المغرب: التصوف في مواجهة التطرف.. لمن الغلبة؟

المغرب

المغرب: التصوف في مواجهة التطرف.. لمن الغلبة؟


22/05/2019

أمام انتشار الخطاب الديني المتطرف، وتواتر الأحداث الإرهابية خلال العقود الأخيرة، يراهن المغرب على دعم الفكر المتصوف كبديل ورادع لهذه الأفكار، إلى أيّ حدّ يُمكن أن ينجح التصوف في مواجهة التطرف؟

اقرأ أيضاً: التصوف.. هل هو الوجه الروحي للإسلام؟
يقول شيخ الزاوية الريسونية في شفشاون شمال المغرب، علي الريسوني، إنّ "المغرب يوجد اليوم في وضع ينبغي أن يتجنَّبَ فيه الفوضى السائدة في العالم، وهو ما ينبغي معه مناقشة عطاء الزوايا في عالم يشهد تطرّفاً دينيّاً ولا دينيّاً، خصوصاً أنّ المغرب يقدم أحسن نموذج في تدبير الدين الإسلامي، والجمع بين العقيدة والإحسان، والعقل والقلب، والأصالة والمعاصرة، والحاضر والماضي".
التصوف لا يقدم أجوبة حقيقة للأسئلة القلقة التي تعتمل عند المسلم

"التصوّف قلب المغرب"
ودعا الريسوني، إلى تفعيل عمل الزوايا الصوفية، بقيادة الملك محمد السادس، في كلمته بالجلسة الافتتاحية للمنتدى العالمي الأول للتصوّف، التي انعقدت بمدينة شفشاون.

باحث مغربي: بعض الأفكار التي قد يصنعها التصوف تجعل الإنسان أحياناً يخرج من مظهره الليّن إلى عنف كبير

ووصف التصوّف بـ "قلب المغرب"، معتبراً أنّ "الزوايا كان لها دور وطني في المقاومة"، مشدداً على أهمية رجوع الزوايا للقيام بهذا الدور، بعيداً عن "الإسلام اليابس الذي ليست له نكهة صوفية"، على حدّ تعبيره.
وتنتشر في المغرب العديد من الطرق الصوفية، ومن أبرزها: الطريقة التيجانية، التي تتميز بامتدادها الكبير عبر شمال إفريقيا وغربها إلى حدود نهر السينغال.
وتكتسب الزاوية التيجانية شهرة واسعة، على اعتبار أنّ شيخها المؤسس، سيدي أحمد التيجاني، ولد في منطقة عين ماضي بالجزائر، وتوفَّي في مدينة فاس بالمغرب، وأمضى حياته في التنقل بين هذه المناطق.
وتُعد الطريقة العيساوية من أول الطرق الصوفية التي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على التصوف والمديح والاستماع للموسيقى.
ومن أشهر وأكبر الطرق الصوفية بالمغرب، الطريقة القادرية البودشيشية؛ وترجع أصولها إلى أحدِ أعلام التصوف في التاريخ الإسلامي، وهو الشيخ عبد القادر الجيلاني، الذي عاش خلال القرن الخامس هجري.

مفارقة التصوف بالمغرب
يرى الباحث المغربي في التراث، يوسف المساتي، أنّ تأثير التصوف يظلّ نسبياً، مشيراً إلى أنّه بالشكل الممارس به حالياً، قد يُنتج ردّاً فعلياً عكسياً.

اقرأ أيضاً: هل جنى التصوف على حضارة الإسلام؟
ويُضيف المساتي، لـ "حفريات"، أنّ "هناك مفارقة فيما يخصّ الزوايا بالمغرب، ترجع إلى عهد المولى سليمان، الذي كان قد استعان بالوهابية للحدّ من نفوذ الزوايا ومحاربتها، ثم عاد المغرب اليوم ليستعين بالزوايا لمُواجهة تمدد الوهابية". 
ويرى الباحث المغربي أنّ "الخطاب الصوفي، في عمومه، بغضّ النظر عن تفصيلاته، وعن بعض الخصوصيات، يجنح نحو السلم، نحو نزعة أكثر إنسانية في التدين، والمتصوف لا يجد مشكلاً في الاندماج داخل مجتمع متعدد".
وعن احتمال ممارسة العنف لدى المتصوف، يعتقد المساتي أنّه غير وارد، عازياً ذلك إلى "طبيعة التصور الصوفي للمجتمع".
يرى البعض أنّ التصوف يخلق هشاشة نفسية عند المريدين

"هشاشة نفسية عند بعض المريدين"
ويُتابع: "التصوف لا يقدم إجابات حقيقية عن الهواجس والأسئلة القلقة التي تعتمل عند المسلم، كما أنّه قد يخلق هشاشة نفسية عند بعض المريدين، يُمكن أن تستغلها التنظيمات المتطرفة، وهو ما يتطلب من التيارات الصوفية مُراجعة لأسسها ومنهجياتها".
ويقارن الباحث بين التصوف الذي أسسه الحلاج وابن عربي وجلال الدين الرومي والنفري وغيرهم، وبين التصوف الراهن، معتبراً أنّ "طرق الصوفية، اليوم، تساهم في التأسيس لكهنوت ديني يفترض أنها نقيض له".

اقرأ أيضاً: لماذا لم ينجح التصوف كبديل لجماعات الإسلام السياسي؟
وانطلق الرهان المغربي على التصوف منذ عام 2003؛ إثر الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء، وما تبعها من إصلاح للشأن الديني. ويرى المساتي: أنّ "هذا الرهان قد تكون له تبعات سلبية، أبرزها تمدد سلطة الزوايا التي قد تطمح إلى أن تصير فاعلاً سياسياً واقتصادياً، مستغلة في ذلك نفوذها البشري".

"رهان حامل لمخاطر حقيقية"
ويُضيف الباحث أنّ للمغرب تجارب سابقة في هذا الأمر لقرون "عندما كانت الزوايا حجر أساس في التوازنات السياسية، وبالتالي؛ فإنّ امتزاج الصوفي بالسياسي لن يخدم الاثنين، وقد يطرد التطرف من الباب ليأتي في صيغة أخرى عبر النافذة".
وعند تأمل التاريخ المغربي وحضور الزوايا فيه، "نجد أنها سرعان ما تتحول الى ممارسة السياسة ومحاولة التأثير في الحكم، وبالتالي هذا الرهان يظل حاملاً لمخاطر حقيقية"، على حدّ تعبيره.

يُعزى سبب رهان الدولة المغربية على الزوايا إلى الحاجة لاستحضار نماذج إسلامية مسالمة في العالم ككل لا تميل للعنف

وعن أسباب رهان الدولة المغربية على الزوايا، يجيب المساتي: "يتداخل فيها الداخلي بالدولي، وبعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر، ظهرت الحاجة إلى استحضار نماذج إسلامية مسالمة، لا تميل للعنف في العالم ككل، وبدأ تشجيع الحركات الصوفية"، مضيفاً: "في المغرب جاء الأمر انطلاقاً من تصور معين عند الحكم، وعند بعض الشخصيات الفاعلة في الحقل الديني؛ كوزير الأوقاف، الذي يعرف بنزعته الصوفية".
ويتساءل الباحث: "إلى أي حدّ يظلّ الأمر منتجاً ومجدياً. وماذا تحقق من هذا الرهان بعد حوالي 16 عاماً من اختياره. ألم يتمدد التطرف أكثر فأكثر؟".

"صناعة نماذج سلبية" 
"إنّ التصوف، كممارسة، من الأمور الشخصية، وكلّ فرد حرّ في اختيار أيّ اتجاه أو قناعة دينية معينة، التصوف يمكن أن يجعل الناس ألطف وأطيب ويتركون عنهم أموراً كثيرة ترتبط بالسياسة، وغير ذلك مما يريده من يوظفون التصوف"؛ يقول الباحث في الأديان المقارنة، مصطفى بوهندي. 

اقرأ أيضاً: هل يصلح التصوف ما أفسده الفقهاء؟
ويضيف بوهندي، في تصريح لـ"حفريات" بأنّ "التصوف يرتبط بقناعة الناس ورغبتهم في التخلي عن أمور الحياة، وفعاليته تكون أحياناً إيجابية، وأحياناً أخرى تكون سلبية، خصوصاً عندما يصبح الناس يؤمنون بالخرافة، وتابعين لشيخ، دون أن يفكروا".
ويرى الباحث في الأديان المقارنة: أننا "نصنع نماذج سلبية أكثر مما نصنع أناساً يمكن أن يحاربوا التطرف، وهذا الأمر تنبغي معالجته على المستوى الفكري والعقلاني والإنساني". 
ويعتقد الباحث أنّ التصوف "ليس حلاً، خصوصاً في إطار الانفتاح الرهيب على المعلومة وقدرة الإنسان على مواكبة كافة المذاهب والاتجاهات في الوقت نفسه.
بوهندي: إنّ فكرة الشيخ والمريد هي فكرة مرضية في هذا العالم

"تدجين الناس...تطرف من نوع آخر"
ويصف بوهندي تدجين الناس بالتصوف بتطرّف من نوع آخر، معتبراً أنّ ذلك يخلق إنساناً تابعاً للآخرين؛ لأنّ "محاربة التطرف ينبغي أن تكون بالتعليم والتربية وبالقيم الانسانية، وأن يخرج الإنسان من عزلة "أنا أفضل من الآخرين"، وهي الأفكار التي قد يصنعها التصوف أيضاً، وتجعل الإنسان في حالات معينة يخرج من مظهره اللين إلى عنف كبير".
ويرى الباحث؛ أنّ التطرف يرجع إلى اعتقاد بأنّنا نحن أفضل من الآخرين، ونحن أمة الحق والآخر باطل، مشدداً على ضرورة معالجة المتطرف إكلينيكياً، وتصحيح أفكاره، وألّا يسجن في إطار الجماعة أو الطائفة.
الإبداع والحرية لمواجهة الركام الطائفي
ويقترح بوهندي من أجل تفكيك خطاب التطرف القيام "بمراجعات نقدية للتراث"، مشيراً إلى أنّ "هناك نصوصاً دينية تفرض عليهم اتباع الشيوخ والطائفة والجماعة".
ويقول الباحث: إنّ "فكرة الشيخ والمريد فكرة مرضية في هذا العالم. اليوم يجب أن يتحرر الناس، ويصبحوا قادرين على تحمّل مسؤولياتهم، وعدم الارتباط بالآخرين، باعتبارهم المنقذين من الظلام، وأن يمتلك الشباب القدرة على النقد واتخاذ القرار الصائب وتحمّل المسؤولية، وتحقق ذلك مرتبط بوجود الحريات والإبداع في المجتمع".

اقرأ أيضاً: لماذا يكره السلفيون التصوف؟
ويتابع بوهندي: "نحن نحتاج إلى الإبداع في الدين، وأن ننتج الأفكار الجميلة التي تقود الناس إلى الخير، وقد جاء الرسول، صلى الله عليه وسلم، من أجل الإبداع. نحن في حاجةٍ إلى الحريات، وإلى فهم الدين، لنتخلص من الركام الطائفي الذي يرجع لقرون عديدة، كانت فيها الحروب، ونحن نحمل هذا الركام كإرث ثقيل يقيدنا، وهو دفين في مصادرنا، وهناك كتب مليئة بأحقاد التاريخ".
بوهندي يشدد: "نحن اليوم في حاجة إلى رؤى جديدة ومعاصرة عالمية، قادرة على الإجابة عن حاجات الناس ومواكبة واقعهم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية