كيف تبدّل واقع المرأة المصرية من عهد الفراعنة إلى اليوم؟

كيف تبدّل واقع المرأة المصرية من عهد الفراعنة إلى اليوم؟


19/04/2021

ربما لم تحظَ المرأة في تاريخ شعوب العالم، بما حظيت به في مصر القديمة من حقوق، إلى الحدّ الذي نستطيع القول، إنّها لم تنشغل أبداً بالسعي، أو الجهاد، لتحصيل المساواة بينها وبين الرجل؛ نظراً لما حازته من مكانة متقدمة، لم تدانِها أمة في التاريخ؛ حيث تشاركت غالبية شعوب الأرض تقريباً نظرة سلبية للمرأة، تنطلق من تفسيرات دينية أو أسطورية باطلة.

اقرأ أيضاً: وعي المرأة المصرية بين النص الديني والأمثال الشعبية

يقول المستشرق ماكس مولر: "ليس ثمة شعب قديم أو حديث قد رفع منزلة المرأة مثل ما رفعها سكان وادي النيل"، ويعلق ويل ديورانت في موسوعته الشهيرة "قصة الحضارة" على ذلك بقوله "فالنقوش القديمة تصوّر النساء يأكلن ويشربن بين الناس، ويقضين ما يحتجنه من المهام في الشوارع، من غير رقيب عليهنّ، ولا سلاح بأيديهنّ، ويمارسن الأعمال الصناعية والتجارية بكامل حريتهن، ولشدّ ما دهش الرحالة اليونان، وقد اعتادوا أن يضيّقوا على نسائهن السليطات، من هذه الحرية، وأخذوا يسخرون من الأزواج المصريين الذين تتحكم فيهم زوجاتهم".

لم يكن غريباً أنّ التردي في منظومة الأسرة اليوم جاء مترافقاً مع تراجع مكانة المرأة

وفي هذا السياق يقول الرحالة اليوناني ديودور الصقلي (ت 30 قبل الميلاد): "إنّ طاعة الزوج لزوجته في وادي النيل كانت من الشروط التي تنصّ عليها عقود الزواج، والنساء كنّ يتملّكن ويورَّثن، كما تشهد بذلك وثيقة من أقدم الوثائق في التاريخ من عهد الأسرة الثالثة، توصى فيها السيدة نب سنت بأراضيها لأبنائها، وقد ارتقت حتشبسوت وكليوباترا عرش مصر، وحكمتا كما يحكم الملوك من الرجال، في تأكيد عملي على أنّ فضاء الترقّي مفتوح تماماً أمام المرأة في كلّ ميدان".

لكن من يفتش في البرديات، يجد نبرة ساخرة، يبدو أنّها ماتزال سمة رئيسة في طبائع المصريين، ومن ذلك ما كتبه رجل من رجال الأخلاق الأقدمين، يحذر قرّاءه منهنّ فيقول: "احذر المرأة التي تأتيك من الداخل، والتي لا يعرفها أهل مدينتها إذا أتت، ولا تعرفها؛ فهي كالدردور في الماء العميق، لا تستطيع سبر أغوارها، وإذا لم يكن معها شاهد عليها، قامت ونشرت حولك شباكها، وما أشنعها من جريمة إذا أصغى إليها الإنسان"!

أما النغمة المصرية الخالصة عن الأمر؛ فهي التي تسمعها في نصيحة بتاح حوتب لابنه، التي يقول فيها: "إذا كنت ناجحاً أثّث بيتك، وكنت تحبّ زوجة قلبك فاملأ بطنها واكسُ ظهرها، وأدخل السرور على قلبها طوال الوقت الذي تكون فيه لك، ذلك أنها حرث نافع لمن يملكه، وإن عارضتها كان في ذلك خرابك"، تأمّل كيف يستقيم هذا المنطق مع الآية الكريمة التي تقول: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة البقرة: (223)].

اقرأ أيضاً: الأزهر ومسألة ضرب المرأة خطوة على طريق التجديد

وتتضح مكانة المرأة كأمّ في بردية وُجدت بمنطقة بولاق، توجه الطفل توجيهاً ينضح بالحكمة، ويحفظ للأم مكانتها، يقول: "ينبغي لك ألا تنسى أمك؛ فقد حملتك طويلاً في حنايا صدرها، وكنت فيها حملاً ثقيلاً، وبعد أن أتممت شهورك ولدتك، ثم حملتك على كتفها ثلاث سنين طوالاً، وأرضعتك ثديها، وغدتك، ولم تشمئز من قذارتك، ولما دخلت المدرسة وتعلمت الكتابة، كانت تقف كلّ يوم إلى جانب معلمك، ومعها الخبز والجعة، جاءت بهما من البيت".

كان النظام الاجتماعي في مصر الفرعونية شديد التقدمية، وهو ما يبدو في نمط اختيار الزوج؛ حيث كان من المعروف استقرار العرف الاجتماعي على أن يخطب الرجل المرأة وليس العكس، لكن الأمر اختلف في مصر.

لم تحظَ المرأة في تاريخ شعوب العالم بما حظيت به في مصر القديمة من حقوق

حيث كان الشائع أن تخطب المرأة من يروق لها من الرجال، فتكون هي البادئة، وليس الرجل، وحفظت لنا بعض البرديات تلك الرسالة من سيدة لمخطوبها: "أي صديقي الجميل، إنّي أرغب في أن أكون بوصفي زوجتك، صاحبة كلّ أملاكك".

ربما بقيت تلك المنزلة راسخة في المجتمع المصري لآجال طويلة، حتى سجلت الأمثال الشعبية قول أحدهم: "فين بلدك يا جحا، فيقول البلد اللي منها مراتي".

هذه الثقافة التي حافظ عليها المصريون طويلاً كانت ترى في الزوجة الفلاحةَ التي تعمل في الحقل مع زوجها كتفاً بكتف، وتكشف عن ذراع الجدّ، وتغشى المجالس، وتقول رأيها، بل وتفصل في القضايا العرفية، وقد برعت في هذا المجال كثيرات من النساء، وعرف المجتمع المصري تداخلاً من المرأة في كلّ الساحات والمساحات التي احتكرها الرجل في مجتمعات أخرى.

اقرأ أيضاً: نضال المرأة لانتزاع حقوقها ليس وليد القرن الـ19

كان هذا هو الواقع في مصر قبل أن يأخذ بالتراجع تدريجياً في العصر الحديث، نتيجة تصورات مستوردة اكتست طابعاً دينياً متشدّداً غريباً عن هذا المجتمع في التصور والاعتقاد والسلوك وأنماط العيش، ورافق ذلك غياب مؤسسات التنشئة الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، ما أطلق حالة من التردي العام، وكان من مظاهرها اللافتة؛ أن تحتلّ مصر المركز الأول عالمياً في حالات الطلاق، بواقع حالة طلاق كلّ أربع دقائق.

لم يكن غريباً أنّ التردي في منظومة الأسرة، جاء مترافقاً مع تراجع مكانة المرأة، وانعكس في انتشار جرائم كالاغتصاب والتحرش، وغيرها من جرائم العنف بحقّ المرأة، ما يكشف تراجع تلك المكانة التاريخية التي حظيت بها في الماضي، إلى حدّ التمييز لصالحها، وليس العكس، كما يجري اليوم!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية