كتاب سفر الحوالي يبعث سيد قطب من جديد

كتاب سفر الحوالي يبعث سيد قطب من جديد


13/08/2018

فجأة ظهر على السطح كتاب السعودي سفر الحوالي "المسلمون والحضارة الغربية" وروّج الإخوان والسروريون في المملكة والخليج لهذا الكتاب الكارثي، الذي يشرعن للتكفير، وللانفصال عن الآخر، ولعدم إدراك الواقع، وللكفر بالحكومات، وتكفير الأوطان.

الحملة الكبيرة للترويج للكتاب، والتي جاءت من تركيا وقطر، أكدت أنّ الكتاب أردوغاني إخواني، فيه نفس الأتراك، وحبر جماعة الإخوان. فبينما يكفر الحوالي في كتابه العرب جميعاً يؤسلم الأتراك، وبينما يجيز الإرهاب باسم الجهاد، يستنكر على الشعوب أفعالها.

الحوالي ظهر في صورة سيد قطب، وكتابه أحيا معالم في الطريق، وكان شارحاً له، لكن بصورة معاصرة.

الحوالي وسيد قطب لا ينفصلان

استخدم الحوالي في تمهيده للكتاب من صفحة 1 إلى صفحة 75 لغة سيد قطب، وهي الهروب من الواقع المنتصر على شخصه بادعاء قصور ذلك الواقع وعواره الفكري، وصناعة استعلاء زائف، وهي اللغة نفسها التي تظهر في أولى صفحات الكتاب، بتطرف واضح للعيان، عبر فكرة ادعاء اليقين وامتلاكه الخلاص تماماً، كما فعل صاحب الظلال، ومعالم في الطريق.

يزعم سفر الحوالي أنه يقدم رؤية جديدة للعالم في مواجهة الحضارة الغربية، ويقول إنّ هذا الكتاب لم يأت نتيجة نظرة سطحية متعجلة، أو مجرد تشدد، أو تعصب؛ بل هو ثمرة تفكير طويل، وتأمل عميق، ودراسة متأنية، مما يؤكد بداية أنّ الأفكار التي وردت فيه هي أفكار مقصودة من صاحبها بلا شك.

بينما يكفر الحوالي في كتابه العرب جميعاً يؤسلم الأتراك وبينما يجيز الإرهاب باسم الجهاد يستنكر على الشعوب أفعالها

في الصفحات الأولى تظهر لغة اليقين، وهي ذات أهل الظلال، فـ "قطب" في المعالم يقول عن كتابه: "أرجو أن يحول به المسلم من اليقين إلى حق اليقين"، بينما أهل العلم دائماً لا يستخدمون لغة اليقين والحسم، بل يقولون بقول أبي حنيفة: "إننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غداً". وقال لتلميذه (أبو يوسف) لما رأه يكتب عنه كل ما يقوله: "ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد"، وكان أحمد بن حنبل يقول: "لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا".

أما لغة التطرف فهي اليقين وزعم الحق المطلق، ففرعون يقول:"مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ".

يقول كذلك الحوالي صفحة 9: "الإقرار أنّ الغرب أجود منا ليس في الصناعة فقط، لكن في الإدارة والسياسة واحترام الشعوب ونصرة المظلوم.. الغرب يكن عداوة متأصلة للإسلام بناء على: الانحياز الدائم للصهاينة، إدخال المسلمين فى نفق محاربة البعبع المفتعل (الإرهاب)".

لقد حوّل كتاب الحوالي الخلاف بيننا وبين الغرب لخلاف عقائدي بحت شأن الجماعات الإرهابية فيقول: صـفحة 39: "الغرب يريد إخراجنا من التوحيد إلى الشرك، ومن الطاعة للمعصية، ومن السنة للبدعة" في حين أنّ الغرب معظمه ملحد علماني محايد تجاه الأديان فليست حرب دين، بل حرب مصالح وسياسات.

اقرأ أيضاً: سيد قطب بين الماسونية والمايوه وقمع المخالفين

الحقيقة التي لم يدركها سفر الحوالي، أنّ محاربة الإرهاب لم يفرضها علينا الغرب، وإنما فرض ذلك علينا ثلة من أبناء الإسلام، الذين قد يضعفون دول الإسلام باستزافها مالياً وعسكرياً وأمنياً وسياسياً، عبر فرضهم حروباً طاحنة تأخذ الثروات، وتضيفها لرصيد أعدائها، بالإضافة لتشويه الإسلام ذاته، بعرض مفاهيم خاطئة تطعن في الدين وصلاحيته وملاءمته للعصر، وتهديد العيش المستقر للأقليات المسلمة في أوروبا، ومن ثمّ فالغرب لم يفرض علينا هذه الحرب، بل هو يعاني منها، ويحارب معنا حماية لمصالحه، ويتركنا، بل ويحمي الإرهابيين من باب السياسة نكاية فينا – بريطانيا – وغيرها، على سبيل المثال اللجوء السياسي، الذي يقدمونه لقادة الإرهاب.

يقول الحوالي في صـفحة 797: "مــن أعظــم الذنــوب المنافيــة للتوحيــد اتخــاذ أنــداد مــع االله، والشــرك بــه مــع نصــب أصنــام جديــدة لا يعلمهــا كثــر مــن النــاس، ومــن الإيمــان ببعــض الديــن مــع الكفــر ببعــض، أن نــرى في الشــارع الواحــد مســجداً للصلاة وبنكاً للربــا".

يقول الشيخ نـايف بن محمد العســاكر، في الرد على الحوالي برسالته المسماة (نتــاج الأفكــار العـــوالي في كشــف ما لفقـــه وافتـــراه الحـــوالي): "إنّ مــن أعجــب الأشــياء إلــي لــدى ســفر الحــوالي أنــه اســتحدث شــركاً واحــداً بأنــه شــرك بــالله، وهــذا يــدل علــى هذيــان وافــتراء علــى الله ورســوله.. إن أحــد أســاليب الجماعــات الإرهابية التكفيرية هــو اســتحداث تشــريعات جديــدة، كمــا شــاهدنا ذلــك بقتــل الآبــاء والأمهــات والتفجـيـر باســتخدام الأطفــال الصغــار مــن والديهــم".

اقرأ أيضاً: هجوم الإسكندرية: التكفير والتفجير.. تكتيك إخواني ثابت

وحين يتحدث الحوالي عن الحكم، فإنما يتكلم عن أنّ أساسه الشورى فقط، ناسياً أنّ أساليب انتقال الحكم لم ينص عليها الإسلام بشكل واحد، ولا طريقة واحدة، فيقول: صفحة 158: "والحكم في الإسلام أساســـه الشورى، وليس محصوراً في أســـرة واحدة تتوارثه، فأي اســتعمار في الدنيــا أعظــم مــن هــذا، وأي مصيبــة أكـبـر مــن مصيبتنـا".

وقد كشف سفر الحوالي من خلال ما كتبه نحو المرأة عــن نفسية مريضة وعنيفة تجاه معاملتها وحقوقها، حينما دعا إلى ضربها، فيما الشــريعة الإســلامية نصــت علــى الرأفــة والتعامــل الحســن مــع النســاء.

الحوالي يؤصّل للتكفير

يقول سفر الحوالي في صفحة 9: "إن المملكة تحارب الصحوة في بلاد الحرمين، ووصف ذلك أنه انتقال من العلمانية إلى اللادينية، والهجوم على القطعيات مثل إباحة لعب الكوتشينة، في حين يصف تركيا بكونها دولة ناجحة (ص 19، 20) لأنها وفق قوله، عادت للدين والإسلام!".

إنّ المملكة صاحبة الشريعة، تحولت لدى سفر الحوالي لدولة لا دينية، وتركيا التي يعلن أردوغان بكل وضوح أنه رئيس لدولة علمانية، أصبحت دولة عائدة للإسلام!.

اقرأ أيضاً: الإخوان يسوّقون خطابهم الانعزالي التكفيري في أوروبا

الذين يخدمون الحرمين أذهبهم الحوالي للكفر، وأعاد من اعترف بإسرائيل، ويتعامل معها تجارياً واقتصادياً، إلى الإسلام!، فأي هذيان هذا؟!.. لقد ادعّى أنّ العرب فرطوا في القدس، والسلطان عبد الحميد العثماني رفض مشروعهم، برغم أنّ توطن اليهود بفلسطين كان في عصر عبد الحميد أساساً، أما العرب فقد خاضوا مجتمعين ومتفرقين حروباً طاحنة، وفي عصر الخلافة العثمانية احتلت العديد من الدول العربية والإسلامية، وغزاها الإنجليز والفرنسيون، وغيرهم، دون أن يفعل السلطان شيئاً، وفي أوج انتصار وازدهار الدولة العثمانية أبيد المسلمون في الأندلس، رغم استغاثتهم بالسلطان العثماني، الذي يغزو أوروبا، لكنه تركهم يُبادون لأنهم لم يكونوا تحت خلافته، وذهب لحروب أخرى!.. هذه هي الدولة العثمانية الأردوغانية لسفر الحوالي.

الدين لصالح سياسات الإخوان وتركيا

لا يعترف سفر الحوالي بالوطن ويراه كحظيرة؛ حيث يقول في صفحة 329: "المسلمون لا يؤمنون بالمسخ المسمى جامعة الدول العربية، ولا بما هو أضيق كمجلس التعاون الخليجي، أو مجلس التعاون العربي، أو مجلس التعاون المغاربي، ولا بما هو أضيق كالحظائر، التي رسمها سايكس- بيكو، اعتباطياً وسموها أوطاناً".

إنّ عدم الاعتراف بالأوطان، والوقوف أعلى من الوطن، والاستعلاء على المجتمع هو منهج وديدن الإخوان، فالحوالي ورفاقه لا يؤمنون أصلاً بالمملكة ولا بحدودها مطلقاً، فهو يسخر من مسمى الوطن، ويسميه حظيرة، وهذا الرأي لديه ينسحب على كل الدول العربية والإسلامية، ويجعل نفسه وكيلاً عن المسلمين، حين يقول: "المسلمون لا يؤمنون، رغم أنّ المنظمات الإقليمية هي ترتيب لحال الناس ومصالحهم، والرسول، صلى الله عليه وسلم، اعترف بدار الأرقم بن أبي الأرقم، واجتمع الصحابة بعد وفاته في سقيفة بي ساعدة لمناقشة من هو الخليفة.

استخدم الحوالي في تمهيده لغة سيد قطب وهي الهروب من الواقع المنتصر على شخصه بادعاء قصور ذلك الواقع

يتحدث الحوالي في صفحة 218 عن مميزات حضارة الإسلام، باعتبارها حضارة جهاد، وهو نفس مفهوم الجهاد الداعشي، فيقول: "الكفار يقاتولون أعداءهم بدون أجر من الله، أما المسلمون فهم أمة خلقهم الله للجهاد، وهم يغنمون في أيام، أو ساعات، ما بناه الكفار في قرون، وكل ما شيّده الكفار من الأبراج والأبنية والمسارح والمتاحف والمستوطنات والمصانع يغنمه المسلمون بالجهاد، وإذا ترك المسلمون الجهاد، ورضوا بالزرع أو ما يسمى بالتقدم الاقتصادي، سلّط الله عليهم ذلاً لا يرفعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم)".

ويكمل في صفحة 219: "الجهاد هو عزنا ورفاهيتنا وتجارتنا.. وكل خطة ورؤية ليس فيها جهاد خاسرة ولا بد".

لا ريب أنّ الجهاد في الإسلام شُرع لرد العدوان، وليس للإغارة والغنم، كما شأن العرب في الجاهلية، وإلا نكون حوّلنا عادات الجاهلية، وألبسناها لباس الإسلام، قال تعالى: "وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا"، كما قال تعالى: "وقاتوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة".

ويتحدث الحوالي عن الإمارات والكويت من حيث بناء الكنائس، ويقول في صفحة 272، وصفحة 273: لا يجوز بناء الكنائس في جزيرة العرب، كما تفعل دولة الإمارات حين تبني كنائس ومعابد فيها، وكما تفعل الكويت حين تبني كنائس.

ألا يعرف الحوالي أنّ النبي سمح لنصارى نجران بالصلاة في مسجده، فكيف نمنعهم من أداء صلواتهم إذا أقررنا بعدم جواز منعهم، فيلزم من ذلك عدم جواز منع بناء كنائس لهم.

في الوقت الذي يخصص الحوالي في كتابه من صفحة 239 إلى صفحة 256، ومن صفحة 282 إلى صفحة 298، ويجعلها لبيان معنى الطاغوت والكفر به، ويبرز أنّ المراد بالطواغيت "هم الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله"، وكيف أنهم كفار، وهو نفس منهج جماعات التكفير، كالتوقف والتبين، والتكفير والهجرة، التي أسسها شكري مصطفى، والقطبيين أتباع سيد قطب، وغيرهم، فإنه في ذات الوقت يصف رموز الإرهابيين من قيادات القاعدة وداعش والنصرة بالمجاهدين، ويثني على داعش والقاعدة وبوكوحرام، كما قال في صفحة114: "أمريكا تحصر الإرهاب في المسلمين لا سيما "أسامة بن لادن"، و"أبو مصعب الزرقاوي"، و"أنور العولقي"، و"أبو بكر البغدادي"، و"عبداالله المحيسني"، و "عمر عبد الرحمن"، و"خالد مشعل"، و"إسماعيل هنية"، و"موسى أبو مرزوق"، و"رمضان شلّح"، وكل المجاهدين حتى من كان منهم في الشيشان".

الصفحة الرئيسية