حركة النهضة الإخوانية.. هل اعتمدت الانتهازية السياسية للوصول إلى السلطة؟

تونس

حركة النهضة الإخوانية.. هل اعتمدت الانتهازية السياسية للوصول إلى السلطة؟


21/02/2019

لم تكن حركة النّهضة الإخوانية قبل العام 2011، سوى اسم يذكر في المجالس الضّيقة خلسة، وتهمة قد توجّه إلى أحدهم في زمن نظام الرئيس الأسبق زيد العابدين بن علي، الذي زجّ بالآلاف من منتسبيها في السجون، بأحكام قاسية، وصلت المؤبّد والإعدام، في بداية تسعينيات القرن العشرين، أمّا البقيّة الباقية منم؛ فقد توزّعوا على شتات في الدّول الغربيّة مثل؛ بريطانيا وفرنسا، غير أنّ الثّورة التونسية كانت القشة التي رفعت الحرج عن الحركة، ورفعت عنها الحظر، وأخرجت منتسبيها من السّجون في العفو التشريعي العام، فركبت قطار الأحداث وهو يجري، مستفيدة من مناخ الحرية الذي هيّأته لها اندفاعة الشارع وتسارع الأحداث.
انتخابات التأسيسي وتلفيقة الترويكا
دخلت حركة النهضة في معترك الانتخابات التأسيسية ببرنامج انتخابي يضم 365 نقطة، بعدد أيام السنة، وقدّمت وعوداً خيالية تخص مختلف نواحي الحياة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، أنفقت ملايين الدولارات لترويجه عبر الومضات الإشهارية والاتصال المباشر بالناخبين من حيّ إلى حيّ، وانتشر قادتها في البلاد يعقدون الاجتماعات العامة لطمأنة التونسيين، وترويضهم، ومحو الصورة السلبية التي يحملونها عنها، مستغلة كل الطرق بما في ذلك تنظيم حفلات ختان جماعية في القرى والأرياف وتوزيع المساعدات الاجتماعية وتقديم الوعود؛ فحوّلت حدث 23 تشرين الأول (أكتوبر) من انتخابات تأسيسية إلى انتخابات من أجل الحكم، في حين أنّ الوظيفة الرئيسة للمجلس التأسيسي هي صياغة دستور تونسي جديد يحل محلّ دستور 1959؛ الذي اهترأ بتنقيحات بورقيبة وبن علي، والحال أنّ البرنامج الانتخابي الذي قدمته يحتاج إلى ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذه، لا إلى ميزانية بلد صغير محدود الموارد، أغرقه نظام فاسد في الديون على مدى 23 عاماً، في حين كان شق واسع من التونسيين يدركون زيف ما تقدّمه بحكم خبرتهم بالحركة منذ تأسيسها، غير أنّ عوامل كثيرة أسهمت في انتخابها الكتلة الأولى في المجلس التأسيسي بـ90 مقعداً لم تكن كافية لتحقيق أغلبية لجأت إلى حزبين علمانيين للتحالف معهما، فعينت مصطفى بن جعفر، رئيساً للمجلس التأسيسي عن حزب "التكتّل من أجل العمل والحريات"، ومنصف المرزوقي رئيساً للجمهورية عن حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، واكتفت الحركة برئاسة الحكومة لحمادي الجبالي.

اقرأ أيضاً: تونس.. حلم السلطة يضطر حركة النهضة الإخوانية إلى الاستنفار

زعيم الحركة راشد الغنوشي

إلهاء الشارع التوسني

وغداة الفوز بالانتخابات، سارعت حركة النهضة إلى بثّ رسائل طمأنة للمجتمع مؤكدة احترام مكانة المرأة، والعمل على تأسيس مناخ ديمقراطي تعددي، ولكنّ الوهم سرعان ما تبدّد إذ وطدت صلتها بالإرهابيين بعد أن ضغطت من أجل العفو عنهم وإعادتهم إلى مجتمع رفضهم بكل ما يحملون من كراهية وحقد عليه؛ بل إنّ زعيم الحركة راشد الغنوشي عقد معهم اجتماعات ولقاءات كثيرة، كما التقاهم رئيس الجمهورية، منصف المرزوقي، في قصر قرطاج، وتسربت تسجيلات لزعيم الحركة يحثهم فيها على تكوين الجمعيات والتغلغل في كلّ مكان كمرحلة أولى؛ لأنّ الجيش والأمن خارجان عن السيطرة.

دخلت النهضة في معترك الانتخابات التأسيسية ببرنامج انتخابي يضم 365 نقطة وقدّمت وعوداً خيالية تخص مختلف نواحي الحياة

وسرعان ما وجد التونسيون أنفسهم في معارك خالوا أنّهم تجاوزوها، مثل: علاقة المرأة بالرجل، والمساواة بين الجنسين، ودين الدولة، وإشكالية الحريات، وعلى رأسها حرية الضمير، وهي قضايا ألهت بها الحركة الشارع التونسي، في حين أعادت كل منتسبيها إلى العمل وصرفت لهم التعويضات، ومكّنتهم من الوظائف في الإدارات والوزارات، وصارت تعيّر كلّ منتقديها بأنّهم "جماعة صفر فاصل" (تلميحاً إلى نتائج الانتخابات) تقزيماً لآرائهم، كما عملت على شيطنة المعارضين، ولفقت لهم تهماً مثل: تهييج الشارع، وتحريكه، وتعكير الجو العام، وتعطيل المسار، ...إلخ.
تغلغل الإرهاب وإسقاط النهضة
في زمن حكم "النهضة" تفاجأ التونسيون بمخيمات في كل مكان، حذو المدارس والمعاهد والكليات والأسواق، ينظمها قوم يعلنون أنّ برنامجهم هو "الدعوة إلى الإسلام"، ويوزعون المساعدات ويفضون المشاكل الاجتماعية ما استطاعوا، ويعتلون المنابر الإعلامية، ويغزون مواقع التواصل الاجتماعي مروجين خدعة "تونس أرض دعوة لا أرض جهاد"، ليكتشف التونسيون أنّهم جناح للتمويه في حين أنّ أجنحتهم المسلحة كانت تتدرب في الجبال وفي ساحات القتال وتهرّب السلاح، وتخزّنه في المدن والأحياء، أما العنوان المعلن لها؛ فهو الدعوة والعمل على أسلمة المجتمع، والإدارة، والدولة، والتعليم، وغيرها من القطاعات، كما أعلن ذلك زعيم "أنصار الشريعة"، في مؤتمرها الأول، في القيروان، عام 2012.

وبضغط من الشارع التونسي؛ أعلن رئيس الحكومة، علي العريض، في مؤتمر صحفي في 27 آب (أغسطس) العام 2013، "ارتباط هذه الحركة بتنظيم القاعدة، وتورّطها في أعمال إرهابية"، وأقرتها الحكومة "حركة إرهابية محظورة متورطة في اغتيال السياسيَّين البارزَين؛ شكري بلعيد، ومحمد البراهمي".

اقرأ أيضاً: ماذا قال السبسي عن حركة النهضة وجهازها السرّي؟

ولم يكن أمام الشارع التونسي، إلا الضغط من أجل العدول عن نوايا النّهضة في تأسيس دستور يتماشى مع أيديولوجيتها، حينها نشأت حركات عديدة، منها: حركة "تمرّد"، و"خنقتونا"، و"عدنا"، و"كش مات". وبدأ اعتصام الرحيل، في 26 تموز (يوليو) 2013، رافعاً شعار إسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي، لكنّ حركة النهضة التي استفادت من درس سقوط "الإخوان" في مصر، وقبلت بالتوافق مكرهة.
سقوط الحركة وخسارة مليون من ناخبيها
في الانتخابات التشريعية، عام 2014، خسرت "النهضة" 550 ألف صوت من قاعدتها، مقارنة بانتخابات عام 2011، وهو ما يعادل ثلث الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات التأسيسية، وهي رسالة واضحة من الذين اطلعوا على زيف ما تروج له من مغالطات ووعود زائفة وتبين أنّها مجرد أوهام، زد على ذلك؛ الأداء المرتجل في تجربتها لممارسة السلطة وتخوين المعارضين، والسخرية منهم على شاشات التلفزيون، وعلى الإذاعات، وحملات الفيسبوك المنظمة لتشويههم وتكفيرهم، وعجزها عن الإيفاء ببرنامج انتخابي خيالي، وعد بتحويل تونس إلى جنة.

في زمن حكم النهضة تفاجأ التونسيون بمخيمات في كل مكان ينظمها قوم يعلنون أنّ برنامجهم هو الدعوة إلى الإسلام

غير أنّ ذلك لم يمنع من أن تكون "النهضة" الحزب الثاني، بـ69 مقعداً، بعد حزب "نداء تونس"؛ الذي بنى حملته الانتخابية على أخطائها، ليحصل على 86 مقعداً في البرلمان. ورغم وعد الرئيس في الحملة الانتخابية بعدم التحالف مع الإسلاميين والدعوة إلى "التصويت النافع"؛ فقد تحالف الباجي قائد السبسي مع حركة النهضة، مخيباً آمال مئات الآلاف من الذين صوتوا له، وحال استلامه السلطة بدأت سلسلة من الانشقاقات والاستقالات، وتفرعت منه أحزاب وحركات رافضة لما وصف بـ "التوافق المغشوش"؛ الذي عجز بدوره عن الكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية، والجهاز السري لحركة النهضة الذي بات لدى التونسيين حقيقة، كما عجز عن القضاء على الإرهاب، وعن تقديم حلول جدية للأزمة الاقتصادية، وحوّل معادلة الأشياء من حزب يريد حلاً للدولة، إلى حزب يحلّ مشاكله على حساب الدّولة.

اقرأ أيضاً: هل سهّلت حركة النهضة سفر تونسيين متطرفين للقتال في سوريا؟
ودخلت البلاد في مشهد سريالي، عندما قررت "النهضة" التمسك بحكومة يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالي، وكونت معه تحالفاً أطاح بحركة نداء تونس؛ التي تراجعت كتلتها في البرلمان إلى المرتبة الثالثة، لتحلّ محلها كتلة حزب الشاهد (الائتلاف الوطني)؛ والتي تمثل أساساً من بقايا "نداء تونس" والحزب الوطني الحرّ؛ وحينها أعلن رئيس الجمهورية متأخراً فكّ ارتباطه بحركة النهضة، التي استمرت بالتأكيد على أنها تحترم الرئيس وتدعو دوماً إلى التوافق.

اقرأ أيضاً: السبسي نادم.. ما علاقة حركة النهضة؟

الباجي قائد السبسي

"النهضة".. تواصل السقوط

مثلما تنكرت "النهضة" لمنصف المرزوقي، في انتخابات الرئاسة عام 2014، تنكرت للباجي قائد السبسي عام 2018، وكوّنت تحالفاً جديداً وُصف بـ"الانقلاب"، فقد تحالفت سابقاً مع نظام بن علي، ودخلت معه في صفقات سرية ومحادثات، مباشرة وغير مباشرة، للإفراج عن سجنائها، ونشرت مجلاتها في مطابع بورقيبة، وصمتت عن حربه على الاتحاد العام التونسي للشغل، وفي تلك الأثناء كانت من حين إلى آخر تقلب الطاولة على الجميع، منتهزة كلّ فرصة ممكنة للوصول إلى الحكم بأيّة طريقة، متوسّلة قدرتها على التلوّن، وتوظيف العنف، والتطبيع معه، والصمت عنه، وبانكشاف أمرها لدى شقّ واسع من التونسيين، بات تاريخها تاريخاً للسقوط المدوّي بين انتخابات وأخرى.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية