غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. الاقتصاد يتلقى ضربة جديدة بعودة تركيا إلى القائمة الرمادية

غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. الاقتصاد يتلقى ضربة جديدة بعودة تركيا إلى القائمة الرمادية


01/11/2021

ازداد المشهد الاقتصادي قتامة في تركيا، وسط عاصفة من الأزمات يتعرض لها الاقتصاد المُنهك بفعل سياسات حزب العدالة والتنمية، فبعدما وصل سعر صرف الليرة إلى 9.60 أمام الدولار الأمريكي عقب إعلان البنك المركزي التركي خفض أسعار الفائدة، ورفع توقعاته لمعدل التضخم بنهاية 2021 لتصل إلى 18.4 بالمائة، يواجه الاقتصاد التركي ضربة جديدة بوضع أنقرة على "القائمة الرمادية"، لتقاعسها عن التصدي لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، في قرار سيؤدي وفق مراقبين إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية في البلاد بشكل كبير.

ووضعت مجموعة العمل المالي الدولية "فاتف"، وهي هيئة رقابية دولية، الخميس الماضي، تركيا تحت المراقبة بسبب قصور في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مؤكدة في تقرير لها، أنه "منذ 2019، حققت تركيا بعض التقدم" في هذه المجالات، لكن "لا يزال هناك مشاكل جدية" بشأن وضع أنقرة كما أعلن رئيس المجموعة، ماركوس بليير، خلال مؤتمر صحافي معلناً عن وضع تركيا على "اللائحة الرمادية".

إدراج دولة ما على اللائحة الرمادية لـ "فاتف"، التي تضم 39 عضواً قد يُخلف تداعيات في مجال الاستثمارات الأجنبية في تلك الدولة من خلال المساس بصورتها

وشدد ماركوس بليير، رئيس الهيئة الدولية، خلال مؤتمره الصحافي على التقدم الذي حققته تركيا في القطاع المصرفي، وتجارة الأحجار الثمينة وكذلك قطاع العقارات.

وقال الخميس إنّ "الحكومة التركية تعهدت بمواصلة جهودها"، مضيفاً "أدعوها إلى تحويل هذه التعهدات إلى أفعال"، وأكد أنه "على تركيا أن تثبت تصدّيها بفاعليه لقضايا غسل أموال معقدة وأن تثبت تعقبها عمليات التمويل الإرهابية بالملاحقة القضائية، وأن تضع في أولويتها قضايا تتعلق بمنظمات صنفتها الأمم المتحدة على أنها إرهابية مثل "داعش" والقاعدة".

فيما اعتبرت أنقرة قرار مجموعة العمل المالي إخضاع تركيا للمراقبة، "قراراً غير عادل".

وقالت وزارة الخارجية التركية إنّ "إدراج بلادنا على اللائحة الرمادية قرار غير عادل"، لافتة إلى جهود تركيا في مكافحة الجرائم المالية.

المعارضة تؤكد

هذه الاتهامات لم تأت من الهيئة الدولية فحسب؛ إذ سبق ذكرها تحت قبة البرلمان التركي، في كلمة أدلت بها رئيسة حزب الخير ميرال أكشنر، وهو حزب قومي معارض، التي قالت إنّ الحكومة ستتعامل مع إدراج البلاد في القائمة الرمادية بطريقتها المعتادة وهي أنّ الأمر مؤامرة خارجية على تركيا من أجل التهرب من المسؤولية.

اقرأ أيضاً: الليرة التركية: قصّة سقوط حرّ

وأضافت أكشنر في كلمتها، أنه يجب أن نجيب على هذا السؤال "هل يوجد غسيل أموال في تركيا؟ نعم يوجد غسيل أموال في تركيا، والأمر الأكثر كارثية أن غسيل الأموال هذا يقوم به مسؤولون في الحكومة الحالية"، وفق ما أورد موقع "سكاي نيوز".

وتابعت أنه يمكن لأي شخص أن يقوم بغسيل الأموال بسهولة من خلال التقدم بطلب مراجعة سلامة الأصول والقيام بدفع عمولة 1 بالمائة على هذه الأصول دون التطرق إلى مصدر هذه الأموال وبالتالي يصبح الأمر قانونياً.

تعميق أزمة الاقتصاد التركي

وإدراج دولة ما على اللائحة الرمادية لـ "فاتف"، التي تضم 39 عضواً قد يُخلف تداعيات في مجال الاستثمارات الأجنبية في تلك الدولة من خلال المساس بصورتها.

وقد تؤدي إضافة تركيا إلى هذه القائمة لزيادة تراجع الاستثمارات الأجنبية بعد خروج المستثمرين في الأعوام القليلة الماضية والبيع السريع لليرة في الأسابيع الأخيرة.

الرئيس التركي يحاول العمل على تحسين الوضع الاقتصادي من أجل رفع تأييده في الشارع الذي يشهد تراجعاً بشكل مستمر في مقابل صعود أسهم المعارضة

وخلص بحث لصندوق النقد الدولي هذا العام إلى أنّ الإدراج في تلك القائمة يقلل تدفقات رؤوس الأموال بما تقدر نسبته بنحو 7.6 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي كما يؤثر سلباً أيضاً على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفق ما أورد "مرصد الشام".

وقال مسؤولون سابقون في وزارة الخزانة الأمريكية لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إنّ تصنيف مجموعة العمل المالي لتركيا "من المرجح أن يحفز على خروج الأموال من البلاد حيث تضطر البنوك والمستثمرون الأجانب الآخرون إلى إعادة تقييم عملياتهم".

المحلل التركي جودت كامل كشف أنّ هذا التصنيف سيزيد من معاناة الاقتصاد التركي الذي يعاني بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وخاصة في ظل التراجع المستمر لقيمة الليرة التركية، خاصة بعد قيام البنك المركزي التركي بخفض نسبة الفائدة.

 

اقرأ أيضاً: ما دور تركيا وقطر في إفشال لقاء مقديشو وصومالي لاند؟

وأضاف كامل لموقع "سكاي نيوز"، أنّ إخضاع تركيا للمراقبة على خلفية "قصور في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، سيؤثر بشكل كبير على تدفق الاستثمارات والأموال الأجنبية إلى البلاد وقد يساهم في هروب رؤوس الأموال".

وتابع أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول العمل على تحسين الوضع الاقتصادي من أجل رفع تأييده في الشارع الذي يشهد تراجعاً بشكل مستمر في مقابل صعود أسهم المعارضة.

ارتباطات بالإرهاب

ويسلط إدراج تركيا على اللائحة الرمادية لـ "فاتف"، الضوء في توقيته ومضامينه على ارتباطات سابقة وحالية بين أنقرة وجماعات متطرفة في سوريا وإلى تحولها في الأعوام الماضية التي ظهرت فيها تنظيمات جهادية خطيرة في الساحتين العراقية والسورية، إلى "محطة ترانزيت" للمئات من الجهاديين الأجانب خاصة من تونس وليبيا، فضلاً عن مساعدة النظام الإيراني في الالتفاف على العقوبات الأمريكية.

وأشار المحلل التركي إلى قضية بنك خلق المملوك للدولة الذي يخضع إلى تحقيقات في الولايات المتحدة بسبب المشاركة في التهرب من العقوبات الأميركية على إيران، وأن الأمر كان برعاية الحكومة التركية الحالية، ولا يستبعد مشاركتها في أعمال غسيل أموال أخرى.

الأسبوع الماضي، رفضت محكمة استئناف أمريكية، طلب بنك خلق التركي بإلغاء إدانته بتهمة مساعدة إيران في التهرب من العقوبات الأمريكية

والأسبوع الماضي، رفضت محكمة استئناف أمريكية، طلب بنك خلق التركي بإلغاء إدانته بتهمة مساعدة إيران في التهرب من العقوبات الأمريكية. 

وفي أيار (مايو) 2020، حكمت محكمة أمريكية على مساعد المدير العام السابق للبنك محمد هاكان أتيلا بالسجن 32 شهراً لإدانته بتهم عدة مثل "الاحتيال المصرفي والتآمر لانتهاك العقوبات الأميركية على طهران".

وتشير العديد من التقارير الصحفية إلى عمليات تسفير للإرهابيين تتم من مطار طرابلس إلى مطار إسطنبول ومنه إلى سوريا بعلم أو بتساهل من السلطات التركية التي كان كل تركيزها في تلك الفترة على دعم جماعات سورية معارضة تدعمها جماعات إرهابية بينها القاعدة وفروعها وتنظيم الدولة الإسلامية للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد.   

وكانت الاستخبارات التركية تشرف على تدريب وتمويل وتشكيل جماعات مسلحة لقتال القوات السورية ولا تزال إلى اليوم مرتبطة بالبعض منها.

كما كانت قضية التحويلات المالية من الخارج  للجماعات الإرهابية في سوريا، كانت أيضاً محل مراقبة ومتابعة من مراكز دولية مهتمة بالتنظيمات الجهادية. وقد أشارت تلك المراكز إلى جانب تقارير استخباراتية غربية إلى أنّ تركيا كانت مركز لتدفق تلك التمويلات ومنها إلى شمال سوريا مناطق الاحتلال التركي ومعاقل المعارضة السورية.

 

اقرأ أيضاً: حقيبة زوجة الرئيس التركي تزجّ بالصحفيين خلف القضبان

يذكر أنّ هيئة العمل المالي الدولية، قد أدرجت أيضاً، كلاً من الأردن ومالي في قائمتها للرقابة المتزايدة للأنشطة المالية ، ومن الدول الأخرى المدرجة على القائمة باكستان والمغرب وألبانيا واليمن.

ومؤخراً، استبعدت المجموعة بتسوانا وموريشيوس من القائمة التي تضم حالياً 23 دولة، مشيرة إلى تحقيقها نوعاً من التقدم.

وكانت الهيئة قد أزالت تركيا من قائمتها الرمادية في عام 2014 بعد أن أدخلت أنقرة تعديلات مختلفة على الإطار القانوني والتنظيمي لديها. مع ذلك، استمرت أوجه القصور المنهجية لأنقرة في التنفيذ، وفقاً للمجموعة، ما دفعها لإعادتها إلى القائمة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية