بعد خطاب البشير.. السودان إلى أين؟

بعد خطاب البشير.. السودان إلى أين؟


24/02/2019

على وقع خطى الاحتجاجات الشعبية المندلعة في السودان منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لاتزال حركة المظاهرات التي انتظمت معظم المدن السودانية، تلقي بظلالها على الأحداث والمتغيرات في السودان؛ سواء من ناحية الحراك الخارجي والداخلي للرئيس عمر البشير، بحثاً عن تدابير من أجل إخمادها، في بدايات الحراك، أو من جهة الاعتراف، مؤخراً، بأسباب ومشروعية تلك المظاهرات، بعد إنكار طويل، وصولاً إلى الخطاب الذي ألقاه الرئيس البشير  مساء أول من أمس، الموافق 22 شباط (فبراير) الماضي.

سيناريوهات الوضع الساخن في السودان؛ لا تنحو ربما إلى انفراج سياسي بقدر ما تؤشر على تجدد المظاهرات الشعبية

الخطاب الأخير أعلن البشير بموجبه قرارات جديدة؛ منها: حل الحكومة، وإعفاء الولاة، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة سنة، مع الإعلان بأنّه سيكون رئيساً للسودانيين وعلى مسافة واحدة من كل القوى السياسية إلى جانب دعوته للحوار. فيما أصدر في اليوم التالي من الخطاب، مرسومين جمهوريين؛ أحدهما  بتعيين وزير الدفاع، عوض محمد بن عوف نائباً أول لرئيس الجمهورية، والثاني بتعيين محمد طاهر إيلا رئيساً جديداً لمجلس الوزراء.

ردود فعل المعارضة على خطاب البشير

وفيما بدت ردود فعل القوى الحزبية وعلى رأسها "تجمع المهنيين السودانيين" الذي يقود المظاهرات، رافضةً لمضمون الخطاب، باعتباره "التفافاً على مطالب الشعب وإعادة إنتاج للنظام"؛ اندلعت مظاهرات حاشدة في العديد من أحياء الخرطوم، حتى ساعات متأخرة من الليل، تعبيراً عن رفضها لمضمون الخطاب.

اقرأ أيضاً: تقرير أممي يكشف انتهاكات جنسية غير مسبوقة في جنوب السودان

وفي سياق تحليل تحديات الحكومة القادمة، سيكون من الأهمية بمكان؛ اختبار قدرتها على التعاطي السريع  مع ثلاثة ملفات، لا يمكن تجاوزها، أو الالتفاف عليها؛ لأن تلك الملفات هي جزء من استحقاق مواجهة متطلبات المرحلة القادمة.

فمن ناحية، سيكون التحدي الأكبر، خارجياً؛ ملف إزالة اسم السودان من قائمة الدول "الراعية للإرهاب" إلى جانب فك الحظر الاقتصادي الدولي على السودان (وهو حظر دام لأكثر من ربع قرن). فحاجة السودان الملحة إلى برنامج إسعاف اقتصادي من البنك الدولي، أو من صندوق النقد الدولي، أو حتى للاستثمارات الأجنبية؛ حاجة لا تحتمل التأجيل، ولا يمكن تلبيتها مع بقاء الحظر الاقتصادي الدولي، واندراج اسم السودان في لائحة واشنطن للإرهاب.

اقرأ أيضاً: الحركة الإسلامية أول الخاسرين في احتجاجات السودان

ومن ناحية ثانية، سيكون ملف وقف الفساد الكبير ومحاكمة الفاسدين، على رأس التحديات التي تطرح نفسها أمام أي حكومة جديدة، وهو ملف شائك ومعقد؛ كانت له انعكاسات مدمرة على مؤسسات الدولة ووزاراتها من خلال تجريف فاسد ومستمر للموارد الحكومية عبر مؤسسات حزبية موازية تعمل من داخل مؤسسات الدولة ووزاراتها.

فيما يتمثل الملف الثالث، في قضية الحرب الأهلية التي لاتزال مشتعلة في أقاليم جبال النوبة والنيل الأزرق (كان الرئيس البشير قد أعلن من جانب واحد وقف إطلاق النار مؤخراً) تحت ضغط الحراك الشعبي. لكن ترتيب وقف إطلاق النار يتطلب اتفاقاً من جميع الأطراف.

هل من متغيرات جديدة؟

المتغيرات التي طرأت مع قرارات البشير الجديدة، قد تعبر عن سيناريو صراع بين الجيش وبين حزب المؤتمر الوطني الذي ظل يحكم قبضته على مفاصل السلطة، منذ ثلاثين عاماً إثر الانقلاب الذي قاده البشير بالاتفاق مع زعيم الحركة الإسلامية الراحل، حسن الترابي، في العام 1989، بالرغم من الاتفاقات الكثيرة التي عقدها مع قوى سياسية عديدة.

اقرأ أيضاً: ما الذي يميز "ربيع" السودان وما السيناريوهات المحتملة؟

تتحدث تسريبات في الخرطوم بأنّ تعيين البشير لوزير الدفاع نائباً له في الحكومة الجديدة؛ جزء من صفقة تمهيدية؛ يخرج بموجبها البشير من مؤسسة الرئاسة السودانية، لاحقاً، مقابل ضمانات أمريكية بتجميد ملاحقته من محكمة الجنايات الدولية، على خلفية تورطه في جرائم حرب بإقليم دارفور منذ العام 2003. هذا الاتجاه سيكون مؤثراً على علاقة البشير مع المؤتمر الوطني؛ برجحان المزاج العسكري للبشير على مزاجه الحزبي، وهو ما انعكس في إلغاء موعد المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني في نيسان (إبريل) القادم.

اقرأ أيضاً: ماذا قال صلاح قوش عن احتجاجات السودان؟

لقد بدا واضحاً، بعد خطاب البشير، الأخير، وردود فعل قوى المعارضة عليه؛ أنّ المرحلة الجديدة، قد لا تعني تغييراً جوهرياً في سلوك النظام، لاسيما وأنّ البشير أكد في خطابه، أنّ المرجعية السياسية للمرحلة القادمة هي مخرجات الحوار الوطني "الصوري" الذي تمت مداولاته قبل عام  بين الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) ومجموعة من الأحزاب والحركات الصغيرة؛ غير الوازنة في الساحة السياسية السودانية، فيما استقال أكثر من 20 حزباً من الأحزاب الموقعة على برنامج الحوار احتجاجاً على قمع الحكومة للمتظاهرين.

"تجمع المهنيين السودانيين" الذي يقود تنظيم المظاهرات في السودان، بالتوافق مع أحزاب المعارضة الكبرى بشقيها؛ قوى الإجماع الوطني، وقوى نداء السودان (التي وقعت على إعلان الحرية والتغيير) أكد على صفحته في "فيسبوك" بأنّ مطالب المعارضة غير معنية بالتغييرات التي تضمنها خطاب البشير، وأنّ السقف الوحيد لقوى المعارضة يتمثل في المطالب التي تضمنها إعلان "الحرية والتغيير" وأهمها؛ تنحي البشير، وتسليم السلطة لحكومة انتقالية، وفق الإعلان.

اقرأ أيضاً: الحركة الإسلامية السودانية وضريبة الانفصال عن الواقع

سيناريوهات الوضع الساخن في السودان؛ لا تنحو ربما إلى انفراج سياسي، بقدر ما تؤشر على تجدد المظاهرات الشعبية؛ إذ يبدو أنّ استحقاقات المرحلة الجديدة ستظل عسيرةً حيال أي انفراج حقيقي، في غياب أي مؤشر لتغيير جذري يخرج البلاد من نفق الأزمة.

ما يلاحظه الراصد لمجريات الأحداث في السودان، منذ اندلاع المظاهرات في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أنّ هناك مزاجاً عاماً للتغيير الجذري، ولاسيما في أوساط الشباب، والشعارات الشعبية التي أطلقت في الاحتجاجات ربما تؤشر على ذلك.

اقرأ أيضاً: السودان: الكشف عن عدد قتلى الاحتجاجات

وفيما تتعدد تكهنات مصائر المستقبل حيال الوضع في السودان، واحتمالات رصيده من مآلات مشابهة في المنطقة العربية  قبل أعوام، يرى محللون، أنّ مظاهرات السودان لا تُوَفِرُ أسبابُها أدنى حد للمقارنة والشبه مع أحوال المعيشة النسبية التي توفرت في كل من مصر وسوريا في العام 2011.

سيكون ملف وقف الفساد الكبير ومحاكمة الفاسدين، على رأس التحديات التي تطرح نفسها أمام أي حكومة جديدة

ذاك أنّ ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في السودان؛ بسبب الفساد، أمر لا يختلف عليه اثنان  في الحكم والمعارضة؛ حيال ما بلغته تلك الأوضاع  من انهيار وفوضى لا يتوفر معهما أدنى حد للعيش الكريم.

بين محاولة الخروج من الأزمة بحلول قديمة، وبين إصرار المتظاهرين على إسقاط النظام، تتحرك الأوضاع في السودان على مسارات مجهولة الأفق؛ فاليوم لا تبدو أحوال حكومة البشير  ومعاونيه من "قوات الدعم السريع" مشابهة لأحوال حكومة الجنرال عبود التي أسقطها السودانيون في العام 1964، كما لا يبدو  الجيش السوداني اليوم مثلما كان مؤسساً  في عهد الجنرال نميري، حين انحاز وزير الدفاع آنذاك "سوار الذهب" إلى الانتفاضة الشعبية التي أسقطت نميري في العام 1985.

وفيما يبدو المتظاهرون، الأكثر إصراراً على مواجهة النظام، لا تبدو هناك ما يسمّى بـ "الكتلة الحرجة"، حتى الآن، بعد مرور شهرين على الاحتجاجات، ما يعني أنّ الرهان على سلمية الثورة حتى اليوم، ربما يكون قوةً مضافة لسباق المتظاهرين مع الزمن من أجل الوصول إلى كتلة حرجة قد تقلب الموازين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية