بعد الآن معاملتها كحالة خاصة.
ويشكل هذا مادة دسمة للنظام الإيراني العدواني والاستبدادي. ولدى رجال الملالي ثلاثة مبادئ في السياسة الخارجية: إخراج الولايات المتحدة، الخصم الشيطاني لثورة 1979، من الشرق الأوسط، والحفاظ على النفوذ الإقليمي، وتقوية التحالفين الرئيسيين مع الصين وروسيا. ويأتي تدمير إسرائيل، واقعياً أو خطابياً، في المرتبة الرابعة.
وتعمل شبكة ميليشيات إيران- "محور المقاومة"- على مسافات بعيدة. وتختلف الآراء عما إذا كان الحوثيون، على سبيل المثال، الذين دربتهم وسلحتهم طهران، يتبعون إملاءاتها. ويعتقد بعض المحللين أن إيران تفتقر إلى السيطرة على وكلائها اليمنيين. ويصر حزب الله في لبنان، أيضاً، على أنه يعمل باستقلالية.
ائتلاف الراغبين
وعندما يضاف إلى ذلك حماس في غزة، والفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية والميليشيات التي تتمركز في سوريا والعراق، فيتضح أن إيران قد جمعت ائتلافاً من الراغبين تتحكم فيه عن بعد، في مواجهة الولايات المتحدة. إن القصف الأمريكي لقواعد الحوثيين، بدل العمل من أجل الدفع إلى وقف للنار في الحرب الأهلية اليمنية، لن يغير هذه الحقيقة. بل على الأرجح سيغذي سردية المقاومة المناهضة للغرب ولإسرائيل في أنحاء المنطقة.
الصين وروسيا هما الصديقان الأفضل لإيران. وساهم هذا الأمر، أكثر من أي عامل آخر، في التحول في مصير إيران، وجعلها قوة يمكن الركون إليها. وكان غزو أوكرانيا، وقبله اتفاق التعاون "بلا حدود" الروسي-الصيني، الحافز لهذا التحول.
إن الحرب وتفرعاتها بلورت الاعتقاد الموجود أصلاً حول أن القيادة العالمية للولايات المتحدة هي في تراجع بعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بحيث إن النظام الذي تشرف عليه واشنطن عبر البحار، كان قابلاً للتخريب والاستبدال.
وفوق كل ذلك، يأتي البرنامج النووي الإيراني المحظور المتعلق بتخصيب اليورانيوم والذي يقال إنه يتقدم بسرعة- وهو هدف خاص، يعزى إلى تدمير ترامب اتفاق مكافحة الانتشار النووي المدعوم من الأمم المتحدة لعام 2015. وكان بايدن يأمل في إحياء الاتفاق، لكنه تراجع. وليست روسيا والصين على الحياد. وربما بات الكابوس الأسوأ لإسرائيل وهو القنبلة الإيرانية، أقرب من أي وقت مضى.
وخلص الكاتب إلى أن فرض عقوبات على طهران ونبذها وتهديدها لم ينجح. وتواجه الولايات المتحدة وبريطانيا ــ وإسرائيل ــ خصماً هائلاً، وهو جزء من تحالف عالمي ثلاثي تدعمه ميليشيات قوية وقوة اقتصادية. وهناك حاجة ماسة إلى نهج دبلوماسي جديد إذا أردنا تجنب صراع أوسع نطاقاً.
عن موقع "24"