فرنسا تستعيد عدداً من نساء وأطفال داعش.. لماذا غيرت باريس سياستها؟

فرنسا تستعيد عدداً من نساء وأطفال داعش.. لماذا غيرت باريس سياستها؟


16/07/2022

يبدو أنّ فرنسا غيرت سياستها في التعامل مع مواطنيها من فلول تنظيم داعش المحتجزين في مخيمات في مناطق شمال شرقي سوريا، فبعد أعوام من الرفض القاطع لإعادتهم أو استضافتهم، تحديداً النساء والأطفال، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، الثلاثاء الماضي، إعادة 35 قاصراً و16 والدة كانوا يعيشون في المخيمات السورية منذ سقوط آخر معقل للتنظيم في سوريا.

الخارجية الفرنسية قالت، في بيان الثلاثاء، إنّ "فرنسا أعادت 35 قاصراً فرنسياً كانوا في مخيمات بشمال شرقي سوريا إلى أراضيها. وتشمل هذه العملية أيضاً إعادة 16 والدة من المخيمات نفسها"، مشيرة إلى أنّ الوالدات سُلّمن إلى السلطات القضائية فيما سُلّم القصّر إلى خدمات رعاية الأطفال".

وكانت آخر عملية إعادة قامت بها باريس في عام 2016، عندما سمحت لـ (126) طفلاً من عوائل التنظيم بالعودة إلى الأراضي الفرنسية، فيما أوردت تقارير حديثة للأمم المتحدة أنّ عدد الأطفال من أصل فرنسي في المخيمات قد بلغ (200) طفل، فضلاً عن (80) والدة. 

ورحبت عدة منظمات وجمعيات معنية بالقرار الفرنسي، فيما أعربت "جمعية العائلات الموحدة" التي تجمع عائلات فرنسيين غادروا للقتال في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا، عن "أملها" في أن تكون عملية الإعادة الأخيرة "مؤشراً على نهاية هذه السياسة البغيضة القائمة على مراجعة (كل حالة بحالتها)، والتي تؤدي إلى فصل الإخوة وإبعاد الأطفال عن أمهاتهم"، بحسب بيان نشره موقع "إندبندنت عربية". 

عودة أخطر الجهاديات الفرنسيات

ووفق تقرير نشره موقع "دويتشه فيله" الألماني، شملت عملية الإعادة للنساء اللائي تتراوح أعمارهن بين (29-32) عاماً، إيميلي كونيغ المعروفة بـ"عروس داعش" وهي إحدى أشهر الجهاديات الفرنسيات. فبعد اتهامها بالتجنيد لصالح تنظيم داعش والدعوة إلى شنّ هجمات في الغرب، وضعتها الأمم المتحدة على قائمتها السوداء لأخطر المقاتلين.

فرنسا أعادت 35 قاصراً فرنسياً كانوا في مخيمات بشمال شرقي سوريا إلى أراضيها

وكانت إيميلي، وهي ابنة لعسكري فرنسي، قد ظهرت في فيديو دعائي عام 2013، وهي تدرب على حمل السلاح، ودعت لتنفيذ عمليات في دول غربية، ثم تم القبض عليها عام 2017، في منطقة الشدادي في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، خلال معارك بين القوات الكردية وتنظيم داعش الإرهابي، وأدرجتها الأمم المتحدة على لائحتها السوداء للمقاتلين الأكثر خطورة، ثم الولايات المتحدة على لائحتها للمقاتلين الأجانب الإرهابيين. 

وتخضع كونيغ ومعها (7) نساء أخريات للمحاكمة أمام القضاء الفرنسي بتهمة الانتماء لجمعية إرهابية، وتم وضعهن قيد التوقيف الاحتياطي.

لماذا غيّرت فرنسا سياستها؟ 

اضطرت فرنسا لتغيير سياستها نتيجة الضغوط المتزايدة على الحكومة من جانب المنظمات الحقوقية والخبراء الأمنيين الذين أوصوا بضرورة إعادة كافة النساء والأطفال من عوائل التنظيم إلى البلاد، مع ضرورة محاكمتهن باعتبارهن مسؤولات عن ارتكاب جرائم فترة انضمامهن للتنظيم، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز". 

 شملت عملية الإعادة للنساء اللائي تتراوح أعمارهن بين (29-32) عاماً، إيميلي كونيغ المعروفة بـ"عروس داعش" وهي إحدى أشهر الجهاديات الفرنسيات

كما يرى المراقبون أيضاً، أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ستكون لديه قدرة على التحرك بحرية أكبر بخصوص السياسات الخارجية بعد أن تحرر من كافة الضغوط الانتخابية وبدأ فترة ولايته الثانية، خاصة أنّ قوى اليمين المتطرف، أحد أبرز التيارات المعارضة لماكرون، ترفض استعادة الفرنسيين من المخيمات وتعتبر الأمر تهديداً للأمن القومي. 

الدكتور جاسم محمد، الخبير الأمني ورئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، يرى أنّ قضية إعادة فلول تنظيم داعش الإرهابي، إلى بلادهم، هي قضية غاية في الخطورة والأهمية وطالما شغلت بال الحكومات الأوروبية، لبحث المخاطر المحتملة لهذا القرار والعمل على تهيئة البيئة الأمنية والاجتماعية لاستقبال هؤلاء واتخاذ الإجراءات اللازمة معهم سواء بالمحاكمات أو إعادة التأهيل والدمج المجتمعي. 

وفي تصريح لـ"حفريات" يقول محمد إنّ فرنسا ظلت لعدة أعوام مترددة في اتخاذ هذا القرار على عكس دول أوروبية أخرى كانت أكثر مرونة في السماح لمواطنيها بالعودة، ويرى أنّ هذا التردد كان نتيجة الضغوط السياسية التي يتعرض لها ماكرون ورفض القوى السياسية وفي مقدمتها اليمين المتطرف للقرار، بالإضافة لعوامل أخرى تتعلق بالتوتر السياسي والتراجع الاقتصادي في البلاد. 

 اضطرت فرنسا لتغيير سياستها نتيجة الضغوط المتزايدة على الحكومة من جانب المنظمات الحقوقية والخبراء الأمنيين الذين أوصوا بضرورة إعادة كافة النساء والأطفال من عوائل التنظيم

وبالحديث عن عودة الدواعش إلى فرنسا، يشير محمد إلى قضية أخرى خطيرة تتطلب معالجة حاسمة وشاملة، وهي القضية الخاصة بزيادة معدلات التطرف داخل البلاد، كما أوضحت تقارير سابقة أنّ نحو (25%) من الداعشيات الأوروبيات يحملن الجنسية الفرنسية وهو مؤشر خطير لابد أن تتعامل معه الحكومة وفق آليات محددة واستراتيجية واضحة. 

 ويرى محمد أنّ الأسباب في زيادة معدلات التطرف لهذا الحد تعود إلى عدة أسباب أبرزها تراخي الحكومة والسلطات في التعامل مع الجماعات المتطرفة، وخروجها عن مساحات السيطرة، ولعل أبرزها جماعة فرسان العزة والشريعة، التي كانت تنشط من قلب باريس وتقدم دعمها لتنظيم داعش بشكل مباشر. 

جاسم محمد: الدول الأوروبية تواجه أزمة حقيقية تتعلق بعودة مواطنيها من فلول تنظيم داعش وعليها تنفيذ برامج لمعالجة أسباب زيادة معدلات التطرف

ويشير الخبير الأمني والاستخباراتي إلى أهمية توافر برامج معالجة شاملة على المستوى الأمني والفكري لمعالجة أزمة نمو التطرف داخل فرنسا، وتنامي وانتشار الجماعات الإرهابية داخل المجتمعات الأوروبية بشكل عام باستغلال مساحات الحرية والتعددية، والعمل تحت شعارات دينية زائفة بغرض التجنيد وجمع التبرعات لتمويل العمليات الإرهابية بمختلف الدول.

من جانبها، قالت ليتا تايلر، باحثة أولى بمكافحة الإرهاب في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إنّ "أكثر من 1000 مواطن أوروبي أعيدوا إلى بلادهم منذ 2019، عندما فقد تنظيم داعش موطئ قدمه الأخير في سوريا". 

وحثت تايلر، بحسب تصريحات نقلها موقع "إرم نيوز"، فرنسا على إعادة جميع مواطنيها ومحاكمتهم حسب الاقتضاء. منوهة إلى أنه "من المؤكد أنه يمكن توفير الإجراءات القانونية الواجبة للنساء اللاتي قلن بالفعل إنهن على استعداد لقضاء عقوبة السجن إذا أُعدن إلى المنزل".

مواضيع ذات صلة:

تحذيرات أممية من تزايد مخاطر مخيم الهول في سوريا لهذه الأسباب

هل لهجوم داعش على مخيم الهول علاقة بالحرب في أوكرانيا؟

"برميل بارود جهادي": مخيم الهول يجدد مخاوف عودة داعش




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية