ركائز التأسيس الثاني للإخوان المسلمين (2/4).. البحث عن بطل أسطوري

ركائز التأسيس الثاني للإخوان المسلمين (2/4).. البحث عن بطل أسطوري


09/01/2018

كانت مهمة قادة الإخوان المسلمين، بعد الخروج من السجن، والحصول على الإذن بالعمل العام في المجتمع المصري؛ البحث عن رمزٍ إسلامي يصلح أن يكون ركيزة  للتأسيس الثاني، وليس قائداً للتنظيم، ولم تكن مهمة سهلة، فشخصية تأتي من تاريخ الإخوان، لتكون رمزاً يلتف حوله الجميع، يجب أن تحمل سمات فائقة، حتى يصلح تحميل المشروع الإسلامي على أكتافها، وهذه الشخصية يجب أن تمتاز بسمات وعبقرية، وألّا يختلف عليها كثيراً، فاختاروا شخصية حسن البنا، المؤسّس، لتكون بديلاً عن شخصية سيد قطب، الموسوم بالعنف، والمختَلف عليه. حتى داخل جماعة الإخوان نفسها، ولعلّه من المناسب أن أذكر أنّني لم أكن أتعرّض لشخص حسن البنا لولا أنّ المشروع الفكري للإخوان تم تمريره، في تأسيسه الثاني، عبر شخصية حسن البنا، وعبر تضخيم إنجازاته وصفاته الشخصية، حتّى أنّه، هو نفسه، ألحق الدعوة بذاته، في مذكراته التي أسماها "مذكرات الدعوة والداعية"، إضافة إلى كمّ الدراسات الإخوانية التي تناولت حسن البنا كشخص، والتي تفرض علينا تناول الشخصية بالتحليل، للوصول إلى فهم الحالة ككلّ، احتاجت شخصية حسن البنا إلى عمليات تجميل، لتصلح للمهمة التي استعدّت لها، نسجوا حول حسن البنا الكثير من الأساطير كي يحاط بهيبة، تسمح لأتباعه من الجماعات الإسلامية الانبهار به، ومن ثمّ الإيمان بفكره، وبعدها يسهل تجنيد الآخرين، ودعوتهم للانضمام إلى التنظيمات الإسلامية، أو على الأقل، التعاون بينهم. الإخوان قدموا لنا شخصية حسن البنا، كمجدّدٍ وإمامٍ وأستاذ الجيل، رغم أنّ أحداً لم ينكر قدرة الرجل على انتزاع حبّ مريديه، إلّا أنّ مريديه الذين انتشروا في البلاد، رفضوا أن يكون تقديس حسن البنا محصوراً بينهم، عدّ الإخوان أنّ حسن البنا امتلك فهماً صحيحاً لم يسبقه إليه أحد من جيله، وهذا الفهم هو ركن رئيس من التنظير للحركة الإسلامية، والتيار الإسلامي؛ بل كرّسوا جهودهم الجبارة في إعادة تقديم شخصيته للأمة في السبعينيات من القرن العشرين، كمجدّدٍ لدين الله.

فكر حسن البنا يحمل البذور الحقيقية للفكر التكفيري والفكر العنيف والمسلح، ويحمل صيغة استعلائية على الناس

كان المطلوب بطلاً أسطورياً، ولياً، قائداً حكيماً، سياسياً داهية، لضمان استمرار فكر الإخوان، كان عليهم التنصّل من الفكر العنيف الذي وسمت به جماعة الإخوان، خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، فزعموا أنّ البعض هو من فهم أفكار سيد قطب خطأً، وأنّ الاعتدال في فكر حسن البنا، باعتباره البديل الوسطي، لكنّ تاريخ حسن البنا مليء بالصور السلبية، التي لحقت به، فهو مؤسس النظام الخاص المسلح، فكرسوا جهودهم لإثبات أنّه كان من أجل فلسطين، من المعركة مع الإنجليز، كما لاحقت حسن البنا، ثم العمالة للقصر، ولأي حكومة تولّت الحكم، في برجماتية مقيتة، كما يصفه أعداؤه، بهذا حاول الإخوان طمس هذه المرحلة بشخصية حسن البنا الرقيق المحب الزاهد؛ بل الرجل المؤيَّد من الله، فكتب عمر التلمساني كتاب "حسن البنا أستاذ الجيل الملهم الموهوب"، وهو تدشين لعودة حسن البنا الأسطورة، وفي مقدمة الكتاب، في الصفحة 4، يقول التلمساني: "هذا ما أوصلنا إليه إمامنا الشهيد، بفضل تتلمذنا عليه، ولما كانت جهوده الجبارة ودأبه وتفانيه، خارجة عن نطاق الجهد العقلي، فهو ملهم فيما يقول، وهو موهوب بطاقة لا يحظى بها إلّا أقلّ القليل، (والله أعلم حيث يجعل رسالته). وفي الصفحة 5، يقول إنّ حسن البنا شخصية لمعت بذاتها، فهو ملهم من الله، لم يأته الفهم من ذاته؛ إنّما أتاه إلهاماً من الله، وخطورة ذلك في أنّ فكر حسن البنا يحمل البذور الحقيقية للفكر التكفيري، والفكر (العنيف والمسلح)، ويحمل صيغة استعلائية على الناس، ويزعم فهم متلقيه من الرسول والله مباشرة، لم يتلقه من معلم ولا مدرب ولا غيره. وفي الكتاب الذي ترجمه أنور الجندي، "حسن البنا الرجل القرآني روبير جاكسون"، تم طرح حسن البنا كشخصية قلّ أن يكون لها نظير، ولا يجود الزمان بمثلها إلّا على فترات متباعدة، وهم تارة يمجّدون فكرةً، وتارة يصفونه بصفات خارقة للعادة، ومن الصفات التي كان يباهي بها الإخوان غيرهم.

أفرط الإخوان المسلمون في طبع ونشر "في ظلال القرآن" وتقديمه كمفسر وأديب وليس صاحب اتجاه فكريّ تكفيريّ

إنّ حسن البنا كان ذا ذاكرة حافظة، تحاكي المشهور عن أئمة علماء الحديث؛ كالبخاري، والإمام الشافعي، وما يقوله الأستاذ أنور الجندي "ذاكرة الأستاذ حسن الحديدية التي تعد أعجوبة من أعاجيب العصر" (ص 16)، ويقول أيضاً: (لا نبالغ إذا قلنا إنّ حسن البنا يعرف أسماء ووجوه نصف مليون من أنصاره)، وليس هذا فحسب؛ بل يستطيع أن يحدّث كلّ واحد منهم، عمّا قد يكون وقع له من أنبائه الخاصة (ص 64)، وهذه المبالغة تسقط مع محاولة حسن البنا أن يتذكّر متى أنشأ جماعة الإخوان، فنراه يرتبك، ويذكر تاريخاً ميلادياً مقروناً بالهجري، فلا يلتقيان أبداً، فيقول في مذكرات الدعوة والداعية، تحت عنوان "الإخوان المسلمون": "وفي ذي القعدة، سنة 1347ه/ مارس 1928 (فيما أذكر)، زارني بالمنزل أولئك الإخوة الستة: حافظ عبد الحميد، أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم، عبد الرحمن حسب الله، إسماعيل عز، زكي المغربي" (ص 69)، نلاحظ أنّ البنا يقول (على ما أتذكّر): أيّ احتمال للنسيان وارد، لكنّ الإخوان يصرّون على أنّه يتذكر اسم أكثر من نصف مليون شخص! والأغرب في حسن البنا؛ أنّه عندما أراد أن يتذكر متى أنشأ الجماعة، نراه يرتبك، ويخلط، فالتاريخان لا يمكن لهما أن يلتقيا أبداً، ولا بهامش بشري طفيف، فـإنّ ذو القعدة 1347ه يوافق نيسان 1929، وليس آذار  1928ـ أمّا آذار 1928 فيوافق رمضان 1346ه، وليس ذو القعدة 1347ه، كان من الممكن أن تكون مشكلة، لولا إصرار أتباعه بنسج الشخصية الأسطورية ذات الذاكرة الحديدية، وممّا يروى عن حسن البنا: أنّه أعدّ ردّاً مفحماً لطه حسين، عن كتابه المعروف بالشعر الجاهلي، وقد أعدّت جمعية الشبان المسلمين ندوة لدراسة هذا الكتاب. جلس طه حسين في ركن مظلم يسمع النقد، وأعجب بردّ حسن البنا المرتب، بالصفحة وبالرقم، وقال له بعد المحاضرة: ليت كلّ من نقدني انتهج نهجك، إذاً، يملك الإخوان رداً على هذا الكتاب! فأين هذا الرد؟ ولماذا لم ينشر في أيّ من صحفهم؟ ولماذا لم يدرس في أيّ من كتبهم؟ من الواضح أنّهم كانوا في حاجة شديدة لإضفاء كلّ الصفات الخارقة عليه.

نجح الإخوان قليلاً في هذا الشأن، وأصبح للإخوان شخصية يلتفون حولها، وهي حسن البنا، الذي أصبح في أدبيات جيل السبعينيات وما بعدها (الإمام الشهيد حسن البنا)، ولم يعد أحد يتذكّر عمليات التنظيم الخاص، ولا أفكار سيد قطب، وحاول الإخوان بغسل وجه سيد قطب بكثير من الدفوع، وأفرطوا في طبع ونشر كتاب "في ظلال القرآن"، وتقديم سيد قطب كمفسّرٍ وأديبٍ، وليس صاحب اتجاه فكريّ تكفيريّ.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية