رئاسات العراق الجديدة... قديمة

رئاسات العراق الجديدة... قديمة


03/10/2018

أخيراً اكتملت الرئاسات العراقية الثلاث، بعد نحو خمسة أشهر على الانتخابات البرلمانية؛ التي شهدت أضعف نسبة إقبال من المصوّتين، لكنّ الآمال المعقودة على إخراج البلاد من أزماتها، ستصطدم بأساس جوهريّ، لم تخرج معه الكابينة الجديدة: رئيس البرلمان، رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء؛ فهي وإن بدت مختلفة على الاتفاقات المسبقة، التي كانت تحدد الرؤساء قبل الذهاب إلى التصويت، كما حصل في انتخابات الأعوام 2006، 2010 و2014، لكنّها ظلت ضمن الإطار الطائفي- المحاصصاتي الحاكم للبلاد، فرئيس البرلمان سنّي، والجمهورية كرديّ، والحكومة شيعيّ.

أقرأ أيضاً: تعرّف إلى الرئيس العراقيّ الجديد ورئيس حكومته

ليس هذا وحسب؛ فرئيس الجمهورية، السيد برهم صالح، سياسي ثابت الحضور في عراق ما بعد عام 2003، وإن تعدّدت مناصبه ما بين بغداد وإقليم كردستان، فهو كردي من حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"؛ الذي احتكر منصب رئاسة البلاد منذ عام 2005، عبر زعيم الحزب الراحل، جلال الطالباني، مروراً بالسيد فؤاد معصوم، وانتهاء به، فقد عاد صالح إلى حضن حزبه القديم، بعد محاولاته تجديد الحياة السياسية في الإقليم، شبه المستقل، عبر تشكيل حزب جديد عام 2014، فضلاً عن انصرافه الأكاديمي في كونه رئيس الهيئة المشرفة على الجامعة الأمريكية في السليمانية.

أما رئيس الوزراء المكلَّف، السيد عادل عبد المهدي؛ فقد شغل منصب نائب رئيس الجمهورية، بين عامَي 2006-2010، ووزارة النفط خلال السنة الأولى من حكومة حيدر العبادي، المنتهية ولايتها، فضلاً عن عمله الحزبي الطويل، ضمن "المجلس الأعلى الإسلامي"، الذي كان أحد الأسس للعملية السياسية الطائفية التي حكمت البلاد، وإن بدا شبه مستقلّ، بعد أن أسّس زعيم المجلس، السيد عمار الحكيم، حزباً جديداً؛ هو "تيار الحكمة" فيما ظلّ الحرس القديم ضمن "المجلس الأعلى".

عاد برهم صالح إلى حزبه القديم بعد محاولاته تجديد الحياة السياسية في الإقليم عبر تشكيل حزب جديد عام 2014

وحتى رئيس البرلمان الذي يوصف بـ "الشاب"، السيد محمد الحلبوسي، هو نائب سابق عن الأنبار، ثم محافظ لها، وعمل في الهيئات الطائفية السنّية، سياسياً وحكومياً، حتى في أوقات سيطرة تنظيم القاعدة على الأنبار (2005- 2008).

من هنا؛ تبدو حقيقة وجود رئاسات جديدة قد تسعى الى إحداث تغيير في البلاد، غير دقيقة، اللّهم إلّا إذا أخذنا غياب حزب "الدعوة الإسلامية" عن منصب رئاسة الوزراء، الذي ظلّ محتفظاً به منذ عام 2005 حتى اليوم.

صحيح أنّ هذا المؤشر مهمّ وجوهريّ لجهة مسؤولية الحزب، عبر رئاسة الوزراء، عن أبرز عوامل الفشل في العراق: الطائفية، التدهور الأمني، والفساد الواسع، إلا أنّ الرئاسات الجديدة ليست بعيدة عن المسؤولية في تلك العوامل، وبشكل خاص الفساد المالي والإداري، الذي تحوّل غولاً حقيقياً عجز رئيس الوزراء حيدر العبادي عن مواجهته، رغم نجاحه في تجاوز محنة الإرهاب الواسع، وهزيمة تنظيم داعش، عبر دور فعّال لقوات عراقية بدت أقرب إلى الخروج من الإطار الطائفي المدمّر.

اقرأ أيضاً: البرلمان العراقي... صفقة غير مكتملة

قد يكون رئيس الجمهورية، برهم صالح، "مختلفاً" عن المسار الثقيل والسيّئ للطائفيّين، السنّة والشيعة، وحتى القوميين الأكراد، لكنّه، شاء أم أبى، سيرث تركةً ثقيلةً في أحد أكبر مؤسسات الدولة العراقية فساداً، فهي، رغم جوهرها الدستوري الضعيف (البروتوكولي)، إلّا أنّها كانت تستولي على مخصصاتٍ ماليةٍ ضخمة، تبدأ من الصرف المبالغ به على لواءين كاملين، كـ "الحرس الجمهوري"، ولا تنتهي بجيش من المستشارين والإداريين، الذين لا يقدمون فعلاً حقيقياً يتصل بعمل الدولة، وهذا الجيش "العاطل"؛ الذي يسترخي تحت أفياء رئاسة الجمهورية، له شقيق في رئاسة البرلمان، وآخر أكبر في رئاسة الوزراء.

تبدو حقيقة وجود رئاسات جديدة، قد تسعى إلى إحداث تغيير في البلاد، غير دقيقة

وإذا كانت الهوية الوطنية العراقية، قد شكّلت الامتحان الذي فشلَ فيه معظم سياسيي البلاد، بعد عام 2005، فإنّ الرئاسات "الجديدة" ليست في وارد التصدي لهذه القضية، بما يعزز مصالح البلاد حيال السيطرة شبه التامة لإيران على عراق اليوم، وهي من خلال عملها الطويل ضمن حكومات أشرفت إيران على تشكيلها، لطالما ظلّت تدور في الفلك الإيرانيّ، حتى مع المسار الطبيعي للعلاقة بين واشنطن وطهران، فما بالك اليوم والعاصمتان على خلاف عميق قد يصل إلى الصدام؟

وفي حين يقول عراقيون: إنّ "التغيير" في الطاقم الجديد، المتمثل بإزاحة حزب الدعوة عن رئاسة الحكومة (المنصب الأكثر نفوذاً)، جاء إثر غضب شعبي واسع، كما في التظاهرات الاحتجاجية في البصرة، وعموم الجنوب، منذ تموز (يوليو) الماضي، إلا أنّ الدروس السابقة التي كشفت عنها حكومات ما بعد عام 2005، أكدت أنّ "حركات" كهذه، ما هي إلا امتصاص للغضب، ولا يوجد أساس جوهري للتغيير فيها، وهو ما حصل في أعقاب انتفاضة 25 شباط (فبراير) عام 2011 ضدّ حكومة المالكي ومثيلاتها، ضدّ الفساد، والهزيمة أمام داعش، في 2014 و2015.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن رئيس البرلمان العراقي الجديد؟

حيال كلّ ما تقدّم؛ يبدو الظّل الثقيل للغول الذي صنعه نظام ما بعد 2005، المتواصل اليوم، النظام الطائفي ودولة الفساد المطلق، ثابتاً، ما لم تبدأ الرئاسات بمحاربته، ابتداءً بمؤسساتها ذاتها، قبل غيرها من مؤسسات الدولة، وهذا ما يبدو افتراقاً عن جوهر النظام السياسي ذاته، وهو أقرب ما يكون إلى المستحيل.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية