هكذا بدأت دعوة الإخوان التبشيرية في الخليج

الإخوان المسلمون

هكذا بدأت دعوة الإخوان التبشيرية في الخليج


13/05/2020

صدام جماعة الإخوان المسلمين مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان الحدث الأبرز في تاريخ جماعات الإسلام السياسي المعاصرة، منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وحتى أوائل السبعينيات، الصدام الذي انتهى بوفاة ناصر لتعود جماعات الإسلام السياسي للعمل من جديد، فترة حكم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات. ذلك الصدام أيضاً ساهم في خروج العديد من رجالات دعوة الإخوان وفرارهم من القاهرة إلى منطقة الخليج وبعض دول أوروبا، ليبدأ العمل على تأسيس تجمعات إخوانية سواء رسمية معلنة كما في قطر والكويت، أو سرية كما في الإمارات والسعودية.

اقرأ أيضاً: هل تجهض المرأة في تونس مشروع الإخوان؟
وكان على رأس أبرز من هاجروا، الداعية الإسلامي عبد البديع صقر، الذي عاصر حسن البنّا، وكان من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين في الثلاثينيات من القرن الماضي.

البدايات والنشأة
بحسب موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين، فصقر هو أحد الدعاة الذين عاصروا حسن البنا، وتعلموا منه الكثير، علي مدار اثني عشر عاماً، فهو أحد أعضاء الهيئة التأسيسية للجماعة، وُلد بمصر عام 1915م، وتُوفي عام الموافق 1986م، نشأ في قرية "بني عياض" مركز أبو كبير بالشرقية، وفي عام 1935م حصل على شهادة "البكالوريا"، ولم يجد وظيفةً، فاشتغل عاملاً في أحدِ المحال التجارية.

صقر هو أحد الدعاة الذين عاصروا الإمام حسن البنا، وتعلموا منه الكثير على مدار اثني عشر عاماً

يحكي صقر عن نفسه: "كنا نشتري البُنَّ المطحون من محل الشيخ "سيد أحمد عبد الكريم"، ونشأتْ بيني وبينه مودةٌ خاصة؛ إذ كان كل منا يفرح بلقاءِ الآخر دون سببٍ ظاهر. ذات يوم أعطاني رسالة "نحو النور"، وقال: اقرأها، وارجع إليَّ غداً، فلمَّا رجعتُ إليه أمسكها بيدي، قال: هل تؤاخيني في الله؟ قلت: نعم، قال: إن كان أعجبك هذا، فاتصل بجماعة الإخوان المسلمين، ومقرهم بالقاهرة بعمارة الأوقاف، بميدان العتبة الخضراء، وعاد ينشغل بالزبائن".
ترك صقر العمل بفاقوس، وذهب بعد شهور للبحث عن عمل بالقاهرة، وكان ذلك في عام 1936م، وانتهى إلى ميدان العتبة، ووقعت عينيه على لافتة دار الإخوان المسلمين، وحين دخلها عام 1936م، وجد الإمام "البنا" يخطب في الحاضرين قائلاً: "لقد نجح المستعمرون في تثبيت الفصل بين الدين والدنيا؛ وهو أمر إذا صحَّ في دينهم، فلا يصح في ديننا".

الهجرة إلى قطر
ركزت جميع الدراسات التي تناولت صعود جماعة الإخوان المسلمين في الخليج على ذكر ترجمة الداعية عبد البديع صقر؛ لأنه الشخص الأبرز في رحلة الإخوان بالمنطقة، بداية من سفره إلى قطر، وتوغّله في إدارات التربية والتعليم هناك، أو محاولاته نقل نشاطه إلى دبي وأبو ظبي إلى جوار عمله في قطر.

انحرفت بصقر السيارة وهو يقودها، فسقطت في ترعة ومات ولم يعرف الناس بالحادث إلا بعد وقت، فتعذَّر إسعافه

في كتاب "الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج"، كتب مصطفى عاشور،"في منتصف الخمسينيات دفع الضغط السياسي والعنف، الذي مارسه النظام الناصري ضد الإخوان، إلى هجرات إخوانية نحو عدد من دول العالم، ومن بينها قطر، وكان من بين الإخوان الذين قدموا إلى قطر الشيخ عبد البديع صقر، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عبد المعز عبد الستار، والدكتور أحمد العسال، وكان سكان قطر في تلك الفترة قليلي العدد ويتركزون في العاصمة الدوحة، وهو ما جعل حضور هذه القيادات الإخوانية مؤثراً داخل المجتمع القطري".
ويضيف عاشور: "استطاع هؤلاء الإخوان أن يقيموا علاقات جيدة مع الأسرة الحاكمة في قطر، ويتمتعوا باحترامها وثقتها، وتولوا عدداً من المساجد الكبيرة في قطر".
وكتب القرضاوي في مذكراته عن صقر: "وكان الوجيه قاسم درويش في عهد الشيخ علي بن عبد الله الحاكم السابق لقطر، ووالد الحاكم الحالي الذي تنازل له عن الحكمِ قبل مجيئي إلى قطر بسنة واحدة هو المسؤول عن المعارف قبل الشيخ قاسم بن حمد، وكان له صلة بالعلامة السيد محب الدين الخطيب صاحب مجلتي (الفتح) و(الزهراء).. فأرسل إليه يطلب منه ترشيح شخصية إسلامية قوية تتولى إدارة المعارف. فرشَّح له في أول الأمر: الكاتب الإسلامي الصاعد محمد فتحي عثمان، ولكنّ ظروفاً خاصة حالت دون استجابة الأستاذ فتحي، فطلب من الإخوان أن يرشحوا له شخصاً للقيامِ بالمهمة المطلوبة فرشحوا له الأستاذ عبد البديع".

المستشار الثقافي لحاكم قطر
سافر الشيخ عبد البديع إلى قطر مبكراً عام 1954، وعُيِّن مديراً للمعارف مع الشيخ قاسم بن درويش. عمل "صقر" فترةً طويلةً في قطر والإمارات، فكان مديراً للمعارف بقطر، ثم مديراً لدار الكتب القطرية، ثم مستشاراً ثقافيّاً لحاكم قطر.

اقرأ أيضاً: هكذا كشفت جماعة الإخوان عن عنصريتها وانتهازيتها.. فهل هي في ورطة؟
وكان صقر ذا نزعة سلفية، على عكس بقية تيار الإخوان الذين يلجأون للتقية في تلك المسائل، ومحاولة إظهار عكس ما يبطنون، أو محاولة تقديم الجماعة باعتبارها دعوة صوفية، تعمل على تيسير أمور الدين للعامة. ويحكي المستشار "عبد الله العقيل" في كتابه "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة" عن صقر: "كان من أوائل من التقيت بهم في مصر أواخر عام 1949م؛ حيث اجتمعت معه في منزل أحد الإخوان، ولما حان وقت الصلاة قدموه للإمامة، ولفت نظره وجود صورة على الحائط، فما كان منه رحمه الله إلا أن سترها، ثم أدينا الصلاة؛ فأدركتُ من وقتها أنّ الأستاذ "عبدالبديع صقر" ذو نزعة سلفية، يحرص على الالتزام بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سار عليه السلف الصالح".

اقرأ أيضاً: خطورة إعادة إنتاج جماعة "الإخوان"
وفي مقال بعنوان، "الإخوان المسلمون في الإمارات"، للكاتب عبد الغفار حسين، ذكر بشكل واضح أثر عبد البديع صقر في انتقال دعوة الإخوان من قطر إلى الإمارات، فيقول:"وقد بدأ نشاط الإخوان في الإمارات من دبي التي أشرنا إلى ارتباطها بقطر، وانطلق هذا النشاط من مقر البعثة التعليمية القطرية التي جاءت من مساعدات قطر للإمارات في عام، 1962، وكان للشيخ عبدالبديع صقر ضلع في تأسيس هذا المكتب، واختيار المدرسين، والقائمين على شؤون المكتب، وكان الشيخ عبد البديع يتردد بانتظام على الإمارات، وأسس فيها مدرسة تابعة له اسمها مدرسة الإيمان في منطقة الراشدية في دبي، وأعتقد أنّ هذه المدرسة مازالت قائمة، وكان مديرو المدرسة من أقرباء الشيخ عبد البديع والمتصلين به، وكان معظم المبعوثين القطريين من المدرسين والإداريين من الإخوان المسلمين، وجلهم من جنسيات فلسطينية وسورية مرتبطة بشكل أو بآخر بالجماعة ومناهجها السياسية. وجاءت مديرية مكتب البعثة القطرية لتثبت أنّ الإخوان عازمون على أن يكون لهم موضع قدم في الإمارات".

وجود قوي في الخليج
ويضيف حسين: "ولم يكن الشيخ عبدالبديع والشيخ القرضاوي يقيمان في الإمارات، ولكن زيارتهما للإمارات كانت منتظمة، وكانت المكتبة العامة التي أسستها البلدية عام 1963 مركزاً للمحاضرات، ومن أنشط المحاضرين في قاعة هذه المكتبة التي كانت تستقطب جمهوراً غفيراً كان الشيخ عبدالبديع وعدنان سعد الدين والشيخ يوسف القرضاوي، وكان بعض المدراء في المؤسسات الحكومية المحلية في دبي وفي غيرها من الإمارات يبدون شيئاً من التعاطف الظاهري مع الإخوان، ولكنّ المراقب كان يجدهم مزدوجي الولاء يميلون حيث تميل المصالح، والعجيب أنّ ممثلي الإنجليز الذين كان لهم وجود سياسي قوي في الخليج وفي الإمارات قبل عام 1968 كانوا يقفون موقف المتفرج بعين الرضا من نشاط الإخوان في هذه المناطق، ولعل ذلك يرجع إلى مناوأة الإخوان للراديكالية العربية وعلى رأسها الناصرية في مصر حيث كانت مصالح الطرفين تلتقي عند هذه الحدود. وأول من تولى مديرية المكتبة العامة في دبي هو شقيق الشيخ عبدالبديع الأستاذ أمين صقر منبعثاً من قطر مع مساهمات قيمة من الكتب من مكتبة قطر الوطنية التي أسسها الشيخ علي بن عبدالله، كما تمت الإشارة في ما سبق. وتوالى على رئاسة البعثة القطرية وافدون عرب من ذوي الميول الإخوانية التشددية" .

اقرأ أيضاً: توكل كرمان أداة الإخوان الناعمة التي خدعت المجتمع الدولي
وبحسب موقع الشيخ يوسف القرضاوي، كانت وفاة صقر 13 كانون الأول (ديسمبر) 1986م، يقول القرضاوي:"جاءنا - ونحن في قطر - خبر وفاة أخينا الحبيب الداعية المعروف الأستاذ عبد البديع صقر رحمه الله، غرقاً في إحدى الترع، وهو عائد في الليل من مدينة بلبيس من بعد زيارة لها لإلقاء محاضرة، فانحرفت به السيارة وهو يقودها، فسقطت في الترعة، ووافاه الأجل... ولم يعرف الناس بالحادث إلا بعد وقت، فتعذَّر إسعافه".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية