كيف جاءت ردود كندا على هجوم نيوزيلندا؟

كندا

كيف جاءت ردود كندا على هجوم نيوزيلندا؟


18/03/2019

دانت قطاعات شعبية مختلفة في كندا الهجوم الإرهابي، الذي استهدف مصلّين الجمعة الماضي في مسجدين بمدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا؛ حيث قتل 50 مسلماً، على الأقل، وأصيب العشرات، في حين لاذت كثير من القوى المحافظة واليمينية بالصمت، كي لا تُوجَّه إليها أصابع اللوم؛ بسبب أدبياتها العنصرية، ولغة الخطابات التحريضية التي تستخدمها في مظاهراتها، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان منفّذ الهجوم الإرهابي، الأسترالي برينتون تارانت (28 عاماً)، خطّ على بندقيته التي استخدمها بالهجوم، اسم الكندي، ألكسندر بيسونيت، وهو إرهابي نفّذ عام 2017 هجوماً على مسجد في مقاطعة كيبيك، أسفر عن مقتل 6 وجرح 19 من المصلّين، وكأنّ ترانت بفعلته البشعة يريد القول إنّه سائر على درب بيسونيت في إرهاب المسلمين وقتلهم بدم بارد أثناء تأديتهم لصلواتهم في مساجدهم!

حشد في تورنتو لإدانة صعود الإسلاموفوبيا بعد مذبحة المسجد في نيوزلندا:

وكان رئيس الوزراء الكندي، جستن ترودو، اتصل برئيسة وزراء نيوزلندا، جاسيندا أرديرن، وقدم التعازي لها باسم الشعب الكندي. ودان ترودو قبل ذلك الجريمة التي حصلت في المساجد النيوزلندية، وذلك بعبارات صريحة؛ حيث قال في تغريدة له على موقع توتير: "إنّ مهاجمة الناس وهم يؤدون صلاتهم أمر مريع، وتدين كندا بشدة إطلاق النار الذي حصل اليوم في نيوزيلندا، وإنّ عقولنا وقلوبنا تتضامن مع الضحايا وعائلاتهم، ويجمعنا الحزن مع النيوزلنديين والمجتمعات المسلمة في أنحاء العالم". 

آندرو شير اتخذ موقفاً محافظاً فيه بعض العزاء غير المحدّد لمَن وفيه إرضاء للقوى اليمينية المتشددة التي تدعمه

لكنّ زعيم حزب المحافظين الكندي، آندرو شير، اتخذ موقفاً محافظاً؛ فيه بعض العزاء غير المحدّد لمَن من جهة، وفيه إرضاء للقوى اليمينية المتشددة التي تدعمه وهي غير راضية عن موجات الهجرة من العالم الإسلامي للغرب من جهة ثانية.
وقال شير في معرض تعليقه على الهجوم: "تعرضت الحرية لهجوم في نيوزيلندا اليوم، وتمّ استهداف مصلين مسالمين بعمل شرير وخسيس، يجب أن يمارس جميع الناس إيمانهم بحرية، ومن غير خوف، ولا تفي أيّة كلمات بمقدار إدانتنا لجريمة الكراهية الدنيئة هذه، وإنّني أصلّي لله من أجل أن يهدّئ روع عائلات المفقودين، ومن أجل الشفاء للمصابين".

اقرأ أيضاً: صناعة التطرف .. قراءة في هجوم نيوزيلندا الإرهابي

الردّ القوي على الهجوم الإرهابي جاء من الحزب الكندي الوسطي بين الليبراليين والمحافظين؛ حيث صرح زعيم الحزب الديمقراطي الجديد في كندا،  جاغميت سنغ، بعبارات واضحة أشارت إلى أنّ ما حدث هو عمل إرهابي، وأنّ الإسلاموفوبيا تقتل الناس، وقال سنغ، في تعليقه على المجزرة في صفحته على تويتر: "انفطرت قلوبنا لسماع الأخبار المروّعة عن إطلاق نار دموي في مسجدين في نيوزيلندا، أتضامن من كلّ قلبي مع عائلات الضحايا، وكلّ مصاب بذلك العمل الإرهابي، إنّ الإسلاموفوبيا تقتل، ولا مكان لها في هذا العالم".

سنغ: أتضامن مع عائلات الضحايا وكلّ مصاب بذلك العمل الإرهابي، إنّ الإسلاموفوبيا تقتل ولا مكان لها بهذا العالم

وأتبع سنغ تغريدته بثانية في اليوم التالي، أماطت اللثام عن كثير مما تحاول دوائر صنع القرار الكندي إخفاءه، عن صعود ظاهرة النزعة الاستعلائية للعرق الأبيض في أمريكا الشمالية، فسنغ؛ هو سيخيّ كندي، يعتمر دائماً عمامة ذات ألوان زاهية، وعانى شخصياً من العنصرية عندما هاجمته امرأة بيضاء في اجتماع حاشد، وكلّها ظنّ أنّه مسلم متشدّد؛ لأنّه ملتحٍ، وكان يلبس عمامة. وقد قال في تغريدته هذه: "إن لم نواجه ظاهرة الإسلاموفوبيا (ويقصد بذلك الخوف من الإسلام)، وظاهرة استعلاء العرق الأبيض على غيره من الأعراق، فإنّهما سينتشران، ومن ثم سيشرعان بالقتل"، وأضاف: "عندما يرفض القادة السياسيون تسمية هاتين الظاهرتين باسميهما، أو يتنصلون من الإشارة إليهما، أو أن يعطوا منصات للمنادين بهما، فإنّ ذلك كلّه سيجعل وجود تلك الظاهرتين أمراً مستساغاً، يستخدم القائد منصته بحق لرفض ومعارضة الكراهية، ولا يستخدمها من أجل تمكين أنصار سيادة العرق الأبيض على غيره من الأعراق". 

 كنديون يقيمون دروعا بشرية لحماية المساجد اثناء صلاة الجمعة في العاصمة اوتاواه
وربما كانت تغريدة سنغ تتضمن تلميحاً باستخدام أنصار حزب المحافظين، وبعض قادته، لمنصات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل استعمال واستخدام السخط العام من التسهيلات الكبيرة التي قدمتها حكومة الليبراليين الحالية، بزعامة جستن ترودو، لدخول مهاجرين من سوريا والعالم الإسلامي إلى الأراضي الكندية، وذلك من أجل حشد الأغلبية الكندية البيضاء، وتأليب هؤلاء للتصويت لمرشحي حزب المحافظين في الانتخابات الوطنية القادمة، في الحادي والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2019.

اقرأ أيضاً: ماذا فعل الأفغاني عبدالعزيز لإنقاذ المصلين من هجوم نيوزيلندا؟

ورغم أنّ هناك موجة كراهية للمسلمين، تقودها ثلة من المحافظين واليمينيين المتشددين بمناطق كثيرة في كندا، إلا أنّ الحادث الإرهابي الذي جرى ضدّ المصلين المسلمين، استفز كثيراً من قطاعات الشعب الكندي، ممّن يؤمنون بالتعددية العرقية والدينية، وقد خرجت مسيرات من كنديين من أديان وعرقيات مختلفة، منددة بما سمّته "الجريمة النكراء"، وطالب المتظاهرون بمواجهة التيارات الشعبوية واليمينية بالغرب؛ فكرياً وأمنياً وقانونياً.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الجالية المسلمة في نيوزيلندا؟..(صور)

ومن القصص الكثيرة التي عبر فيها الكنديون عن دعمهم ومؤازرتهم للمواطنين والمقيمين من المسلمين في كندا؛ تلك الحلقات البشرية التي أحاطت بالمساجد لحماية المصلين أثناء اداء صلاة الجمعة في مدن كندية عديدة، إلى جانب ما قام به أشخاص عاديون للتقليل من مخاوف جيرانهم المسلمين.

منشق عن حركات اليمين المتطرف: الإنسانية هي التي تسود في النهاية، والمحبة هي التي تنتصر على الكراهية

ومن هذه القصص؛ ذكرت سيدة عربية كندية مقيمة في مدينة باري، في مقاطعة أونتاريو؛ أنّها تفاجأت بأنّ جارتها السبعينية الكندية، واسمها ميبل، حضرت لمنزلها قبل صلاة الجمعة، وعرضت عليها أن تأخذها للمسجد بسيارتها، كي تشعر بالطمأنينة، ومن ثم طلبت منها أن تضع لها حجاباً على شعرها لأنها تريد أن تقف إلى جانبها في الصلاة داخل المسجد، كي تخفف من روعها، ونشرت السيدة العربية هذه القصة في صفحتها على موقع فيسبوك، ومعها صورة للسيدة ميبل وهي بصحبتها في المسجد، وذكرت أيضاً أنّها شاهدت سيدات كنديات غير مسلمات حضرن أيضاً لمؤازرة المسلمات في صلاتهن.

وقد نكّست كندا أعلامها على كثير من المباني الحكومية تضامناً مع المسلمين في نيوزيلندا وغيرها من الأقطار، وأعلن عمدة مدينة تورنتو، جون توري؛ أنّه أمر بإطفاء أضواء برج "سي أن تاور" الشهير حزناً على من قضوا نحبهم في الهجوم الإرهابية.
وكثّفت الشرطة الكندية دورياتها في محيط المساجد، خاصة أثناء تأدية صلاة الجمعة، لضمان أمن وسلامة المصلين.

اقرأ أيضاً: جريمة نيوزيلندا.. ووثيقة أبوظبي

وقد يكون من أكثر المعبرين عن صدمتهم من دموية حركات استعلاء العرق الأبيض واليمينين المتطرفين؛ شخص اسمه فرانك منك، وقد أجرت شبكة تلفزيون "سي بي سي " الكندية لقاء معه، وعرّفته بأنّه منشق عن حركات اليمين المتشدد، وعضو سابق في حركات سيادة البيض، المسماة بالإنجليزية (White Supremacists)، وقد ذكر فرانك منك الكثير عن طبيعة هذه الحركات العنصرية، التي هجرها -غير نادم على ذلك- بحسب قوله، في المداخلة، وقد نصح المتعصبين في هذه الحركات بحب جيرانهم من مسلمين ويهود وسود، وبأنّ كلّ محاولاتهم لنشر الموت والقتل والدم ستبوء بالفشل، وأنّ الإنسانية هي التي تسود في النهاية، والمحبة هي التي تنتصر على الكراهية

فيديو فرانك منك:

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية