هل صعود اليمين المتطرف مرتبط حقاً بتنامي تيار الإرهاب؟

هل صعود اليمين المتطرف مرتبط حقاً بتنامي تيار الإرهاب؟


15/12/2021

يتمثل أحد أهم الجوانب الأكثر خطورة للهجمات الإرهابية التي وقعت في أوروبا، خلال الأعوام الخمسة الماضية، مثل: فرنسا وبلجيكا والدنمارك؛ في أنّها جاءت في سياق اجتماعي - سياسي مشحون، فيما يتعلق بمكان الإسلام ووجود المسلمين في الديار الأوروبية، إضافة إلى الأسباب المرتبطة بالسياسات الغربية، وفي مقدمتها التخلّي عن القيم المبدئية وعدم الالتزام بروح القانون الدولي، والتراخي في الالتزام بالمواثيق الدولية في صراعات الشرق الأوسط، وكان اليمين المتطرف تربة خصبة تسبّب في نشوء هذه المجموعات العنيفة التي كانت في الحقيقة تشعر بضمور الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية.

 

 

استهداف الخصوصيات الإسلامية
ويعد الجنوح نحو التطرف اليميني في الغرب، وتصاعد التطرف الديني في المنطقة العربية عاملين خطيرين، انعكسا في التعصب والعداء، ورفض الآخر، والتخلّي عن المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، وأول من يدفع فاتورة هذا الاستقطاب الجاليات المسلمة في الغرب.

د. عمرو حمزاوي في دراسة نشرها مركز "كارنيجي": ترتكز أجندة اليمين المتطرف إلى خطابين للكراهية، كراهية الغريب وكراهية أوروبا

يؤكّد المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب؛ أنّ ظواهر الإسلاموفوبيا (التخويف من الإسلام)، واستهداف الخصوصيات الإسلامية، خصوصاً ظاهرة الحجاب، تصاعدت، كما تعرضت العقيدة والمقدسات الإسلامية للاعتداء بالتهكم الإعلامي، والرسوم الكارتونية، والقوانين الموجهة ضدّ المسلمين، ومنها استهدافهم في المعابر بالتفتيش والإهانات، والاعتداء على دور عبادتهم، وأصبحت الكراهية المتبادلة بين القطبين المتطرفين، الأوروبي والإسلامي، وقوداً للإقصاء المتبادل، فضلاً عن الامتدادات العابرة للأوطان، والتداعيات الناجمة عن أعمال الجماعات الإرهابية، وبعض سياسات القوى الكبرى الغربية في أجزاء من العالم الإسلامي، ومن ثم وجد المسلمون أنفسهم بين مطرقة القوى اليمينية المتطرفة وغير المتطرفة المعادية لهم، وسندان الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية.

الفئة الأولى، وهم اليمينيون، يعدون المسلمين جسماً دخيلاً على النسيج الاجتماعي الأوروبي برافده الديني والحضاري اليهودي - المسيحي، بل وجماعة متطرفة تريد فرض معتقداتها الدينية، وتغيير هوية المجتمعات الأوروبية، أما الفئة الأخيرة؛ فترى أنّهم ليسوا مسلمين بما فيه الكفاية لتعرضهم لعوامل التعرية الحضارية والدينية والهوياتية بسبب اندماجهم في المجتمعات الأوروبية، منصّبة نفسها ولياً عليهم؛ لإعادتهم إلى "الطريق المستقيم"، ساعية لدق إسفين بينهم وبين المجتمعات الأوروبية، التي هم جزء منها.

اقرأ أيضاً: عنصرية اليمين المتطرف تتفجر في الملاعب
يقول الخبير في العلاقات الدولية، د. أنس القصاص، في تصريح لـ"حفريات": "لليمين طيفان؛ المتطرف والقومي، والأخير هو الأغلب، وهو يؤمن بالقوميات المنفصلة، ولديه رؤية في الحفاظ على الحدود الوطنية، وله أزمة وجودية وعقدة تسمى (عقدة موهاكس) حين وصل المسلمون لأسوار فيينا، وهذا الموضوع القديم تجدده أعمال العنف، أو الهجرة الإسلامية لدول القارة الأوروبية، وهو ما يقلق اليمين بشكل عام.
ويضيف القصاص: "أوروبا بطبيعتها علمانية، لكنّ اليمين يرى أنّ الوجود الإسلامي عبارة عن غزو، ومع تغيير تركيبة السكان في فرنسا لصالح المسلمين، فإنّ اليمين، خاصة المتطرف، أصيب بإزعاج كبير، وهو يطالب ويحاول ألا يكون هناك تغيير ديموغرافي، أو تغيير في سياسة الدول للحفاظ على البنية الأوروبية.
مغذيات التطرف اليميني
المغذي الأول لليمين المتطرف هي أعمال العنف التي قامت بها جماعات، مثل داعش والقاعدة، في بعض البلدان الأوروبية، فحين تستهدف هذه الجماعات الإسلاموية الغرب بأعمال عنف، فإنّها تعطي الشرعية لليمين المتطرف، الذي لم تعد له حاجة، بفضل هذه العمليات التي وقعت مؤخراً، إلى برامج دعائية لأفكاره التي يعبئ بها الأوروبيين.

اقرأ أيضاً: هل يختلف اليمينيون عن الإسلامويين؟ وما علاقة التطرف بـ "الجوع الديني"؟
أما المغذي الثاني؛ فهو حالة البطالة، حيث يمكن على الصعيد الاقتصادي رصد عدد من التطوّرات، التي ساهمت بصورة مباشرة وغير مباشرة في انتشار موجات التطرف والإرهاب، وتصاعد التطرف اليميني، الذي سيسهم بشكل غير مباشر في نمو جماعات إسلاموية.

الخبير في العلاقات الدولية د. أنس القصاص: أوروبا بطبيعتها علمانية، لكنّ اليمين يرى أنّ الوجود الإسلامي عبارة عن غزو

التطور الأول هو ما يتعلق بربط النمو الاقتصادي الأوروبي وموجات الهجرة للمسلمين، والربط غير المنهجي أو الموضوعي بين ارتفاع البطالة من جهة ونسبة الوجود البشري الإسلامي في أوروبا من جهة أخرى، رغم أنّه، في تحقيق نشره موقع "اليوم السابع"؛ فإنّ عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي المقصود بمشكلة البطالة لم يتجاوز في أقصى التقديرات الغربية له حدود 15 مليوناً من أصل 380 مليون نسمة؛ أي نسبة 4%، معظمهم من المتجنّسين وأهل البلاد الأصليين والمقيمين منذ زمن طويل، بينما لا تصل نسبة "المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء" إلى 1%، وبالتالي يبدو للعيان مدى "تضخيم" المشكلة من جانب المسؤولين الرسميين، عند مقارنة الأرقام المذكورة مع عدد اللاجئين في البلدان النامية والفقيرة؛ كالصوماليين في البلدان المجاورة، أو الأفغان في باكستان وإيران، وإذا استثنينا موجة الهجرة بسبب حرب البلقان، لم تشهد التسعينيات ارتفاعاً يستحق الذكر للأرقام المذكورة، فكان "التضخيم" المشار إليه نوعاً من لفت الأنظار عن الأسباب الحقيقية للمشكلات الاقتصادية المتفاقمة.

أكّد المركز الأوروبي، في دراسة نشرها على موقعه؛ أنّ من خلفيات الربط بين المسلمين والنمو الاقتصادي بروز اليمين المتطرف، رغم أنّ الركود الاقتصادي في التسعينيات كان مختلفاً عن المعتاد من قبل في دورات الركود والانتعاش في العالم الرأسمالي، فطال أمده لأسباب عديدة، وبالتالي؛ استمرّ العجز عن خفض نسبة البطالة الناجمة عنه، لا سيما بعد لجوء شركات أوروبية عديدة إلى الإنتاج في بلدان غير أوروبية، للضغط على تكاليف الإنتاج، وهو ما ضاعفت ظاهرة العولمة من انتشاره، كما أنّ سقوط الستار الحديدي فتح أبواب الهجرة الشرقية غرباً، ونظراً إلى مخططات توسيع الاتحاد الأوروبي لم تجد هذه الهجرة إجراءات مضادة مشابهة لإجراءات "تحصين أوروبا" تجاه الجنوب، ولم يكن للمسلمين أيّ دور في ذلك.

اقرأ أيضاً: مخاوف في ألمانيا من اختراق اليمين المتشدد لأجهزة الاستخبارات قبيل الانتخابات
يضيف المركز، في دراسته؛ أنّ ما سبق أدّى إلى انطلاق حملات ضدّ الأجانب من جماعات التطرّف اليميني، ولم يكن هذا فقط؛ بل كانت هناك أخرى تتمثل في "الحملات القانونية" الرسمية، مثل إقدام الحكومة الألمانية منذ مطلع الثمانينيات على ربط مكافحة البطالة بتشريع قانوني يعرض مبلغاً من المال على من يرحل إلى بلده من العمال الأجانب، أو الأخذ بنظام التأشيرات في بلجيكا وهولندا تجاه المغاربة بعد أن كانت غير مطلوبة لزمن طويل.
بغضّ النظر عن التصريحات السياسية نفسها، كان الانطباع الناجم لدى عامّة السكان عن هذه الإجراءات وأمثالها، هو وجود عدد كبير من العمال الأجانب، وأن هذا مما يسبّب ارتفاع البطالة بين أهل البلاد الأصليين، كما أنّ النفقات الناجمة عن ذلك نفقات ضخمة، فهي التي تبرّر للدولة تسديد مبالغ معينة لتشجيع الأجانب على الرحيل، ونظراً إلى أنّ نسبة الأتراك المسلمين من العمال الأجانب، في ألمانيا مثلاً، تناهز 40%، فكلمة الأجانب هنا تعني تلقائياً: "الأتراك المسلمين" لدى العامّة من السكان.
وفي تصريحات لأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، نقلتها صحيفة "اليوم السابع" المصرية، أكد أنّ صعود اليمين المتطرف مرتبط بصعود تيار الإرهاب في العالم، وهذا منتشر بشكل كبير في أوروبا، وليس وليد اللحظة، ويشكّل خطراً كبيراً على العالم، نظراً للأفكار المتطرفة التي يؤمنون بها، واعتداءاتهم المستمرة على المسلمين في الغرب.
لم تعمل الحكومات الغربية على كشف الأرقام الحقيقية المتناقضة مع هذه التصوّرات، إلا في النصف الثاني من التسعينيات؛ أي بعد أن أصبحت مشكلة العنف ضدّ الأجانب عموماً، وازدياد انتشار التطرّف اليميني، هما الخطر الأوّل الذي تحمل الأحزاب الائتلافية المسؤولية عنه، فبدأت تظهر مواقف "توضيحية" كالأرقام التي نشرت مثلاً عن أنّ حصيلة ما يسدّده سائر الأجانب مقابل ما يحصلون عليه في قطاع الضمانات الاجتماعية، يوفّر في الميزانيات الرسمية المليارات التي تستخدم لصالح سواهم من المستفيدين من الضمانات الاجتماعية؛ أي من أهل البلاد الأصليين.

صعود اليمين المتطرف مرتبط بصعود تيار الإرهاب في العالم
كما بدأت تُنشر، كمثال آخر، أرقام مثيرة للمخاوف بصدد انخفاض نسبة القادرين على العمل بالمقارنة مع ارتفاع عدد المسنين في المجتمعات الأوروبية، وبسرعة متزايدة ستجعل من المستحيل تغطية النفقات التقاعدية دون الاعتماد على العمال الأجانب، وارتفاع نسبة المواليد، بالتالي؛ التعويض عن النقص المحتّم في سوق الأيدي العاملة.
انتشرت حملات التوعية على هذا الصعيد، وساهمت في دفع المسؤولين إليها، سلسلة من موجات ردود الأفعال الشعبية، الرافضة لاعتداءات العنف العنصري ضدّ الأجانب، لكنّ معظم حملات التوعية جاءت بعد أن بلغ انتشار التطرف اليميني المقترن باستخدام العنف انتشاراً واسعاً نسبياً، لا سيما على مستوى جيل الشبيبة، الذي يشكو من سلبيات الركود الاقتصادي وارتفاع البطالة أكثر من سواه.

اقرأ أيضاً: تصاعد اليمين المتطرف يزيد مخاوف المسلمين
وفي سياق متصل، يقول د. عمرو حمزاوي في دراسة نشرها مركز "كارنيجي": "ترتكز أجندة اليمين المتطرف إلى خطابين للكراهية، كراهية الغريب وكراهية أوروبا، أما كراهية الغريب؛ فتتجه إلى مئات آلاف اللاجئين الذين وفدوا ألمانيا خلال العامين الماضيين، وملايين المقيمين ذوي الأصول الأجنبية، وتروج بين الناس للخوف منهم على الرخاء الاقتصادي والسلام الاجتماعي والنظام العلماني والهوية الحضارية الثقافية في ألمانيا، وهنا برز للعيان؛ أنّ العرب والمسلمين كانوا المستهدفين على أرض الواقع أكثر من سواهم، من عمليات الاعتداء الجسدي في الشوارع والأماكن العامة، وحرق المنازل، وجرائم القتل، فضلاً عن ازدياد التمييز العنصري على حسابهم في الحياة اليومية على صعيد العمل والمسكن مثلاً، وحتى في نطاق تعامل الدوائر الأمنية مع ظاهرة التطرف وضحاياها".
النزعة نحو التطرف اليميني ظاهرة خطيرة وممقوتة، لكن من الضرورة الاعتراف بأنّ ظاهرة التطرف بين المسلمين سبب آخر لما تعانيه الجاليات، فالأعمال الإرهابية التي حدثت في الأعوام الأخيرة في العواصم الغربية وآخرها في بروكسل وباريس، أدّت إلى تعميق الشعور لدى الغربيين بخطر مجموعات التطرف والإرهاب، وكلا الطرفين، سواء اليمين المتطرف الأوروبي أو الإسلاموي، يغذيان بعضهما.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية