كيف تتعامل الرباط مع العائدين من 'داعش'؟

كيف تتعامل الرباط مع العائدين من 'داعش'؟


13/03/2019

إيلان بيرمان

على مدار العقد الماضي، وضعت جهود المغرب المكثفة للترويج لنسختها من الإسلام المتسامح كعلاج لتطرف داعش وغيره من الجماعات الإسلامية المتطرفة، المملكة في الخطوط الأمامية لـ"حرب الأفكار" في العالم الإسلامي. ومع ذلك، تبقى الجهود المحلية التي يبذلها البلد للتخفيف من وطأة مشكلته الإسلامية الداخلية شبه مجهولة.

حتى منتصف عام 2017، قدرت مجموعة الأزمات الدولية أن أكثر من 1500 مواطن مغربي غادروا البلاد للانضمام إلى الجهاد في العراق وسوريا. لجهود المغرب ضد التطرف أسباب عديدة، لكن هدفها واضحة؛ فقد أضحت قضية "العائدين" الإسلاميين مصدر قلق كبير للمملكة، ودفعت البلاد إلى تبني استراتيجية مزدوجة تركز على العزلة وإعادة التأهيل.

​جرمت المملكة رسميا تجنيد المقاتلين الأجانب في عام 2015، طبقا للمبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة. وبموجب القانون المغربي، أي شخص يغادر البلاد للسفر إلى العراق وسوريا للانضمام إلى الدولة الإسلامية يعتبر مجرما، ويُحتجز عند عودته. ظاهريا، تنطبق هذه العقوبة أيضا على الإسلاميين الذين ينضمون إلى فصائل متطرفة أخرى (مثل القاعدة أو بوكو حرام في نيجيريا). وتتراوح مدة السجن لمرتكبي هذه الانتهاكات من خمس إلى 18 سنة، تبعا للفعل الذي ترتكبه المجموعة المتطرفة المعنية.

حتى اليوم، لم يعتقل المغرب سوى 200 من هؤلاء العائدين، وسجنهم جميعهم. ومع ذلك، تتوقع السلطات زيادة عدد المتطرفين العائدين في الأسابيع والأشهر المقبلة، بعد أن انهارت خلافة الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط.

للتعامل مع هذا التدفق، أنشأ المغرب نظام سجون مواز يهدف إلى فصل المتطرفين الإسلاميين عن المجرمين العاديين، ومنع عدوى أفكارهم الراديكالية من الانتقال للآخرين. هناك الآن ما بين 16 و17 سجنا داخل المملكة، يتم تصنيف السجناء المحتجزين داخلها في ثلاث فئات. المتشددون الدينيون، وممولو الإرهاب أو المتورطون في التعبئة الأيديولوجية يعتبرون الأكثر خطورة بين الفئات الثلاث. ويعتبر المتطرفون الإسلاميون الذين يظهرون علامات "تصالح" مع الإسلام المعتدل أقل خطورة، بينما ينظر إلى الآخرين (غير المقاتلين وغير العقائديين) على أنهم غير خطرين نسبيا. وتختلف المعاملة التي يتلقاه هؤلاء النزلاء باختلاف تصنيفهم. إجمالا، يقدر عدد المسجونين بموجب النظام الجزائي الإسلامي المغربي حاليا بما يتراوح بين 800 و820 سجينا.

لكن المسؤولين في الرباط يدركون أن السجن ليس حلا دائما لمشكلة التطرف الإسلامي في البلاد. لذلك، حولت المملكة تركيزها إلى تفكيك الخطاب المتطرف لدى الإسلاميين القابلين لإعادة التأهيل.

والمحصلة عبارة عن برنامج جديد يطلق عليه اسم "مصالحة". يدير البرنامج المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج (DGAPR)، وهو مصمم لإعادة تأهيل المتطرفين الدينيين، وله ثلاثة أهداف: أن يتقبل السجين المسؤولية عن أفعاله الخاصة، ويتصالح مع العقيدة الإسلامية، ومع المجتمع ككل.

ويتحقق ذلك من خلال المحاضرات والخطاب الأيديولوجي الذي يفضحزيف الأفكار الإسلامية المتطرفة التي يتم تنفيذها بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، أعلى هيئة دينية في البلاد)، من خلال التدريب العملي والنظري المصمم لتزودي السجناء بالمهارات العملية والفكرية، من خلال تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان.

يستغرق برامج "مصالحة" شهرين، يتم خلالهما فصل السجناء المشاركين عن السجناء العاديين في السجون. وعند الانتهاء، يتم منح العفو عن غالبية المشاركين (أكثر من 50٪ من الخريجين حتى الآن)، وتخفيف عقوباتهم. المشاركة في البرنامج طوعية تماما ويجب أن يبادر السجناء أنفسهم لطلب الانخراط فيها.

على كل حال، لا يزال برنامج "مصالحة" تجريبيا. إذ تم إكمال دورتين فقط حتى الآن، والثالثة لا تزال جارية. خرَّجت المبادرة 75 خريجا فقط، وهناك 37 نزيلا يشاركون فيها حاليا. ومع ذلك، رغم هذه العينة الصغير، يؤكد المسؤولون المغربيون أن النتائج كانت مشجعة للغاية؛ فالبرنامج يعمل منذ ثلاث سنوات، وحتى الآن لم يعد أي من الخريجين إلى صفوف المتطرفين.

هل ينجح منهج المغرب في التعامل مع التهديد الذي يشكله عائدون من داعش؟ الوقت وحده كفيل بإثبات ذلك من عدمه. لكن النجاحات التي حققتها المملكة في هذا المجال حتى الآن تقدم بعض الدروس القيمة للدول الإقليمية الأخرى التي تعاني من نفس المشكلة ـ أو ستعاني منها قريبا.

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية